الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
قسد: فشل في دمشق وفرصة في أربيل
أحمد رحال

ضخامة وتعدد الأهداف وقلة الإمكانيات والاعتماد على الآخرين قد تكون خطوات أكيدة للفشل لكنها كانت خطوات من استراتيجية عملت عليها الإدارة الذاتية بشقيها العسكري والسياسي (قسد ومسد)، لذلك فشلت ووصفت الإدارة الذاتية بأنها لم تكن على مستوى الآمال التي كانت ترجى منها.

على مدار سنوات الثورة وبعد انطلاقة متوائمة لحراك المدن السورية وحراك الجزيرة السورية بمعظم تموضعاتها، وبعد شعارات الشراكة الوطنية التي جمعت عامودا مع درعا، والقامشلي مع حمص وكوباني مع بانياس، توقفت تلك الشراكة ولم تكمل المسار، ولم تشق الطريق نحو نقطة تلاقي لبعض قيادات الكورد (ولا أشمل الجميع) مع بقية إخوانهم السوريين، فانصرفوا لأهداف الكثير منها ما كان عابراً للحدود، وربطوا مصير المكون الكوردي السوري بمصير أكراد العراق وتركيا وإيران، ودخلوا بشراكات تنظيمية وقتالية مع حزب العمال الكوردستاني، وأطلقوا بعض التسميات التي تتوافق مع تلك المشاريع مثل (روج آفا)، تلك التسميات التي تعبر عن مشروع كوردي قومجي يتخطى الحدود وغير قابل للتطبيق.

الضغوط السياسية المتتالية والعمليات العسكرية التي تمت بالشمال السوري بتحالف الجيش الوطني مع الجيش التركي ضرب تلك المشاريع بالصميم، ومزق الخارطة التي كانت ترسم في قنديل، فضاعت عفرين ولحقت بها مساحات لا بأس فيها في شرقي وغربي الفرات من خلال عمليات (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام)، والخطاب السياسي والعسكري التركي اليوم يتحدث عن عملية عسكرية جديدة قد تزيد من بعثرة الخرائط التي راهنت عليها مسد وقسد بأوامر من خارج الحدود.

قيادة قسد على دراية اليوم أن الحليف الأمريكي غير مضمون، وأن علاقات الدول غالباً ما تتجاوز العلاقة مع الميليشيات، وأن ما يجمع أنقرة بواشنطن لا يمكن مقارنته بما يجمع واشنطن بقسد، وقسد تعلم أيضاً أن كل التراكض الروسي والإيراني نحو قياداتها، وتسهيل لقاءاتها مع نظام دمشق، ليست ناجمة عن حب عارم روسي لقسد، بقدر ما تهدف إلى طي صفحة قسد وتسليم مناطقها وأرزاقها لدمشق، وجعل عملها القادم كمرتزق في صفوفها، يعتاش على ما ترميه لهم دمشق من فتات وبعض الصلاحيات الهزيلة التي تعيدهم لما كانوا عليه قبل عام 2011، وقيادات قسد كررت أكثر من مرة أنها تدرك تماماً أن روسيا غالباً ما تقوم بتضخيم الخطر التركي ليس مخافة على قسد بل لإجبارها على الارتماء بأحضان النظام والتنازل عن مطالبها.

في كل الجولات التفاوضية التي قادتها السيدة إلهام أحمد في دمشق مع وفود أمنية أسدية غالباً ما كان يترأسها اللواء علي مملوك، كان وفد مسد يعامل بازدراء وقلة احترام، وكانت طلبات وفد إلهام أحمد تناقش باستهزاء من قبل نظام الأسد، وغالباً ما تنتهي النقاشات بقاعدة ثابتة (رفض كل ما أتى به وفد مسد وعودة النظام لطرح إملاءاته التي لا تتبدل)، وفي الجولة الأخيرة وبعد ازدياد خطر قيام تركيا بعملية عسكرية شراكة مع الجيش الوطني، عادت النغمة الروسية وعادت المطالب الأسدية بأن ملاذ قسد ومسد الوحيد هو أحضان النظام، وأن جيش الأسد لا يمكنه الدفاع عن مناطق قسد دون أن يكون المتحكم والمسيطر عليها، مطالباً أن تكون قوات قسد جزءاً أساسياً من مفاصل جيشه، وترافقت تلك الإملاءات مع ضغوط روسية - إيرانية، ثم خرج وزير الخارجية التركي شاويش أوغلو بتصريح غير مسبوق ليضغط على قسد عبر قوله: إن تركيا أجرت سابقاً محادثات مع إيران بخصوص إخراج الإرهابيين من المنطقة، وإن تركيا ستقدم كل أنواع الدعم السياسي للنظام السوري في هذا الصدد، ومن حق نظام دمشق أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، ولكن ليس من الصواب اعتبار المعارضة المعتدلة إرهابية.

الضغوط (السياسية والعسكرية) تزداد على قيادات قسد، وتجارب الحروب والمعارك السابقة في الشمال السوري لم تكن في صالحها أبداً، وقسد تدرك تماماً أن التصريحات الرنانة بدعم أمريكي أو روسي أو إيراني أو أسدي قد سمعتها قسد سابقاً في كل المعارك السابقة، وغالباً ما كانت تختفي وتتراجع مع بدء المعارك ومع أول طلقة تطلقها أنقرة بمعاركها.

وفق مصادر خاصة حول اللقاء الأخير الذي جمع وفد مسد مع وفد نظام أسد بدمشق فإنّه قد انتهى بفشل ذريع، وأنّ الإدارة الذاتية رفضت طريقة تعاطي نظام الأسد مع القضية الكوردية، وأن الوفد أخبر دمشق بأنّ القضية الكوردية لا تعالج فقط بتسهيلات تدريس اللغة الكوردية أو بمركز ثقافي كوردي، بل تناقش عبر مواد دستورية تؤسس لمرحلة متوازنة ودائمة في التعاطي مع المكون الكوردي، وأكد الوفد أيضاً أنّ قوات قسد لن تكون جزءاً من جيش النظام الحالي بل ستنضم للجيش السوري الجديد الذي ينشأ بعد تطبيق القرار 2254، وأنّ قوات الأسايش ستبقى تابعة للإدارة الذاتية ولن تلحق بوزارة الداخلية أو فروع أجهزة مخابرات النظام، وأن دير الزور والرقة والطبقة ستبقى تتبع للإدارة الذاتية وليس لدمشق، وأن الوفد يرفض طريقة تعاطي النظام الحالية التي ستؤول حتماً لعودة الأمور لما كانت عليه قبل عام 2011، وهكذا فشلت جولة التفاوض وعاد الجميع للمربع الأول ومربعات خالد العبود.

موقف قسد اللافت كان ناجماً عن ضغوط قوية مورست عليه من قبل المكون العربي المنضوي داخل قوات قسد (مجالس عسكرية ومكونات عشارية)، التي أبلغت قيادة قسد ومسد بأنّها لن تكون جزءاً من ميليشيات الأسد العسكرية أو الأمنية أو المدنية، وأن أي اتفاق مع نظام دمشق بهذا الخصوص سيجعل المكون العربي خارج المعادلة، ترافق تهديد المكون العربي مع ضغوط مارستها الولايات المتحدة الأمريكية على قيادة قسد تجلّت بالطلب منهم تحجيم الدور الروسي في مناطق مسؤولية قواتهم، وإبعاد الميليشيات الإيرانية، وضرورة رفض مطالب نظام دمشق، والاستعداد لاجتماع قد يعقد بمدينة أربيل العراقية يضمهم مع الأتراك لوضع حل نهائي لما يعاني منه الشمال السوري، والتأسيس لحالة مستقرة تريدها واشنطن حالياً في ظل متغيرات جوهرية تشهدها منطقة الشرق الأوسط قد تكون أهدافها إيران وموسكو.

مؤتمر أو اجتماع أربيل طفى على المشهد مؤخراً بعد جولة السيناتور الأمريكي، ليندسي غراهام، الذي جال على المنطقة والتقى الأتراك في أنقرة، ثم التقى قيادة إقليم كوردستان، قبل أن يحط الرحال في الحسكة للقاء قيادات قسد ومسد، والمبادرة التي حملها غراهام (وفق بعض المصادر) تستند لتفاهمات وتوافقات أمريكية تركية قديمة جرت في أعقاب عملية نبع السلام عام 2019، وفيها أعطيت وعود لأنقرة من الجانبين الروسي والأمريكي بإبعاد قوات قسد 30 كم عن الحدود التركية الجنوبية، وتسيير دوريات مراقبة وغيرها من تفاهمات، لكن الجميع لم يف بتعهداته، واليوم يعاد طرحها من قبل السيناتور الأمريكي مع بعض التفاهمات الجديدة التي تتحدث عن مناطق عازلة ودوريات مشتركة تلبي مطالب أنقرة مقابل وقف عملها العسكري، وتحفظ قسد من خطر الحرب عليها، وأن كل البنود والتفاصيل ستناقش باجتماع ستحتضنه مدينة أربيل، ويضم الاجتماع الأطراف الثلاثة (الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، قسد) وغالباً ما ستكون تلك الوفود ذات صبغة عسكرية استخباراتية.

خبرات التاريخ وخبرات الحروب عادة ما تكون دروساً مستفادة للمستقبل، فهل تستفيد قسد من تجارب معاركها السابقة؟ وهل تستفيد قسد من خبراتها بمواقف حلفائها عند ساعة الحقيقة؟ وهل استوعبت قسد أن نظام دمشق مراوغ وكاذب ولن يقدم أي شيء للأكراد؟ وهل تقتنص قسد اليوم فرصة اجتماع أربيل (إذا ما تم) للبحث بخيارات جديدة تجنبها الحرب مقابل قرارات جريئة تؤسس لسلام دائم؟

والأهم: هل هناك من هو مستعد ليتقدم لملاقاة قسد بمنتصف الطريق ولينخرط الجميع برسم استراتيجيات جديدة لكل المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، استراتيجيات تستفيد من المتغير الإقليمي والعربي والدولي، وتؤسس لتغيير حتمي بخرائط المشهد السوري وقلب الطاولة على النظام؟

ليفانت -  أحمد رحال     

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!