الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
كوريا الشمالية حلم الأسد
آدم قدرو  

لو نظرنا إلى المشهد الداخلي السوري من بعيد فقد يكون من الصعب أن نفهم لمَ يخيّم السكون الذي لا يقطعه سوى صوت موّلدات الكهرباء في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، يميل كثر -وبعضهم من السوريين الذين يعيشون في الخارج- إلى اختزال الوضع الراهن بإطلاق الاتهامات.

وكما يصف المفكر عزمي بشارة الأمر في كتابه "في الثورة والقابلية للثورة": [في مراحل الجمود الذي يوصل مؤيدي التغيير إلى القنوط أحياناً، يصل الحد بالناقمين إلى اتهام ثقافة الشعب بالخنوع وعدم الثورية، ويجدون لأنفسهم أمثلة من تاريخه تؤيد فكرة عن شعب خامل سهل الانقياد، متملق لذوي الجاه والسلطان، يذعن للجور ويقنع بالذل والمهانة (على مدى تاريخه). وحالما تنشب الثورة، يبدأ التأكيد عند الشعب ذاته، على أفعال وصفات التمرد والعصيان والشوكة، كميزات لهذا الشعب (على مدى تاريخه). ويعثر الثوار والباحثون فجأةً على أمثلة من تاريخ هذا الشعب تبرر الكبرياء الوطني الجديد].

وإن عدنا إلى المشهد نفسه، فسنرى الشباب السوري الذي تحوّلت النقاشات السياسية في العام 2011 وما بعده إلى اهتمامهم الرئيسي، قد ابتعدوا مجدداً عن المجال السياسي حتى في أحاديثهم اليومية التي أصبح يسيطر عليها ما هو معيشي أكثر فأكثر.

ولطالما ارتبط العمل السياسي في سوريا طيلة فترة حكم آل الأسد بالعقاب الذي يصل إلى حد القتل، فقد عمل النظام السوري على تضييق الفضاء السياسي في المجتمع ليصبح محصوراً بآلياته المهترئة الشكلانية عن السياسية، وبالخطاب الذي يمكن لأي طفل سوري في العاشرة من عمره توّقع مقدمته ومتنه وخاتمته، وصدّر النظام السياسة بوصفها رفاهية لا يملكها أحد، ولا ضرورة لأي نقاش سياسي "فالسياسة لا ترتبط بما هو يومي/ معيشي"، من وجهة نظر الأنظمة الاستبدادية، بل يتّم التعامل مع النظام بمفهومه الشامل بوصفه واقعاً طبيعياً. وقد كانت التكلفة ثقيلة بالنسبة إلى الذين اقتحموا الفضاء العام في الثمانينيات من بوابة الأحزاب السياسية وحاولوا العثور لأنفسهم على موطئ قدم في فضاء سياسي مقفل، فأصبحت الكثير من العائلات السورية لديها حكاية مُعتقل سياسي على الأقل تتداولها فيما بينها وبصوتٍ خافت، وقد يختمها أحد أفراد العائلة في أحيان كثيرة: "الله يهديه، شو كان بدو بهالشغلة!".

وعلى الرغم من أنّ العقاب كان أشدّ قسوة ومباشرةً مع انطلاق الحراك الشعبي عام 2011، وتحوّل الكثير من المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام إلى مخازن للجنود والشبيحة بالنسبة إليه، إلا أنّ ذلك لم يمنع الآلاف من الشباب السوريين من النزول إلى الشارع مطالبين بتغيير في النظام الحاكم أو إسقاطه بعدما شهدوا سقوط بن علي ومبارك، ليصبح الحلم الوليد كبيراً بين ليلة وضحاها، بعد عقود من التصحر السياسي والاستبداد والقمع إلا أن من واجهوا أولئك الشباب كشفوا عن نواياهم منذ اليوم الأول: "الأسد أو نحرق البلد".

بعد أكثر من عشر سنوات على أول حراك سياسي شهدته سوريا منذ عقود، يبدو الواقع السياسي أكثر جموداً وأقل قابلية للتغيير، فمع سيطرة السلاح على المشهد السوري برمّته، آلاف المعتقلين والمغيبين قسرياً، وتراجع جزء كبير من المدّ الشبابي المتحمّس في الشارع، وأصبح الواقع اليوم أكثر ثباتاً على الرغم من تجزئة الأراضي السورية وازدياد انحدار الوضع الاقتصادي، بعد إصرار النظام على رفض كافة الحلول السياسة المطروحة، وعدم قدرة مؤيدي السلاح من القوى المعارضة على إسقاط النظام من خلال المواجهات العسكرية الميدانية، كل تلك الخيارات الخاطئة قتلت آمال الشباب في حدوث تغيير حقيقي وإيمانهم بقدرتهم على التغيير، لتؤدي تلك العوامل إلى انحصار اهتمام الشباب السوري حالياً بمعضلتي الهروب والنجاة، ولا يرتبط مفهوم الهروب هنا فقط بالسفر خارج البلاد، بل بتحاشي الكثير من الأسئلة التي تبدو بديهية في وقتنا الحاضر، إلا أنّ الواقع السوري الذي حوّل كل من في الداخل إلى باحث عن النجاة، جعل الإجابة على تلك الأسئلة بصوت عالٍ بمثابة رفاهية لا يملكها كثر.

ويمكننا القول: حتى جمهور النظام الذي كان يلقي اللوم على الحكومات المتعاقبة ويحملها فشل إدارة البلاد ويعتبر مواقع التواصل الاجتماعي "فشة خلق"، بات اليوم عاجزاً عن شتمها بسبب قانون الجرائم الالكترونية وتهمة وهن نفسية الأمة وإضعاف الشعور الوطني في محاولة من النظام لتحويل سوريا إلى كوريا الشمالية.

ليفانت - آدم قدرو

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!