الوضع المظلم
الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
لا يُطبخ رأسان في طنجرة واحدة
رودوس خليل

في تركيا بدأ حزب العدالة والتنمية مبكراً في التحضير للانتخابات الرئاسية القادمة، ولكن ليس في الحملات الانتخابية والدعاية لتحالف الشعب، الذي يضم إلى جانب العدالة والتنمية حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي، بل في تعديلات شاملة على قانون الانتخابات، فقد تم الإعلان عن مشروع قانون عملت عليه لجان حزب العدالة والتنمية منذ سنتين وتم تمريرها عبر اللجان البرلمانية بانتظار المصادقة عليه في البرلمان التركي، وليس هذا فقط، بل هناك خطوة ثانية وثالثة من التغيرات في المرحلة المقبلة.

حزب العدالة والتنمية يتحرك موازياً لنتائج استطلاعات الرأي التركية التي لا تخطئ إذا لم يغيرها بشكل طفيف شريحة المترددين من المواطنين، مراعياً وضع حليفه في التحالف الحاكم، حزب الحركة القومية، الذي فقد كثيراً من شعبيته. فالتغيرات المقترحة في قانون الانتخابات تنصّ على تقليص النسبة المئوية في العتبة الانتخابية التي تخوّل الأحزاب دخول البرلمان من 10% إلى 7%، وهذا المقترح لصالح حزب الحركة القومية المهدد بغيابه عن البرلمان إذا كانت النسبة 10%، وأيضاً النسبة المقترحة هي لصالح الأحزاب الجديدة والصغيرة خارج تحالف المعارضة لدخول البرلمان وتشتت فرص ونجاح المعارضة في كسب الكثير من المقاعد والفوز في السباق الرئاسي.

ومن التعديلات المقترحة التي لاقت رفض وسخرية المعارضة التركية إلى حد النكات والضحك، تقليص نسبة (50+1)% للفوز في الانتخابات الرئاسية، فبحسب نتائج الاستطلاعات الصادرة عن مراكز البحوث، فإن مجموع النسب لكل من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في تحالف الشعب يتراوح بين (39.4 - 46.7)% وهي أقل من نسبة (50+1)% التي يفترض تحقيقها للفوز في الانتخابات، ولقد لاقى هذا التعديل سخرية واسعة في الشارع السياسي التركي، ومن المعارضة التركية، التي أكدت أن الرئيس أردوغان يحاول بكل الوسائل التمسك بكرسي الرئاسة، وأنه ربما يفكر بتقليص نسبة (50+1)% إلى (30 +1)% للبقاء في السلطة.

وهناك توقعات بخطوة ثانية من التغيرات تطال حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد قد تصل إلى حظره وإغلاقه بحجة دعمه للإرهاب، هذا الحزب الذي تم استبعاده من اجتماع المعارضة التركية الأخير نتيجة الخلاف بين حزب الخير برئاسة ميرال أكشنار، وحزب الشعب الجمهوري بزعامة كليجدار أوغلو، ومحاولة الأخير ضم حزب الشعوب الديمقراطية إلى التحالف المعلن والمسمى تحالف الأمة، مما دفع الحزب إلى عقد تحالف مع ثمانية أحزاب غير برلمانية، كما أعلن عنه رئيس الحزب، ساروخان أوكوتش، في البرلمان التركي، وأن الحزب يبحث عن تحالف ثالث أو إيجاد طريق ثالث.

الخطوة الكردية مقلقة وكذلك استبعاده من تحالف الأحزاب الخمسة لتشكيل جبهة قوية في وجه التحالف الحاكم، وهي لم تعلن إلا بعد حصول زعيم حزب الشعب الجمهوري، كليجدار أوغلو، على الضوء الأخضر من رئيسة حزب الخير، ميرال أكشنار، لقبول ترشحه باسم المعارضة في السباق الرئاسي.

وقد تباينت مواقف الأحزاب التركية من هذا الاستبعاد، ففي تصريح لعلي باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، حول نية حزب الشعوب الديمقراطية تشكيل تحالف ثالث، بأنها سياسة غير واقعية، وأن هذه الخطوة يجب أن تأخذ على محمل الجد لأنها ستتسبب في ضياع الأصوات، وأكد أنه لا يجب ترك أحد خلف الركب.

فمع احتدام النقاش والصورة الضبابية التي تلت اجتماع المعارضة التركية بأحزابها الخمسة، التي لم تحسم إلى الآن عن اسم مرشحها في الانتخابات الرئاسية، صرّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون نقطة تحول في تاريخ البلاد، معلناً عن خطته الاقتصادية للمرحلة المقبلة، وأن حزب العدالة والتنمية وشريكه في التحالف الحاكم سيواصلان الحفاظ على السياسة الخارجية والداخلية والأمن والاقتصاد، محذراً من وصول المعارضة إلى الحكم، التي لا تستطيع إدارة رأسين من الخراف، وغير قادرة إلى الآن من إعلان اسم مرشحها في الانتخابات ونعتها بالمعارضة الفاشلة.

النقاشات في صفوف المعارضة التركية حول شخصية المرشح لا تخرج من دائرة أربعة أشخاص محتملين ليكونوا منافسين للرئيس أردوغان، وأن السبب الرئيس لعدم اتفاق المعارضة على الاسم يرجع إلى اضطراب موازين القوة باستمرار في استطلاعات الرأي لهذه الأحزاب وانتظار إكمال صورة التغيرات والتعديلات المرتقبة في قانون الانتخابات.

تقوم المعارضة التركية بأحزابها المختلفة الاتجاهات في تحالف الأمة بالتحشيد وبحملات انتخابية في المدن التركية، فهي تعطي انطباعاً بأنها مستعدة ومتأكدة من الفوز واستلام السلطة ولكن دون الاتفاق إلى الآن على اسم مرشحها.

ميرال أكشنار، رئيسة حزب الخير، أكدت أنها لن ترشح نفسها للمنصب، وأنها تفضل منصب رئاسة الوزراء لتضع الكرة في ملعب حزب الشعب الجمهوري بشرط استبعاد حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد من التحالف، أما في أوساط حزب الشعب الجمهوري فتأتي تصريحات تقول إن زعيمه كليجدار أوغلو يفكر جدياً في الترشح، إلا أن فكرة الترشح شيء، وقبول التحالف به شيء آخر ويحتاج إلى مناقشات طويلة ليس في تحالف المعارضة، بل في صفوف الحزب نفسه، على ضوء بروز وجهين آخرين بقوة، وهما عمدة مدينة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، الذي ينتظر الفرصة المناسبة رغم عدم إعلانه نية الترشح والقبول به، وعمدة العاصمة -أنقرة- منصور يافاش.

ولكن أعتقد أن حزب الشعب الجمهوري لا يملك الجرأة في ترشيح أي من الشخصيتين لأن الحزب لا يملك الأغلبية في مجالس البلدية في كل من المدينتين، وإذا تم ترشيح أحدهما فإن حزب العدالة والتنمية سيقوم بملء الشاغر ويستلم منصب عمدة المدينة.

لا يهدأ كليجدار أوغلو في محاولة إقناع أعضاء حزبه وشركائه في التحالف بقبوله مرشحاً رسمياً بعد أن نجح في استبعاد المرشحين الأقوى في حزبه، ولكن هناك خشية في تحالف الأمة في حسم اسم كليجدار أوغلو مرشحاً، وأنه ينبغي التصرف بحكمة ودون أنانية كون حزب الشعب الجمهوري لا يملك فرصة الفوز وحسم السباق الرئاسي على ضوء نتائج استطلاعات الرأي، لذا لا بد من شخصية قوية تكون ندّاً قوياً للرئيس رجب طيب أردوغان.

والشيء الجدير ذكره، والذي يأتي من كواليس النقاشات في اجتماعات المعارضة التركية، أنه تم الاتفاق على عودة النظام البرلماني، كما تم الاتفاق على اسم المرشح الأوحد للمعارضة، وأنه سيقوم بتوقيع برتوكول يلتزم فيه بعودة النظام البرلماني، وأن المسودة جاهزة ومؤلفة من 23  صفحة و29 بنداً، وأهم المبادئ فيها ضمان حرية الصحافة واستقلال القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ورفع وصاية السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وإعطاء شخصية للقضاء يكون فيه مستقلاً وحيادياً، والبند الأهم في هذه المسودة يدعو إلى حيادية رئيس الجمهورية دون أن يكون عضواً في أي حزب.

إلى الآن ما زالت المعارضة التركية تهاجم السياسات الاقتصادية للتحالف الحاكم من غير أن تقدم البديل الاقتصادي ولم تعلن عن برامجها لإدارة البلاد في حال وصولها إلى السلطة، وفوق هذا ليس لديها مرشح متفق عليه وهناك من يقول إنها مراوغة سياسية وسيتم الإعلان عن اسم المرشح في الوقت المناسب، وأن عدم الإعلان عن الشخصية يرجع إلى عدة أسباب أهمها عدم إعطاء الفرصة للرئيس أردوغان للتهجم على مرشح المعارضة.

الفرصة جيدة وفي متناول اليد للمعارضة التركية إذا أحسنت التصرف بعيداً عن الأنانية، لذا ينبغي تقديم تنازلات مؤلمة لصالح الهدف الأسمى وتأجيل الطموح الجامح لزعماء الأحزاب في الوصول إلى القصر الرئاسي وتقديم مرشح مناسب وترك المغالاة في القومية ودعوة حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للكرد إلى التحالف المعلن لأنه يملك قاعدة شعبية كبيرة تتجاوز العشرين مليون مواطن كردي، واحتمالية لعبه دوراً هاماً في موازين النتائج النهائية للانتخابات والتذكير بالمثل الكردي الذي يقول (لا يُطبخ رأسان في طنجرة واحدة). فمن الضروري جداً تحضير الطبخة السياسية جيداً وتقديم رأس واحد لتغير المشهد السياسي التركي، عدا ذلك فهذه الفرصة التاريخية على طريق الضياع.

 

ليفانت – رودوس خليل

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!