الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • فوق كل اعتبار.. مصالح روسيا وتركيا تتجاوز القانون والحقوق

فوق كل اعتبار.. مصالح روسيا وتركيا تتجاوز القانون والحقوق
Capture

 





من يتابع حالة الانسجام الراهنة بين روسيا وتركيا، لا يهيَّأ له أنّ الطرفين كادا أن يصطدما عسكرياً في العام 2015، عندما تم إسقاط طائرة روسيّة في سوريا، فتلك الطائرة تحوّلت من سبب محتمل للحرب، إلى سبب للمصالحة بين الطرفين، وهي مصالحة دفعت وما تزال شعوب المنطقة، نتيجة المساومات التي يعقدها الطرفان في سبيل استحواذ المزيد من النفوذ ومناطق السيطرة، لكن بالتنسيق مع الطرف الآخر، وفي كثير من الحالات، عبر تبادل مناطق النفوذ، فيما يؤدّي في نهاية المطاف، وكما يبدو، إلى مناطق نفوذ متصلة لكل طرف، مهما كان ثمن ذلك من تهجير لشعوب تلك المناطق، أو انتهاك لحقوقهم وتجاوز للقوانين الدولية، فالأخيرة، لا يبدو أنّها قد صيغت إلا لتسوّف حقوق الضعفاء، وتمنيهم بما لن يتحقق، أمام حجم القوة العسكرية الروسية أو التركية.






رسم مناطق النفوذ


ولعل أبرز صور التنسيق وتقاسم النفوذ، كان آخرها في إقليم قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، إذ توصّل الطرفان برعاية روسيّة في الـ9 من نوفمبر الماضي، إلى إعلان وقف إطلاق النار، وفق بيان نصّ على تنازل أرمينيا لقرابة ثلثي المناطق في الإقليم لصالح القوات الأذربيجانية، وهي صيغة عدّتها باكو انتصاراً، وعدّها الأرمن هزيمة، لكنها هزيمة لم تكن لتتم لولا التوافق الروسي التركي عليها، وهو ما أشار إليه وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في الثلاثين من نوفمبر، عندما قال إنّ الأنشطة التركية الروسية تتواصل “وفق المخطط له” في إقليم “قره باغ”، منوّهاً خلال اجتماع افتراضي مع قيادات بالجيش التركي إلى أنّ وزارتي الدفاع في تركيا وروسيا وقعتا مذكرة تفاهم بشأن وقف إطلاق النار في إقليم “قره باغ”، مضيفاً: “أنشطتنا مع الروس تتواصل بالشكل المخطّط له”.


شمال سوريا والأكراد


أما في سوريا، فلم يعد هناك من داعٍ للحديث عن براهين وإثباتات، تؤكد توافق موسكو وأنقرة، ومن خلفهما دمشق، على قصقصة أجنحة الكرد السوريين وحلفائهم في قوات سوريا الديمقراطية، من خلال تخيير القوات ما بين العودة إلى حضن النظام السوري، أو تكرار سيناريو عفرين، أي احتلالها عسكرياً وجعلها أرضاً مباحة للمليشيات التابعة لأنقرة والتي تعمل تحت ذريعة أنّها معارضة سورية، لكن الغالبية الساحقة من السوريين وحتى المعارضين منهم، باتوا مدركين لحقيقة “عمالة” هؤلاء لأجندات أنقرة، وهي “عمالة” أو “ارتزاق” تعدّت الحدود السورية إلى ليبيا فأذربيجان، وجرى الحديث عن كشمير واليمن واليونان أيضاً، ورغم أنّ الوجهات الثلاث الأخيرة لم تشهد نزاعاً يستلزم استقدام مرتزقة، بيد أنّ متزعمي مليشيات “الجيش الوطني السوري” أعلنوا صراحة عن جاهزيتهم للقتال في أي بقعة من الأرض، يوجههم إليها “سلطانهم العثماني”، وبالتالي لا غرابة ولا إشارة تعجب باتت تجدي نفعاً في نهاية مثل هكذا عبارات.


اقرأ أيضاً: طهران وأنقرة.. تحالف هشّ للشر وآيل للسقوط مع هبة الريح


والأنكى من هذا وذاك، أنّ “الباحثين الاستراتيجيين” المحسوبين على المعارضة السورية، والذين يقيمون جلّهم بالمدن التركية، كإسطنبول وأنقرة، يتحدثون بوضوح غير مسبوق عن تخيير “قسد” ما بين تركيا وما بين النظام، مع العلم أن الذريعة الأساسية التي كانت تتحجّج بها المعارضة السورية لرفض التعامل مع قسد كقوة سورية معارضة، هو اتهامها بأنّها موالية للنظام، أما حالياً، فالمعارضة ومن أمامها تركيا تخيّر قسد ما بين إدخال النظام إلى مناطقها أو مهاجمتها، بما معناها أنّ المعارضة التابعة لتركيا تساعد النظام السوري للسيطرة على مناطق شرق الفرات، في الوقت الذي يواصل فيه النظام السوري تسلّطه المعهود، من خلال اتهام الكرد السوريين بـ”الانفصالية”، على اعتبار أنّها التهمة الأسهل التي يمكن إطلاقها عليهم، باعتبارها مقبولة ومستحبة لدى أنقرة ومعارضيها السوريين (وهنا أيضاً لم يعد هناك حاجة لوضع إشارة تعجب في نهاية العبارة).


كمّ عفرين ستتكرر؟


ومذ بداية ديسمبر، تتواصل العمليات العسكرية في المنطقة، في ظلّ حالة تهجير قسري منها لسكانها، وسقوط العديد من الضحايا المدنيين والعسكريين، نتيجة القصف التركية والمليشيات الإسلامية الموالية لها، وقد قالت، في الثامن عشر من ديسمبر، الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية، أمينة عمر، أنّ روسيا تضغط على قوات سوريا الديمقراطية، لتسليم مدينة عين عيسى للنظام السوري، كما علّقت على الهجمات التركية، بالقول إنّ “أنقرة ترغب فصل مناطق شمال وشرق سوريا، وتقويض أمن وسلامة المنطقة”، منتقدةً موقف روسيا، بالقول إنّ “روسيا مسؤولة عن هجمات تركيا على عين عيسى”، مشيرة إلى أنّه “تقع على عاتق روسيا حماية مدينة عين عيسى من التهديدات والهجمات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها في عين عيسى”، معتبرة أنّ “روسيا لا تقوم بواجبها في وقف هجمات تركيا”.


الأوروبيون متنبهون للتحالف الجديد


التحالف الروسي التركي الساعي لتقسيم المناطق وفق أهوائه ومصالحه، لا يثير ريبة الشعوب المتضررة فحسب، بل وريبة باقي القوى العالمية، وهو ما يمكن الإشارة إليه من حديث جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجيّة والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، الذي قال خلال ندوة عقدها بداية ديسمبر، بأنّه “قبل خمس سنوات لم تكن تركيا وروسيا حاضرتين في وسط منطقة البحر الأبيض المتوسط، والآن تخوضان لعبة (هناك)، نحن نعيش في عالم متعدد الأقطاب حيث تجري أمور وراء الكواليس بين عدة لاعبين يعارضون آخرين.. هو ما نسميه “أستنة”، مضيفاً أنّ “روسيا وتركيا كانت تفصلهما خلافات في البداية، لكنهما وجدتا مصالح مشتركة، ثم اتفقتا على “تقاسم نفوذهما”.


 


غزلّ مُتبادل


وفي الأيام الأخيرة من العام 2020، كان الانسجام الروسي التركي في أعلى صوره، من خلال الغزل المتبادل بين بوتين وأردوغان، إذ شدّد الأخيرة، في الخامس والعشرين من ديسمبر، على متانة العلاقات بين بلده وروسيا، مبدياً تطلع أنقرة إلى الاستمرار في تطوير هذه الروابط، كما أشار أردوغان، إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا يمثل أفضل مؤشر على واقع ومدى تطور العلاقات الثنائية بين الدولتين، معرباً عن قناعته في أن تبقى هذه النزعة مستمرّة، كما لفت إلى أنّ أنقرة وموسكو تسيران معاً نحو أهدافهما المنشودة نظراً لحجم التجارة بينهما، مضيفاً: “آمل أن تستمر علاقاتنا مع روسيا على نفس المنوال خلال الفترة القادمة”.


اقرأ أيضاً: من الهجوم إلى الدفاع.. إيران تتراجع أمام التحشّدات الأمريكية-الإسرائيلية


كما ردّ أردوغان على وصف نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، له مؤخراً بأنّه “رجل يفي بوعوده ولا يتملّق”، مشيراً إلى أنّ بإمكانه استخدام نفس الكلام بحق الرئيس الروسي نفسه، وتابع: “إنّه (بوتين) رجل نزيه ويفي بوعوده، وواقع علاقاتنا يظهر أنّه ليس لدينا روابط راسخة كهذه مع أي دولة أخرى تقريباً، وهذا أمر نادر جداً”.


وعليه، لا خيار كما يبدو أمام الشعوب المتضررة من التحالف الروسي التركي، إلا بالبحث عن تحالفات جديدة تتجاوز خلافاتهم الصغيرة (قد تضمن بقاءهم)، فالقادم لا يبدو مُبشراً، خاصة وأنّ المُحللين الأتراك يُلمحون إلى إمكانية عقد تحالف مشرقي جديد بين روسيا وتركيا وإيران، في مواجهة العقوبات الأمريكية الأوروبية، التي قد تتصاعد أكثر مع تبوّء بايدن سدّة الرئاسة في واشنطن، وهو ما قد يفتح المجال أكثر لأنقرة وموسكو للنيل من أعدائهم المشتركين، بالذات من يُتهم بأنّه على علاقة مع واشنطن.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة 







 



كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!