-
كيف يدير السوريون معركتهم لملء الأمعاء الخاوية؟
بات تحصيل ما يملأ الأمعاء الفارغة ويقيم الأوَد هو الأولوية الأولى بالنسبة لغالبية السوريين القاطنين في مناطق سيطرة النظام، حيث يفتك وباء كورونا بالأهالي، ولكن التفكير بهذا المرض بات ترفاً لا ينشغل به الجائعون في معركتهم الحثيثة لتأمين لقمة العيش.
تشغيل الأطفال
أم محمد تسكن في أحد الضواحي القريبة من دمشق، لديها ثلاثة أولاد اضطرت لإخراج الكبير منهم (14 عاماً) من المدرسة، كي يعمل ويعيل نفسه ويساعد أهله، تقول لـ”ليفانت”: “وضعنا المادي كان ميسوراً قبل اندلاع الثورة، ولكن ما أعقبها من حصار لمدينتنا في ريف دمشق، وتدهور للأعمال، خصوصاً قطاع العقارات التي كان يعمل فيه زوجي، أدّى لخلق وضع شديد القسوة حالياً”.
تدهور بلغ ذروته مع انهيار الليرة، عقب الخلاف الحاصل بين أقطاب الأسرة الحاكمة، وتحديداً صيرفي العائلة الملياردير رامي مخلوف، وأسماء الأسد زوجة رئيس النظام، بالإضافة إلى قانون قيصر الذي بدأ تطبيقه في السابع عشر من الشهر الماضي، عاملان ألقيا بظلهما الثقيل على الواقع الاقتصادي المتداعي أساساً.
لا بروتين ولا فيتامين
وفي ظل هذا الواقع، فإنّ الدعوات إلى الحجر الصحي وتقييد الحركة لتجنّب العدوى واحتواء انتشار فبروس كورونا، باتت أمراً في غاية الصعوبة بالنسبة للباحثين عن أي مصدر رزق في هذه الظروف الصعبة.
واقع جعل الكثير من السوريين يتخلّون عن مكونات أساسية في وجباتهم اليومية، ومنهم أم محمد التي تقول إنّها تحت ضغط الحاجة ألغت اللحم من وجباتها الغذائية، وباتت تعتمد على الخضروات التي تزرعها في مزرعة تملكها العائلة بنفسها، بالإضافة إلى النشويات، كالرز والبرغل والخبز، بينما تغيب اللحوم بشكل شبه كامل.
في المدينة التي تقيم فيها أم محمد لا يوجد أزمة خبز كما العديد من المناطق، وتحصل هذه السيدة على ربطات مدعومة السعر ضمن ما بات يعرف بالبطاقة الذكية. لكن الخبز على قلّته ليس كل شيء، فخلوّ موائد أغلب السوريين من البروتين المتحصل عن أكل اللحوم والفيتامين الذي توفره الفواكه، والتي بات أغلب السوريين لا يستطيعون شراءها، يشكل حالة قلق، بما يؤدي إليه من تقليل مناعة الجسم، التي تساعد على مقاومة الفيروس المستجد، خصوصاً في ظلّ فقدان بعض الأدوية من الأسواق.
كورونا أجهز على عدّة قطاعات
في الآونة الأخيرة، تعرّضت العديد من القطاعات الاقتصادية لضربات كبيرة، نتيجة تفشي فيروس كورونا، وأهمها الصناعة، بورشاتها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، إلا أنّ الأزمة أفرزت مهناً جديدة، حيث تحوّلت بعض ورشات الخياطة لصناعة الكمامات، كما بات العديد من العاطلين عن العمل يعملون في بيعها.
ونشأت كذلك على خلفية الأزمة مكاتب مختصّة لدفن الموتى، الذين قضوا بفيروس كورونا، بعد أن بات الأهالي يخشون الاقتراب من ذويهم المتوفين بالمرض خشية العدوى.
كما تعرّض قطاع السياحة لضربة أجهزت على ما كان قد تبقّى منه، فنتيجة الخوف من انتشار الفيروس توقفت بشكل شبه كامل السياحة الدينية وخاصة الوفود الإيرانية والعراقية وغيرها، التي كانت تزور سوريا تبركاً بالمقامات الدينية لآل البيت.
أحمد (35 عاماً) موظف استقبال في أحد فنادق المرجة وسط العاصمة، تم الاستغناء عن خدماته، يقول “لليفانت” إنّ غيره العشرات من الموظفين قد تم تسريحهم أيضاً من وظائفهم في فنادق دمشق، التي كانت تعتمد أساساً على الحجاج الشيعة.
وبالإضافة إلى ذلك، ألغى قسم كبير من السوريين الذين يقيمون في دول الخليج زيارتهم السنوية لسوريا، من أجل قضاء إجازاتهم الصيفية، التي كانت توفر مورداً يساعد على تنشيط عجلة الاقتصاد وتوفير فرص عمل موسمية.
الاعتماد على التحويلات المالية
أبو خليل سائق حافلة صغيرة (سرفيس)، تنقل الركاب بين دمشق وضواحيها القريبة، يقول لـ”ليفانت”، إنّه يغامر بروحه وبصحته في ظل انتشار كورونا، كي يعمل ويأمن لقمة عيش لأطفاله الخمسة، ورغم عمله المتواصل، أكثر من اثني عشر ساعة في اليوم، إلا أنّه يعجز عن تأمين حتى الأساسيات، ولولا المساعدة التي يوفرها له أخوه اللاجئ في ألمانيا كل شهر لما استطاع تدبر أمره، كما يؤكد.
وللحفاظ على قيمة الليرة السورية، كانت حكومة النظام قد أصدرت المرسوم رقم 3، والذي يقرّر تجريم كل من يتعامل بغير الليرة السورية، بعقوبة سجن تصل إلى سبع سنوات، وغرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به.
يوضح أبو خليل، أنّ هذه الإجراءات الصارمة أثرت سلباً على المساعدة التي تصله، لذلك فإنّ الـ100 يورو الأخيرة التي وصلته لم يتجاوز سعر صرفها 160 ألف ليرة سورية، بينما سعرها الحقيقي 250 ألفاً، ما يعني أنّ نحو ثلث المبلغ ذهب كتعرفة التحويل، حسب سعر صرف الحكومة.
مجاعة قادمة
وكان رئيس النظام بشار الأسد قد اعتبر في خطابه الأخير أمام أعضاء مجلس الشعب الجدد، أنّ قانون قيصر عنوان لمرحلة جديدة من التصعيد في المنطقة، وفيه شيء من الضرر الإضافي، والكثير من الحرب النفسية.
كلام يشي بأنّ الوضع الاقتصادي في سوريا يسير نحو مزيد من التعقيد.. وضع لم يستبعد معه الباحث الاقتصادي، سمير الطويل، في حديثه لـ”ليفانت”، أن تكون البلاد مقبلة على نوع من المجاعة، خاصة أنّ نسبة السكان الذين هم تحت خط الفقر تجاوزت الـ85 بالمئة”، وهذه نسبة غير مسبوقة في سوريا”.
الطويل أضاف، أنّ انتشار الجائحة أدّى لفقدان العديد من الأدوية والمواد الأساسية، التي يتم تأمينها حالياً من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وهو ما يزيد من الضغط على كاهل المواطنين، لافتاً إلى أنّ نسبة التضخم (الفرق بين كتلة الأجور والأسعار في السوق) بلغت 3500 بالمئة، في حين بقي التضخم محافظاً على نسبة 1600 بالمئة بين عام 2015 وعام 2019، قبل أن ترتفع النسبة ارتفاعاً دراماتيكياً قبل أشهر.
ظروف أمنية صعبة، وظروف اقتصادية أصعب، يضاف لها الظروف الصحية المتدهورة على خلفية الانتشار الكبير للفيروس التاجي، الذي يفتك بالأهالي في سوريا بشكل متصاعد، فضلاً عن الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان، رئة سوريا الاقتصادية، عوامل تزيد من الضغوط على كاهل السوريين الذين يخشون رغم كل ذلك من أنّ القادم سيكون أصعب، في ظلّ غياب أي حلول تلوح بالأفق.
ليفانت – مصطفى عباس
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!