-
كوباني والنّوروز والباغوز..ثالوث التَّحرّر المقدَّس المهدّد
يتماثل التاريخ مع الحاضر بمعطيات مختلفة، من بعد التحرر الذي قاد إلى بدء مرحلة جديدة من التّغيير الذي كان التعبير الأمثل له هو الربيع الذي يصادف هذه المرحلة، فبين ذكرى استعادة كوباني وذكرى تحرير الباغوز، 4 سنوات و57 يوماً، وأربع احتفالات بأعياد النوروز، الذي كان اليوم الأول للتحرر الكردي من سطوة الظّلم والظلاميين، من قسوة الجّلادين.
مشهد النّوروز التّاريخيّ الحاضر
لم يكن النوروز وليد صدفة، فالتَّحرر من قوى الشّر يحتاج لتخطيط، إذ ما من شجعان يأتون ساحات المعارك دونما رأي وسلاح. التوقيت والتفاصيل حدثت مصادفة أو على دون موعد منظّم، أما العزم على التّخلص من الشَّر، كان له توقيت حدّده كاوا الحداد، الذي هدِّم تمثاله من قبل قوى مدعومة من التيار الأخواني في ساحة عفرين قبيل عامين من الآن، فالطَّاغية أزدهاك لم يترك المتنفس أمام الشعوب المحكومة بسيفه وسطوته، إلا ليثوروا على استبداد وفكر مظلم ظالم، لم يخلق إلا شعوباً مسحوقة، اتخذت من إشعال النيران عند الانتصار، طقساً سنوياً تحتفل به منذ مئات السنوات، لم تمنعهم عنه لا المآسي ولا الحروب، فلا يزال الكرد يرون في نوروز متنفسهم من كل الطّغاة الذين حكموهم.
الباغوز.. قرية قصمت داعش
آذار في يومه الثالث والعشرين من العام 2019، شهد إعلان قوات سوريا الديمقراطية إنهاء وجود تنظيم داعش الإرهابي، في كامل شمال وشرق سوريا، بعد إنهاء التحالف الدولي والقوات العراقية لوجود التنظيم في الجانب العراقي، ليظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب معلناً القضاء على هذا التنظيم الذي كانت حرب البداية معه من قبل التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية في الـ 23 من أيلول / سبتمبر من العام 2014، أي في أول الأسبوع الثاني من الهجوم المباغت والعنيف لتنظيم داعش على مدينة كوباني، باكورة الحرب بين القوات الكردية وتنظيم راديكاليٍّ يتّخذ من الفكر الإسلامي عقيدة خالصة له.
الباغوز الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات كانت تشهد سباقاً متوازياً مع مثلث النظام السوري وروسيا وإيران لإنهاء التنظيم والوصول إلى الغاية. فعدسات وسائل الإعلام شهدت ونقلت للعالم الذي تقاسم الرأي في فهم القضية وتوجيهها وتخديمها.
من بقي في الباغوز وخرج منها، كان يعلم بأن العالم يرى ضخامة الحدث، لذا حاولت النُّسوة من داعش افتراس اللحظات أمام الكاميرات، للإعلان عن أن البغدادي -الذي قتل لاحقاً في إدلب على مقربة من نقطة مراقبة تركية متواجدة في سوريا- لا يزال خليفتهم، يأمرهم فيمتثلون وينهيهم عن أمور فيجتنبوها، في الوقت الذي كان في الباغوز، التسجيل الأقصر على الإطلاق لتنظيم داعش المشتهر بتقنياته الفريدة في عمليات تصوير قتل وإعدام ضحاياه ومعاركه وتوجيه الرسائل إلى الرأي العام العالمي، إلى أن وصلت ارتدادات ما يجري في سوريا إلى أوروبا.
تنظيم داعش المنتقل إلى مخيمات جهزتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بمساعدة مقدّمة من المنظّمات الدّولية، لم يحاول أن يوصل رسائل ضعفه وانهياره، بل لا يزال يحاول عبر الكاميرات وحتى بعد مقتل البغدادي، إظهار القوة الكبيرة له، في حين اعتمد نساءه وسيلة للوصول لغايته، ألا وهي بث الرسائل عن قوة التنظيم وبالأخص عودته، وامتداده ضمن الشّعار الذي رفعه أنصاره وعناصره منذ العام 2014، بعد إعلان العدناني في الـ29 من حزيران / يونيو من ذات العام تحويل تسمية التنظيم من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" إلى "الدولة الإسلامية".
فيما اتخذت عبارة "خلافة على منهاج النبوّة" شعاراً ومنهجاً، فالتنظيم الذي خرج منه أكثر من /69/ ألف شخص من مقاتلين وعوائلهم من الباغوز ومناطق محاذية لها،اتجهت إلى مخيم الهول بعد سلسلة تفجيرات طالت قوات قسد التي كانت تنقلهم، لا يزال يدفع النساء التابعات له على إدارة شؤونه الأيديولوجية والسياسية فيما يتكفل القائمون على الخلايا النائمة بإعادة ضبط الأهداف وتحريك هذه الخلايا في المناطق التي يحاول التنظيم اليوم تجميع شتاته وإيجاد الفرصة لإعادة الانتشار، فالمجابهة مع العالم لم تعد مجدية في ظل التبعثر الجغرافي للعناصر والملاحقة الأمنية الاستخباراتية المركزة عليهم من قبل أجهزة المخابرات المحلية والإقليمية والدولية.
تحرير الباغوز من قوة كتنظيم داعش اتحد في جوهره مع النوروز، فيما استكمل حكاية كوباني لتكتمل حرب خمس سنين وتبدأ مرحلة السنة السادسة المتمثلة بمحاربة خلاياه النشطة في كل مكان عبر عمليات مداهمة وتعقّب مستمرة تسعى لها قوات سوريا الديمقراطية المشكلة من قوات كردية وعربية وسريانية وآشورية أرادت الاستقرار لنفسها وأعلنت منذ السيطرة على الباغوز، نوروزها الجديد.
كوباني..اللَبِنة الأولى لحرب داعش
في أواخر العام 2014، كان مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان يظهر على شاشات القنوات التلفزيونية الواحدة تلو الأخرى، ليعطي الانطباع حول الصّراع على كوباني بين أبناء المنطقة، والغرباء الذين جرى لملمتهم من كل بقاع الأرض، وأكد حينها رامي عبد الرحمن حرفياً أن "داعش إذا انتصرت في كوباني ستنتصر في كل سوريا وإذا انكسرت في كوباني ستنكسر في كل سوريا".
هذا الحديث لم يكن اعتباطياً، فالصراع مع الراديكالية المتخذة للإسلام جوهراً لعقيدتها لم يكن أمامه من مجابه سوى القوات الكردية، وهذا ما ذكره الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية في حديثه لقناة TEN المصرية مؤكداً أن أبو بكر البغدادي -الذي شاركت قيادة قسد مع القيادة الأمريكية في التنسيق لقتله بإدلب- كان ألقى خطاباً أكد فيه أنهم سيعملون على نشر الشريعة الإسلامية ولن يقاتلوا من لا يقاتلهم، مضيفاً "رضخ الجميع في الحكومة السورية لتهديد أبوبكر البغدادي، ولم يتجرأ أحد على التعرض لمقاتلي داعش".
ورغم إرسال تنظيم داعش لرسالته عبر وسطاء إلى كوباني–بحسب قائد قوات قسد- بأن يسمح القائمون عليها بدخول داعش المدينة دون قتال ويبايعوا التنظيم ويرفعوا رايتهم مقابل احتفاظ الكرد بحقوقهم، وهذا ما أنتج مجابهة عنيفة من قبل وحدات حماية الشعب بعد فترة من أول قتال دار في بلدة الجزعة شرق القامشلي، فإن القوات الكردية رفضت العرض كلياً، ولم تستجدِ التنظيم كغيرها من قوى الصراع السورية، مثلما حدث في مخيم اليرموك والقلمون بل بقيت تحارب التنظيم الذي ذكر المرصد السوري في إحدى تقاريره في الربع الأخير من العام 2014، أن "أمير ديوان التنظيم في الرقة" قال لأحد مصادره بأنهم ورّطوا أنفسهم بحرب كوباني فلا هم بالقادرين على الانسحاب، ويعلمون في الوقت ذاته أن البقاء استنزاف إلا أن الانسحاب حينها كان أمراً مرفوضاً من قبل قيادة التنظيم، ويضيف "الأمير" أن التنظيم اعتقد أن كوباني كغيرها من المناطق ستستسلم بعد أسبوعين على أبعد تقدير، لكن المعادلة كانت مختلفة.
صمدت كوباني وخلقت تجربة جديدة متمثلة بمشاركة قوات من المعارضة السورية التي شاركت في العملية، لتستمر هذه التجربة وتتوسع في عديد من المناطق كان أولها تل أبيض، ومن ثم منبج والرقة ودير الزور، ولتدخل في جوهر تركيبة قوات سوريا الديمقراطية التي لا تزال تحافظ على هيكليتها على الرغم من العمليات المتكررة لتركيا والفصائل السورية التي ساندتها طوال سنوات الصراع الأخيرة، والتي تحاول منذ هجومها الأخير في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر من العام 2019 ضرب تجربة الإدارة الذاتية التي قضّت مضجع أردوغان والأخوان المسلمين الذي لم يتوصلوا إلى تجربة متماثلة منذ العام 2011، فيما لا تزال تركيا وعلى لسان محللين ومسؤولين في قنواتها التلفزيونية كسر رمزية المقاومة في كوباني، والتي بحسب قولهم "ستمكنهم من تحقيق 60 – 70%/ من أهداف العملية الأخيرة"، إلا أن واشنطن التي شاركت بقوة في تقديم المساعدة لإنهاء الهجوم الداعشي على كوباني، لا تزال تقدم الوعود بمنع هجوم تركي على كوباني وفرض عقوبات اقتصادية تؤدي لانهيار الاقتصاد التركي المتخبط، رغم التأكيد المستمر من قبل قوات قسد على منع وصل المناطق الي احتلتها تركيا مؤخراً بمنطقة جرابلس عند الضفة الغربية لنهر الفرات.
لم يكن الـ 25 من كانون الثاني / يناير من العام 2015 مصادفة، فالسياسة والعسكرة تؤكد أن لا شيء يحدث مصادفة حقاً إذ أن معارك الخط المستقيم بقيادة وحدات حماية الشعب الكردي في كوباني لم تنتج إلا تقدماً بعد الآخر، لحين طرد داعش الذي زج بـ"أشبال الخلافة" من الأطفال الذي تباكت عليهم الجهات الإنسانية، فيما لم تعمد قسد إلا لمحاولة تغيير معتقداتهم التي لا تزال نساء مخيم الهول وبخاصة في قسم الأجانب، حشوهم بأيديولوجية تنظيم داعش، ومنها ما حدث من هجمات وعمليات قتل واستهداف طالت خارجين عن شريعة ومعتقد داعش وقوات الأمن التي تحمي المخيم الذي تتقاعس الجهات الدولية عن تأمين كامل المستلزمات التي من شأنها سد باب الأمل لتنظيم داعش، بما يسميه "تحرير الأسرى"، وهو ما كان في رسالة البغدادي الأخير قبيل قتله قبل أشهر بعملية استخباراتية كان لقسد نصيب كبير فيها.
الاتحاد بين رموز المقاومة والانتصار الثلاثة
لكوباني والنوروز وباغوز جوهر واحد هو الانتصار على النهج الظلامي لتنظيم داعش الذي صاغ شريعته وقوانينه بمعزل عن القانون الدولي، وسلب من السكان البسطاء سواء في شمال وشرق سوريا أو في كامل سوريا ودول العالم إرادتهم الفكرية، عبر عمليات عصف ذهني وغسيل دماغ سواء لأسراه أو من خلال كتابات منظّريه، وسّعت له الفرصة والقدرة في آن واحد للسيطرة على مساحة تعادل نحو ضعفي مساحة سوريا، في حين كان لكاوا الحداد نصيب من نسخ جديدة تتمكن من كسر هذا الظلم، وجعل نار الانتصار توقد من جديد، لتكون كوباني والباغوز بداية ونهاية الصراع مع تنظيم داعش الذي لا يزال يسعى لإعادة تجميع نفسه والانطلاق وفقاً لتقارير مراكز أبحاث غربية وجهات عسكرية شاركت في ضربه والقضاء عليه إلى جانب القوات المحلية التي شاركتها عناصر أممية آمنت بشعلة الانتصار التي توقد اليوم من جديد لتحتفي بعامها الأول في الباغوز ودير الزور وكامل شمال وشرق سوريا، والتي سيأمن العالم على نفسه لطالما كان الاستقرار أساساً في المنطقة، فالعمليات في أوروبا خططت في الرقة معقل التنظيم السابق، وليذكر التاريخ ذلك كما يذكر الانتصار على الظلاميين قبيل نحو 700 قبل الميلاد، ولكن بأكثر من 36 ألف شهيد وجريح من المقاتلين.
ليفانت - عدنان منصور
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!