الوضع المظلم
الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
  • لبنان يتجاوز حقوق الإنسان بترحيل اللاجئين قسرًا

لبنان يتجاوز حقوق الإنسان بترحيل اللاجئين قسرًا
حملة لوقف حملات الترحيل (المصدر GETTY IMAGES)

أدى النزاع المسلح في سوريا إلى تشريد ملايين السوريين، سواء عبر اللجوء إلى الدول المجاورة أو النزوح داخليًا. ومن بين الدول المجاورة، يأتي لبنان كوجهة رئيسية للاجئين السوريين بحكم التلاصق الجغرافي. اضطر العديد من السوريين لاتخاذ قرار صعب بترك وطنهم ومناطقهم الأصلية للبحث عن حياة كريمة وآمنة. بسبب النزاع المسلح والانتهاكات الإنسانية التي تمارسها حكومة النظام السوري وغيره من الميليشيات المسلحة والمنتشرة على الأراضي السورية.

تكاثرت في الآونة الأخيرة إصدار تصريحات سياسية لبنانية[1] تعتبر أن النزاع المسلح قد انتهى، وأن اللاجئين السوريين في البلاد يجب أن يخضعوا لخطة "العودة الطوعية" التي اقترحتها الحكومة اللبنانية في أواخر العام 2022، والتي تقوم على إعادة 15 ألف لاجئ شهريًا، مع غياب أي مشاركة رسمية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ومن دون الأخذ بعين الاعتبار تقييم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول حقيقة الوضع في سوريا.

يقوم التوجه السياسي الأخير في لبنان بإجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى بلدهم، ويتضمن هذا التوجه سياسات تزيد من انعدام الأمن القانوني للاجئين السوريين في لبنان، حيث شهد نيسان/ إبريل 2023 تصاعد الحملات الأمنية التعسفية ضد أماكن سكن اللاجئين في عدة مناطق في لبنان، مثل برج حمود وحارة صخر ووادي خالد والهرمل، إلى جانب قضاء الشوف وقضاء كسروان. وتم اعتقال العديد من اللاجئين السوريين تعسفيًا وترحيل آخرين قسريًا.

تزامنًا مع الحملة الأمنية، أصدرت العديد من البلديات اللبنانية قرارات تعسفية تقيّد حرية تنقل اللاجئين وتحرمهم من حقوقهم الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، قامت بعض الأحزاب السياسية اللبنانية وبعض الوزراء في حكومة تصريف الأعمال الحالية بإثارة الشارع اللبناني من خلال تصريحاتهم المسيئة بحق اللاجئين السوريين. وقد استخدموا قضية اللاجئين كسبب رئيسي لتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان، دون مراعاة ضرر هذه التصريحات السلبية على العلاقات بين الشعب اللبناني واللاجئين السوريين. كما تجاهلت الحكومة اللبنانية الحالية والحكومات السابقة، منذ بداية أزمة اللجوء السوري إلى لبنان، ضرورة وضع سياسات واضحة تحترم حقوق الإنسان للتعامل مع قضية اللاجئين السوريين.

 في الواقع، لم تبلغ سوريا حالة من الأمان المناسب لعودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية، حيث انهار الاقتصاد جراء النزاع القائم في البلاد، وتدمرت العديد من البنى التحتية والمرافق العامة والأبنية السكنية، من دون أي ملامح واضحة حول توقيت إعمارها بتنسيق دولي، ونتيجة لذلك، يعيش أكثر من 80% من السكان في سوريا تحت فقر مدقع[2]، فضلًا عن استمرار الأعمال العدائية في بعض المناطق، والاعتقالات التعسفية من قبل مختلف أطراف النزاع، على رأسهم الحكومة السورية، حيث يتهم ضباط المخابرات السورية اللاجئين العائدين إلى بلادهم بعدم الولاء أو "مشاركتهم بأعمال إرهابية" أو إجبارهم على تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، وهذا استهداف واضح بسبب قرارهم بالفرار من سوريا خوفًا على حياتهم من النزاع المسلح.

اقرأ المزيد: قطاف الوردة الشامية فخر مواسم قرية صغيرة في شرق لبنان

يوثق مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) في هذا التقرير انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في سياق المداهمات الأمنية والاعتقالات التعسفية بحق اللاجئين السوريين تمهيدًا لترحيلهم قسرًا إلى سوريا، يستند التقرير إلى معلومات جُمعت من خلال عشرات الشهادات أجراها فريق العمل مع ضحايا وناجين من اللاجئين، و/أو أقاربهم من الدرجة الأولى و/أو الثانية، و/أو شهود على حوادث الاعتقالات التعسّفية الجماعية والترحيلات القسرية منذ بدء الحملة الأمنية. ويعرض التقرير منهجية الحملة الأمنية وآثارها السلبية على قدرة اللاجئين على عيش حياة كريمة، في ظلّ غياب تام لمؤسسات الدولة المسؤولة عن رقابة حقوق الإنسان ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات في هذا السياق.

إذ وثّق مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) منذ بداية نيسان/ابريل 2023 حتى 16 أيار/مايو2023، ما لا يقل عن 22 عملية مداهمة أمنية نفذها الجيش اللبناني في أماكن سكن لاجئين سوريين في مختلف أنحاء البلاد، بالإضافة إلى ما لا يقل عن حاجزين أمنيين مؤقتين أحدهما في جونيه والآخر في زحلة دوار الرحاب. تم على أثر كل ذلك اعتقال  808لاجئًا اعتقالًا  تعسفيًا من (بينهم 17 لاجئًا يملكون أوراق إقامة قانونية، و13 من النساء، و24 من القاصرين، و2 من أفراد مجتمع الميم عين)، حيث تعرض بعضهم للضرب و/أو المعاملة القاسية و/أو اللاإنسانية و/أو المهينة من قبل أفراد في الجيش اللبناني. فيما تم ترحيل ما لا يقل عن 336 لاجئًا من المعتقلين/الموقوفين إلى خارج الحدود اللبنانية قسرًا، (بينهم 12 لاجئ يملكون أوراق إقامة قانونية، و13 من النساء، و22 من القاصرين، و2 من أفراد مجتمع الميم عين).

وقال 75 لاجئًا من المرحلين لـ ACHR  بأن السلطات السورية أعادت تسليمهم إلى مهربي بشر المتواجدين على الحدود اللبنانية والتفاوض معهم لأعادتهم إلى لبنان لقاء مبالع مالية تتراوح بين 150 و300 دولار أمريكي للفرد الواحد، بينما وصلت المبالغ المالية إلى نحو 3000 دولار أمريكي للأفراد الذين يواجهون مخاطر أمنية مباشرة في سوريا. وأكّد 51 لاجئًا منهم أن الجيش اللبناني قام بتسليمهم إلى السلطات السورية بشكل مباشر.

 

وقد رصد مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) حوالي 32 عمليات مداهمة أمنية و/أو حواجز أمنية تم تداولها عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، والمعلومات الأولية التي حصل عليها الباحثين الميدانيين تقول بأن أعداد المعتقلين تعسفيًا تراوحت بين 900 و1400 شخص، ولم يتسنّ للفريق التوثيق والتحقق من دقّة أعداد اللاجئين الذين تم اعتقالهم وترحيلهم، فيما تداول ناشطون أن أعداد الترحيل القسري وصلت إلى نحو 700 حالة ترحيل خلال فترة الحملة الأمنية حتى صباح يوم الثلاثاء 16 مايو 2023.

وعلى ما يبدو فإن هذا التصعيد عبر الحملة الأمنية  يستند لقرار تعسّفي أصدره مجلس الدفاع الأعلى القاضي بترحيل السوريين الداخلين إلى لبنان بطريقة غير قانونية بعد تاريخ 24 نيسان 2019، ومن دون الاستناد إلى الوضع الأمني لحالة اللاجئين الذين قد تتعرض حياتهم للخطر في سوريا جراء عمليات الترحيل القسري، وإن مثل هذه القرارات تخالف الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الموجودة في مقدمة الدستور اللبناني. وبحسب مراقبة مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) لحالة حقوق الإنسان للاجئين السوريين خلال السنوات الأربعة الماضية، فإن لبنان لا يزال يستخدم ملف اللاجئين السوريين كـ ورقة مساومة وضغط على المجتمع الدولي، مع الملاحظة بأن التصعيد يحصل قبيل المؤتمرات الدولية الداعمة لسوريا، كـ مؤتمر بروكسيل المزعم انعقاده في منتصف شهر حزيران/يونيو القادم.

يوصي مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) الحكومة اللبنانية بالالتزام بالاتفاقيات الدولية والقوانين المحلية، وأهمّها الالتزام بالمادّة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب[1] التي يضمنها الدستور، ومنح اللاجئين حق الحماية القانونية. وإيقاف خطة إعادة اللاجئين وعدم ترحيلهم قسرًا إلى سوريا. بالإضافة إلى إلغاء العمل بالقرارات التي تسمح بترحيل اللاجئين، بما في ذلك قرار المجلس الأعلى للدفاع رقم 50/أع/م ج اد/س تاريخ 15 نيسان/أبريل 2019، وقرار المدير العام للأمن العام رقم 43830/ق.م.ع تاريخ 13 أيار/مايو 2019.

كما يجب على الحكومة اللبنانية التوقف عن التحريض الإعلامي ضد اللاجئين ضمن تصريحات السياسيين والمسؤولين الحكوميين، ووضع سياسات واضحة لكيفية التعامل مع اللاجئين بما يتوافق مع الدستور اللبناني والتزامات لبنان بالقانون الدولي، والسماح للضحايا المهددين بالترحيل بالطعن في تلك القرارات الصادرة بحقّهم لدى المراجع القضائية المختصة، ومنح اللاجئين الحق في طلب إقامات قانونية والطعن بالرفض من دون فرض شروط تعجيزية.

اقرأ المزيد: الملكية الأردنية تحصل على 8 طائرات في صفقة مع شركتي إمبراير وأزورا

ويوصي ACHR مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تفعيل دور مكتب الحماية التابع لها، وتوفير التمثيل القانوني، والإجابة على الطلبات العاجلة لمساعدة اللاجئين المعرضين للترحيل، وإعطاء الأولوية دائمًا لحماية اللاجئين المعرضين لخطر الترحيل، تفعيل سياسات إعادة التوطين أو الحماية المؤقتة في البلدان الثالثة، وتوفير المأوى للاجئين الذين يفتقرون إلى الأمان في أماكن إقامتهم.

كما يوصيACHR  المجتمع الدولي والجهات المانحة العمل على الضغط على الحكومة اللبنانية لاتخاذ قرارات صارمة لمكافحة الترحيل القسري، ودعوتها بالتراجع عن قرارات الترحيل القسري والاعتقالات العشوائية الدورية بحق اللاجئين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحاميين. 

 

ليفانت - مركز وصول لحقوق الإنسان

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!