الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ليست رصاصة طائشة تلك التي قتلت بيلا
l20190408041035

تجمع الشركس والأكراد والأرمن والتركمان واليهود وأذربيجان وداغستان ضمن لوحة بهية


أثق بالمدن القديمة لأنها وحدها من تمنحنا تلك الراحة والألفة.. عبر تعافب أرواح من سكنوها.. لذلك أثق بكل من يحرر أدواته في مدن كان لها منذ الأزل حياة وكان لي أن وجدت ضالتي ضمن عرض موجز لرواية حملت في عنوانها تلك القصة الناقصة التي تشدك كي تعرف من قتل الآذرية الجميلة بيلا؟


ما إن تطأ أناملك أولى صفحات الرواية حتى تجد نفسك واقفاَ في أزقة و شوارع حلب لا تشبه ما آلت إليه حلب اليوم.. بل هي حلب الصبية التي تعيش العشرينات من عمرها.


تستطيع أن تمشي عبر لغة أنيقة بشوارع مرصوفة بالحجارة تصل بك إلى خان الهوكيدون.. نزولاَ عبر شارع سيسي إلى الحي المسيحي في الجديدة.

ستأخذك قدميك عبر الأرصفة المبتلة بعد ليلة ماطرة إلى ساحة فرحات لتمتزج رائحة الحجارة الرطبة السوداء مع المطر ورائحة السحلب الساخن مع حلوى اللازانيا الممزوجة بالسكر المحروق.


ستلتقط عيناك صورة لكؤوس زجاجية مميزة مملوءة بشراب اللوز المثلج وفي مكان آخر تتفاخر النساء الحلبيات بمربى الباذنجان المحشو بالجوز.


سيلفت نظرك وأنت تنتقل بين السطور ملابس النساء الحلبيات المتدرجة بين أقمشة الحرير والصوف والدانتيل الأبيض وتلك المناديل المزركشة وقبعات القماش التي تغطي الرأس.


ستتخيل وصف الملابس الباذخ عندما تصف الكاتبة ثوباً من الدانتيل الكريمى اللون مع قبعة من القماش ذاته وحقيبة صغيرة من الخرز اللؤلؤى متناوباً مع اللون الأرجوانى ليغدو تحفة حقيقية، مع الحذاء الأرجوانى المزين بإبزيم ذهبى لامع.


الجدائل الشقراء المعقودة مع شريطين من الخرز الأرجوانى باختصار بدت شيئاً رائعاً يمشى على قدمين.. مشت معها أمها بثوب من الموسلين الأبيض يصل إلى ما فوق كعبيها قليلاً، يحيط بالفستان كنار عريض من الدانيتل الأسود المخرم، وفى الوقت نفسه أحاطت رأسها بقبعة سوداء من قماش الكنار ذاته، ولاح زالفاها الشقراوان والمكويان بعناية واضحة.


هكذا رسم عبر الكلمات لن يبرح ذاكرتك مطولاَ.. ولن يقدم على دقة الوصف بهذا الشكل إلا أنثى تعي جمالية اللوحة التي ترسم .


ستقلب الصفحة لتجد طريقاَ ضيقاَ.. ستكمل فيه إلى حمام برهم أو حمام بهرام.. ولو وقفت قليلاَ ستصغي إلى صوت جرس كنيسة الأربعين ومأذنة جامع بشير باشا


ومن ثم.. ستقف مطولاَ في ذلك البيت العتيق الذي ضم العديد من العائلات التي تنتمي إلى ديانات مختلفة شردتها أوطانها لأجل صراعات سياسية ودينية راح ضحيتها شعوباَ إما تهجيراً أو نحراً باسم الدين والإحتلاف فكان أن احتضنهم المنزل كأم معدمة لكنها حنون.


منزل الأجقباش الذي ضم شخوص الرواية

منزل حلبي عريق سمي بـ الأجقباش نسبة إلى مالكه الأول أجق باش التركي الذي كان يخرج من منزله حاسر الرأس توالت على ملكيته العديد من العائلات التركية والحلبية العريقة ومن بعدها سكنته العائلات الفقيرة إلى أن تم استملاكه وتحويله إلى متحف للتقاليد الشعبية ما بين عامي 1967 – 1973

وظل المنزل له أسلوب معماري عريق إلى أن تم تدميره عام 2015

مع استعراض الكاتبة لبيوت حلب العريقة بهندستها الفريدة وصخرها الأشهب الذي كنيت باسمه حلب الشهباء لذلك تعتبر بيوت حلب أقوى من بيوت دمشق التي تبنى من الطين والخشب

أهم تلك البيوت العريقة والتي تشكل جميعها عمراناَ فريداَ

بيت الدلال – بين غزالة – بيت باصيل – بيت صابر – بيت جنبلاط – بيت رجب باشا

البيت العجمي – البيمارستان الأرغوني – وبيت وكيل والذي انترعت خشبياته الثمينة لتعرض في المتحف الإسلامي في برلين


بين كل هذه العراقة استطاعت الكاتبة بتلك اللغة الرشيقة أن تعيش بين عدة عائلات فقيرة هربت من سكاكين الذبح وضمها المنزل الكبير


عن الرواية

تدور أحداث الرواية ما بين حلب ودمشق وخناصرة

كنافذة نطل عليها عن كثب للماضي والزمن الجميل.

*بيلا الآذرية الخلابة ذات البشرة الرخامية الهاربة من مدينتها باكو لتصل حلب وتعيش بها كخادمة ومن ثم تتزوج من أرمل يكبرها في السن لكنه كان ملاذها الوحيد للأمان بعيداَ عن الكلاب الضالة.

حبسها زوجها رفقي في قصره في خناصرة.. ووجدت نفسها تعيش حباَ جامحاَ مع أخيه شمسي.. جعلها تتخلص من عقدتها وتتكلم معه فقط.

لكن قدرها حال بينها وبين أن تعيش بسلام.. فقد غافلتها رصاصة لم تكن طائشة أبداَ.. لتنهي حياتها كغزالة تعثرت بالوحل في خطاها فأدركتها الكلاب

*سيسي الأرمنية السمراء التي أختصرت كل شقاوتها في جديلتين طويلتين.. تصل مع والديها إلى حلب بعد أن نجوا بإعجوبة من قدر الذبح.

لكن والدتها ناديا أبت أن تساعد ذاكرتها في محو الألم فاستسلمت للموت على هيئة انتحار من برج كنيسة الأربعين.

عاشت سيسي تنتظر حبها لعشر سنوات وربما أكثر.. التقته أخيراَ.. تيمور ابن بيلا.. وقبلت معاندة القدر.. عاشت له خلسة عن كل ظروفه وولديه وزوجته المهووسة.. لكن القدر الذي يكره سعادة المحبين اختار له موتاَ كالذي اختاره لوالدته قبلاَ.. لتقتات سسيسي مجدداَ على الذكريات..

العديد من الشخصيات المتداخلة في القصة.. قصص حب معقدة.. غنى فاحش يقابله في الطرف الآخر فقر مدقع.. لتستمر الحكايات ضمن ظروف الحياة القاسية التي لم تكن عادلة لأحد أبداَ.

عن الكاتبة

لا تستطيع أن تحدد هوية للكاتبة سوى أنها ابنة سورية فقد عاشت في عدة مدن سورية وتنقلت بين عاصي حمص.. وبردى دمشق.. ونواعير حماه .. وبحر اللاذقية وسفوح حوران لفحتها شمس البادية ولمست قباب الطين الغريبة الشكل كقبعة رجل مسن.. لذلك اكتنزت في مخيلتها كل قصص الغرباء لتنهمر حروفها على ورق بصدق الوصف والإحساس لكل تلك الآلام التي لامستنا ونحن نقرأ..

تخرجت من كلية الفلسفة من جامعة دمشق وبدأت في عمل الصحافة والكتابة ليصل رصيدها إلى سبعة عشر مؤلفاَ ما بين السيرة الشعرية في نمور صريحة.. وقصة مشوقة لليافعين الذئبة أم كاسب..

أجمل رواياتها.. سلطانات الرمل.. بنات نعش.. بنت الباشا.. ونازك خانم..


وقد نالت الكاتبة عدة جوائز :

القائمة القصيرة عن رواية ألماس ونساء للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2015

جائزة الشيخ زائد القائمة القصيرة لأدب الأطفال لعام 2016 عن رواية البحث عن الصقر غنام

جائزة الشيخ زائد القائمة القصيرة لأدب الأطفال لعام 2017 عن رواية الذئبة أم كاسب

جائزة الشيخ زايد القائمة القصيرة 2018 عن أنا سلمى


تتميز روايات الكاتبة بأنها ليست مجرد سرد لأحداث وقصص حياتية بل ينبع الشغف من ذلك الجانب التوثيقي والتاريخي الصادق والدقيق للأماكن والشخوص والزمن وتفاصيل الحياة اليومية

جانب يذكرنا بالاستخفاف والاستسهال الذي يكتسح بعض هرطقات الكتابات السريعة تحت مسمى رواية إلى جانب فوضى الدراما السورية التي يشوه بعضها التاريخ السوري بدون أن التطرق ولو لجانب تاريخي واحد بحياد.

تلك الفوضى التي لاتنفك تصور عشرينيات وخمسينيات الزمن بنساء متشحات بجلابيب سود وأميات في الفكر.. وعقول رجال لاتتسع لأكثر من ثرثرات سطحية في تعدد الزوجات وقتل الشرف ورجال لايتسموا إلابشاربين وسكين أعلى خصره!

فـ شكراَ للكاتبة لأنها استطاعت أن تزيح ستاراَ مخفياَ لنرى وجهاَ جميلاَ للحياة آنذاك.. عجز الكثير عن إزاحته لعدم قدرتهم على مسك خيوط الحقيقة..

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!