الوضع المظلم
الجمعة ٢٩ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
قبل لقاء بايدن.. العرب قد يغيرون قواعد اللعبة
الدكتور حسام فاروق \ ليفانت نيوز

حراك عربي متسارع خلال الأسابيع القليلة الماضية قبل أيام من زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، منتصف تموز يوليو القادم، وهي الأولى لمنطقة الشرق الأوسط منذ وصول بايدن للبيت الأبيض، ومن المنتظر أن يناقش بايدن مع الدول التسعة (دول مجلس التعاون الخليجي الست ومصر والأردن والعراق)، في القمة المقرر عقدها في العاصمة السعودية الرياض، مجموعة من القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية، منها على سبيل المثال قضايا النفط، والأمن الغذائي العالمي، وسبل توسيع التعاون الاقتصادي والأمني الإقليمي، وردع التهديدات الإيرانية، وتعزيز حقوق الإنسان.

الحراك السياسي في الشرق الأوسط يشهد منذ سنواتٍ تشكيلاً مختلفاً وتغييراً كبيراً في قواعد اللعبة دولياً، إقليمياً، ومحلياً، وزادت وتيرة هذا الحراك السياسي نظراً للظروف والمتغيرات الدولية والعالمية، والتي فرضت تداعياتها الكثير على أطراف اللعبة السياسية، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، ولكن في العالم بأكمله، لاحظنا تحركات لقادة الدول الفاعلة في المنطقة حاملين معهم من مكان لآخر نفس الملفات تقريباً، وكلها تتعلق بحماية مصالح بلدانهم واستقرارها.

ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قام بجولة في المنطقة هي الأولى له خارج المملكة، منذ 3 سنوات، زار مصر والأردن وتركيا، واستقبل رئيس وزراء العراق، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد زار السعودية، في مارس الماضي، واستقبله الأمير محمد بن سلمان، والتقى أيضاً العاهل السعودى الملك سلمان بن عبد العزيز، وقبل أيام من زيارة بن سلمان للقاهرة استضاف منتجع شرم الشيخ المصري المطل على البحر الأحمر، قمة مصرية أردنية بحرينية، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، وملك الأردن عبد الله الثاني، بحثت العلاقات الوثيقة والتاريخية التي تجمع البلدان الثلاثة على المستويين الرسمي والشعبي، وهدفت إلى تعزيز التعاون البناء بينهم، بما يحقق المصالح المشتركة لشعوبهم، ويعزز من جهود العمل العربي المشترك، ثم كانت الزيارة الأولى منذ 7 سنوات، للأمير تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، إلى القاهرة، بعد مرحلة من العلاقات المتوترة، انتهت بالمصالحة ولم الشمل، واستقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي بالترحاب، وبدا واضحاً أن الزعيمين وبلديهما يفتحان معاً صفحة جديدة من العلاقات عنوانها المصلحة العربية المشتركة، ثم تحرك الرئيس المصري في جولة خارجية إلى سلطنة عمان، ومنها إلى مملكة البحرين، وليس خافياً أيضاً أنه يحمل نفس الملفات التي حملها وأقرانه العرب في الزيارات الأخيرة المتبادلة بينهم.  

كواليس صناعة السياسة في الغرف العربية المغلقة مليئة بالقرارات، حديث القادة للإعلام مليء بالتصريحات. العاهل الأردني، على سبيل المثال، تحدث عن حلف "ناتو" شرق أوسطي أو بمعنى آخر تحالف عسكري شرق أوسطي لحماية دول المنطقة من مستقبل متقلب، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أطلق منذ فترة مصطلح "التكامل العربي" بوصفه مدخلاً أساسياً لتعزيز التضامن بين الأقطار العربية، ومواكبة المستجدات على الساحتين، الدولية والإقليمية، فيما يتعلق بتداعيات الأزمة العالمية وتأثيرها في الأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية.

على الجانب الآخر من العالم، الولايات المتحدة الأمريكية رُسخ لديها مؤخراً ضرورة تغيير قائمة أولوياتها، بعد الحرب الروسية الأوكرانية، والاضطرابات الواسعة التي شهدتها سوق الطاقة والنفط، ولعل أبرز هذه الأولويات الآن هو ملف العلاقة مع العرب، وتحديداً منطقة الخليج ومصر، فبعد أن كان تركيز إدارة بايدن منصباً على آسيا لمواجهة الصعود الصيني العسكري والاقتصادي، هذه الحرب -على بعدها الجغرافي عن المنطقة العربية- أظهرت بوضوح قوة دول الشرق الأوسط ومدى تأثيرها في توازنات القوى الدولية، وبأن قراراتها وسياساتها واستراتيجياتها بإمكانها تغيير الكثير من أوراق اللعبة السياسية حول العالم، فقد عادت أهمية الشرق الأوسط مجدداً للولايات المتحدة بفضل هذه السياسات والاستراتيجيات التي توافق العرب حولها مؤخراً، سواء في العلن أو في السر، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتم بناؤها وإنجازها بنجاح في الفترة الماضية، وبإمكانها التأسيس لمرحلة جديدةٍ في المنطقة والعالم.

وبحسب التصريحات الأمريكية الأخيرة، تبدي الولايات المتحدة الآن رغبة في "التعاون" -وضع خطاً تحت كلمة التعاون- لإعادة تشكيل القوى في المنطقة بما يضمن مصالح دولها وشعوبها، واختفت نبرة بايدن الحادة التي تشدق بها في حملته الانتخابية تجاه السعودية ومصر قبل وصوله للبيت الأبيض، وما هي إلا شهور حتى احتاج مصر للتوسط في وقف إطلاق النار بين قطاع غزة وإسرائيل، العام الماضي بعد 11 يوماً من الضرب، وإدراكه أنه بدون مصر لا حل، والآن يريد الجلوس مع العرب في السعودية التي لطالما انتقد سابقاً ولي عهدها وقال إنه لن يجلس معه، لكنه الآن هو من أتى وهو من يطلب اللقاء، ومن ثم فالحراك السياسي واللقاءات بين القادة العرب الآن أمر في غاية الأهمية لأسباب كثيرة، أولها وأهمها الاتفاق على رؤية مشتركة وأجندة عربية واحدة وتنسيق المواقف والجهود فيما يتعلق بملفات المنطقة، وثانيها أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يزور المنطقة الآن، وهي في موقف قوة ومؤهلة بالفعل لإعادة بناء توازنات القوى فيها، من واقع إدراكها بالإجماع للمخاطر المحدقة بها.

في تصوري، إن هذا الحراك العربي - العربي المتسارع يمثل منهجاً جديداً  لكيفية إدارة الصراعات الدولية من واقع المعطيات المتاحة، ومراجعة ما تم إنجازه في ملفات سابقة وما يجري الاستعداد له تحسباً لملفات جديدة مشتركة قد تفرض نفسها ضمن السياقات العالمية المضطربة الآن، فعلى سبيل المثال، استطاع عدد كبير من الدول العربية تجاوز الإرهاب وحركات الإسلام السياسي، التي مثلت في فترة من الفترات اختراقاً سياسياً واجتماعياً خطيراً لخدمة أجندات أجنبية غربية وإقليمية معاديةٍ لبلدانها وسيادتها واستقلالها، كما نجح عدد كبير من الدول العربية في تجاوز خلافاتهم وإعادة بناء مفهوم الأمن الإقليمي وأولوية السلام لبناء جبهة متكاملة، ولاشك أن هذا الكلام مرتبط بما صرح به مؤخراً العاهل الأردني حول ناتو شرق أوسطي.

على المستوى الدولي، فرضت الحرب الروسية الأوكرانية أجندتها على التحالفات والتوازنات القديمة، فعلى سبيل المثال، وبالرجوع بالزمن إلى ما يمكن أن نسمية الحرب الباردة الأولى -بما أنه لدينا الآن ما يمكن أن نسميه الحرب الباردة الثانية كأحد مخرجات الحرب الروسية الأوكرانية- فبعد انقضاء التحالف التاريخي مع الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، في مرحلة الحرب الباردة الأولى وبعد الحرب على الإرهاب، تغيرت الولايات المتحدة ولم تعد حربها على الإرهاب جادةً وأعادت تدوير حركات الإسلام السياسي، مثل الإخوان، لهدم الأنظمة السياسية في عددٍ من البلدان العربية، فيما عرف اصطلاحاً بـالربيع العربي أدركت بعض الدول العربية هذ الفخ الأمريكي غير المباشر فأعادت بناء علاقاتٍ متوازنة مع روسيا والصين وإنشاء مشاريع عملاقة في التسليح والتنمية والطاقة والأمن الإقليمي والدولي.

أخيراً.. الدول العربية لا ينقصها شيء لتكون قوة ضاربة عالمياً، فلديها كل مقوّمات التكامل، وحدة الثقافة واللغة والتاريخ المشترك وتنوّع عناصر الإنتاج تتفوق في ذلك على الكثير من التجمعات الإقليمية التي صمدت، بالإضافة إلى أن العرب جميعاً يواجهون تحديات ومخاطر مشتركة، ولو تم بلورة هذه المعطيات سياسياً مثلما نحن بصدد ذلك الآن، سنكون أمام قوة قرارٍ عربي لا بد أن تؤخذ في الاعتبار، وتجبر أي طرف من أطراف اللعبة الدولية على الاستماع والإنصات والتفكير، أثبتت دول المنطقة مؤخراً أنها قادرة على تغيير قواعد اللعبة.
 

ليفانت - حسام فاروق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!