الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
ما الذي تريده أمريكا من المنطقة؟
غسان المفلح

كل مرة أحاول الكتابة فيها عن السياسة الأمريكية، ينتابني الخجل من نفسي، أنني في لحظة ما راهنت على حد أدنى أخلاقي فيها. بقي هذا الرهان يلازمني منذ عام 1992 وحتى تاريخ نيسان 2011 أي بعد انطلاق الثورة السورية بأقل من شهر تقريباً. ثماني سنوات منها كنت معتقلاً في سجون الأسد. ما يعزيني طبعاً أنني لم أتوقف لحظة عن نقد هذه السياسة، تجاه شعوب المنطقة. الرهان على الحد الأخلاقي هذا كان نتيجة، لفهم عن طبيعة تطور الحضارة البشرية عموماً، والغربية منها خصوصاً. وليس فقط في قراءة المشهد السياسي الإعلامي. أيضا كان لإسقاط صدام حسين 2003 أثراً في استمرار هذا الرهان الأخلاقي. الذي لم أكن أفصله مطلقاً عن مصالح أمريكا بوصفها دولة قومية من جهة، ودولة قائدة للعالم الرأسمالي من جهة اخرى. أو دولة عالمية او عولمية وفقاً لمصطلح تلك الأيام، أثناء كرنفال دراسة ما يسمى ظاهرة" العولمة".


كل هذا يأتي في سياق يتهمني بعض الأصدقاء والخصوم بأنني ذاتي في قراءاتي للحدث السوري. هذا صحيح لجهة أنني أرى أن الأسدية هي العدو رقم واحد للشعب السوري، العدو الأبدي لسلطة إبادة أبدية. كل من يساعد شعبنا على التخلص منها، سأكون مرحباً به. كل من يقف معها أيا كان حتى لو كان أبي رحمه الله فهو عدوي. هذه معادلة بسيطة كانت ولاتزال وستبقى محور قراءتي لكل حدث في المنطقة. وفقاً لهذه الرؤية كتبت منذ نيسان 2011 العديد من المقالات حول أن أوباما يريد الغدر بثورتنا وشعبنا، وهذا ما حدث وهانحن كشعب سوري ندفع الثمن. بالمقابل بقي موقفي كما هو لجهة" أن الأسدية لا تسقط دون قرار إسرائيلي أمريكي. هذا ما أعلنت عنه منذ اليوم الأول للثورة، وما سجلته في كل مؤتمرات المعارضة قبل الثورة وبعدها. لا تسقط لا سلمياً ولا عسكرة دون هذا القرار. حيث تصير أمريكا هي الشر الذي لابد منه.


وستبقى سوريا إلى حين لا نعرف مداه. كنت أرى أن أحد أهم مهام المعارضة هي محاولتها كسر هذا الحد الأوبامي الحقير. لماذا هذه المقدمة؟ رغم أنني كنقد ذاتي قمت به منذ زمن لموقفي السابق، لكن من أجل الدخول للإجابة عن سؤال، طرحه علي أحد الشباب منذ فترة قصيرة: ما الذي تريده أمريكا من سورية؟ كانت إجابتي السريعة له: ما يعيشه شعبنا من إبادة أسدية دولية هذا ما تريده أمريكا أن يستمر. السياسة الأمريكية تقوم على ثلاث خيارات بالنسبة لشعوب المنطقة النفطية الإسرائيلية. أي في الدول النفطية، والدول المحيطة بإسرائيل. هذه الخيارات هي:

الأول- هو بقاء نظم فاشية إبادية. كالنظام الأسدي على هذا الأساس كان انقلاب السيسي في مصر.

الثاني- استمرار تلغيم هذه المجتمعات بقوى حرب أهلية. الأسدية وأذرع إيران في المنطقة. وعدم الضغط مثلاً لحل القضية الكردية في تركيا وإيران. لأن سورية ملحق صغير على هذا المستوى.

الثالث- في حال لم تقبل الشعوب بذلك عليها أن تتصومل أو تتعرقن أو تتلبنن أو تتسورن. كي يصير القتل للشعوب وأحلامها مبرراً. على هذا الأساس الثالث قامت أمريكا بسيناريو احتلال الثورة من قبل كل هذه الجيوش والمليشيات والمرتزقة من كل أصقاع العالم.


أي ما تعيشه سورية وليبيا واليمن والعراق ولبنان، هي خيار أمريكي بالدرجة الأولى. ما كان لبوتين أو لخامنئي أن يتدخلاً في سورية لقتل الشعب السوري وحماية الاسدية دون إذن أمريكي.

ماذا يعني أن تتعايش القوات الأمريكية مع قوات الأسد في نفس المنطقة؟ طبعاً الموقف الأوروبي عموماً أكثر تواطأ مع هذه السياسة ومع هذا القتل. أيضاً تتعايش قوات المانية وفرنسية وانكليزية مع قوات الأسد، والمليشيات الحليفة له. الموقف الأوروبي يحتاج لوحده بحثاً. بقي نقطة أخيرة من هذه العجالة.


أمريكا تقود العالم هذا صحيح، وأنها الدولة الأقوى على كل المستويات عالمياً صحيح أيضاً، لكن أمريكا تحاول ونتيجة لمصالحها، أن تتقاسم المصالح وفقاً لهذا المنطق مع الدول الأخرى سواء كانت دول عظمى كبرى كالصين وروسيا ودول أوروبا الكبرى، أو مع دول إقليمية كتركيا وإيران. أي أنها تحاول أخذ الكعكة كلها، لكنها تدرك أن هذا الخيار الكلي سيسبب لها مشاكل مع هذه الدول. لهذا تحاول أن تشارك هذه الدول انطلاقاً من حجم أمريكا، وليس انطلاقاً من حجم هذه الدول في السوق العالمية أو في القوة العسكرية. وتفرض هذه الشراكات والحصص بحكم قوتها.


لهذا تجد دوماً اتفاقات ثنائية بين أمريكا وهذه الدول وتفاهمات في كثير من مناطق النزاع والثروة في العالم. لكن هذا لا يمنع أن تبقي عينيها على أخذ الكعكة كلها. في الختام ما يعيشه الشعب السوري بكل مكوناته، هو الخيار الامريكي. فلكم أن تتصورا أصدقائي القراء حجم الفاشية في هذا القرار. والدليل أيضاً القتل الخامنئي بشباب العراق، والتهديد بحرب أهلية ضد الثورة في لبنان عبر الشبيح نصر الله. وأمريكا تقول اذا نصر الله أقدم على مصادرة القرار اللبناني فإنها ستعاقب كل لبنان!!نعم هذه هي أمريكا.


كاتب وصحفي سوري



 

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!