الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • فلسفة العلاقات البشرية من الفلاسفة إلى الأفلام الكرتونية

فلسفة العلاقات البشرية من الفلاسفة إلى الأفلام الكرتونية
سالي علي

عديدة هي المدارس الفلسفية التي اهتمت بالعلاقات البشرية، أبرزها المدرسة الإنسانية التي ركزت على دراسة الإنسان وتجربته وعلاقاته الاجتماعية، من خلال البحث في عقله وعواطفه وسلوكه .

ومن أهم الفلاسفة الذين اهتموا بذلك الدنماركي سورين كيركيفوز  الذي ركز على جوهر الإنسان وعلى تجربته الدينية والوجودية ، كذلك الألماني فريدريك نيتشه وكان له تأثير كبير في استكشاف العلاقة بين البشر والقيم والأخلاق والإرادة .

لقد سلطت الفلسفة الإنسانية الضوء على تفهم الإنسان وتفاعله مع العالم من خلال علاقاته مع البشر ولكن هذا الضوء لم يصل لي لذا قرأت الكثير من المفاهيم وناقشت الكثير من المهتمين بالشأن الإنساني حول ما يشعر به الإنسان وعن تجاربه العديدة كي أفهم ذاتي ولكن لم ينفع

فعاودت مشاهدة مسلسلي الكرتون المفضل لدي واسمه كان: عهد الأصدقاء كنت أكبر منه ببضعة أشهر فأنا من مواليد ١٩٩٢ وهو من مواليد ١٩٩٣، وقد تعلقت بشخصية الفريدو جداً فهو الصديق الوفي الذي منه تعلمت معنى كلمة الوفاء وبأن الصداقة شيء مختلف فما تمنحه لصديقك يعود إليك..

الفريدو أثرّ بي بشكل خاص بعدَ وفاته تحديداً ، مات بسبب مرضه الناجم عن عمله في تنظيف المداخن وقد انتشر هذا المرض بأوروبا في القرن الماضي بكثرة ، وأذكر للأن كيف بكيته ، أنا التي فترتها لم أجرب البكاء فشعرت بطعم المياه العذبة التي تسقط من عيني ، تحسست مذاقها جيداً، كان يعجبني الشعور لدرجة أني حاولت الاستمرار بالبكاء لكن إنتاج الدمع في جسدي جفّ فاضطررت لأن أهدأ..

بكيت وكانت تلك اللحظة بداية لنشأة شعوري بالقسوة ومن بعد موت الفريدو بدأت أبكي حين تحددُ لي والدتي مواعيد عودتي للمنزل و مواعيد توديع رفاقي بالشارع،  رفاقي الذين  لو أستطيع لجعلتهم يعيشون معي ، فأنا كنت أخاف موتهم مثل الفريدو وأخشى فقدانهم رغم أننا لم ننظف المداخن ولم نقضي أيام البرد دون حساء ساخن ومدفأة لكني شعرت دائما بالفقد نحوهم ..

أذكرُ أني في الحلقة التي ودعتُ فيها الفريدو وسقطت شارة النهاية أمامي تسللتُ خلف شاشة التلفاز أتفقد كيفية الدخول بداخله علني أستطيع إعادة تصوير المشهد كي لا يموت بل أن يشفى من مرضه ويعود لقراءة الكتب ويبقى ، لكن صوتَ أخي وهو ينقل لوالدتي محاولتي تخريب فتحات تهوية التلفاز مع صراخها عليّ كانت كافية لأدرك بأن أفلام الكرتون كانت حقيقية في تلك اللحظة رغم رؤيتي للفراغ داخل التلفاز ، وبأن فقد الأحبة مؤلم سواء كانوا وهميين أم حقيقيين ، يكفي شعورنا نحوهم لأن نحدد نحن حجم غيابهم وتأثيره على حياتنا ..

دخلت بعد مرحلة طفولتي بتجارب عديدة مع الأصدقاء وكانت بدايتها مع الصديقة التي تشاركت معها تفاصيل حياتي نلعب معا نأملُ بالغدِ معاً ونأكل ذات الوجبة ، نلبس الطراز ذاته، لقد أحببت فكرة أن نتشارك الوقت وننظر للساعة فنراها ذاتها فهي كانت القاسم الذي يثبت أننا معاً بذات اللحظة ..

لكني انتقلت من الحي التي سكنته حتى عمر الحادية عشر وانتقلت لمدرسة جديدة وهنا كان الفاصلُ الزمني الذي أدخلني لتجربة صداقة مختلفة كلياً مع فتاة متمردة أنانية تريد لي البقاء معها فقط دون أن يكون لي أي وجود مع الأخر لكنها كانت حنونة بشكل مفرط فقد احتوت ألمي وأسرار حزني حتى أنها مراراً حاولت بأن تزرع ألمي بداخلها ظناً منها بأنه  سيرحل عني  فيسكنها ولكن أنانيتها التي مارستها معي بكثرة جعلتني أشعر بالضيق وعدم القدرة على مشاركة جسدي الهواء فهجرتها طواعية كي أنقذ ما بقي مني ونجحت لكن القدر كان يتهيأ ليضعني ضمن حدود علاقة ثالثة خطيرة مبنية على أساس الانبهار اللحظي والتعلق الأخوي مع غياب التقدير ، لقد كانت الأقرب لي فهي التي استقصدت طيلة رفقتي معها أن تجعلني امشي من جهة يسارها ،كان تفكيرها غريب وملفت لعقلي لكنه كان ساماً ومؤقتاً من طرفها ، هي انبهرت بشخصيتي كوني كاتبة أوثق اللحظات وأدخل عمق ما تفكر به فأترجمه لكلمات تجعلها تفهم ما تشعر به كأنني كنت بداخلها وانطق نيابة عن خجلها بالتعبير عن نفسها ..

استمر انتهائها سنتين كاملتين استندت بهم على كتفي كثيراً حتى مال كبرجِ بيزا ولكن في السنتين الأخريات تغيرت وبدأت دائرة الابتعاد تزداد مساحتها و أصبحت تمارس ثقتها بنفسها فلم يعد لوجودي قيمة ، حصلت على ما أرادته و رأت بي شخص ممتلئ بالثقوب لكنه يقف متباهياً بندوبه ولا تسقط منه ألامه سيلاً فائضاً ، لذا رحلت عنها و عادت لصفتها الأولى، غريبة ولكني هنا بالذات لم تغريني فكرة الرحيل بقدر ما أغرتني فكرة الخلاص الأبدي .

وبعد تجاربي تلك أصبح يرافقني الشعور الأول عندما مات الفريدو ،شعور الفقد الأبدي ولكن لاحظت شيء مهم وهو أني كنت دائماً من يرحل أولاً عنهم، كانت لدي شجاعة البدء من الصفر حتى لو كان الرحيل مؤلما لكنني وضعت الألم داخلي كبذرة نهضَت وتفرّعت غصونها بسائر جسدي فتعودت عليه وتأكدت بعدها  بأن الجميع الفريدو ..

عدت إلى الفلسفة بعد أن استقر الهدوء شخصيتي فأنا الأن اعتبر خاوية من العلاقات السامة،  متفرغة لذاتي وشغفي في عوالم الفن أيُّ كانَ مساره فأنا الهثُ خلفه محبةً ،

و بدأت اسأل محيط الكتب الواسعة حولي عن المصطلحات والمفاهيم كافة المتعلقة بالعلاقات الإنسانية حتى التقيت بمصطلح يدعى الأخر ..

والذي أشار لي بأنه هو الشخص الذي ليس أنا ، فكيف سأتواصل معه ؟ وكيف سأبني معه علاقة كونه الأخر الذي لا يربطني به شيء ؟

فتذكرت حالاً حين كنت موقنة بأن صديقتي هي أنا وأدركت بأن عاطفتي كانت تسيطر بشكل خاطئ وهو الأمر الذي أودى لفشل غالبية علاقاتي فأنا كنت متأكدة أني إذا عاملتُ صديقتي كما أعامل نفسي فسيكون بهذا الشكل هو الأفضل لنا ..

كانت فكرة الوجود تحيط بي لذا حاولت دائماً وسعيّ لتحقيق وجودي ضمن علاقات إنسانية متعددة كوني بمطلع عشرينات عمري كنت فاقدة لتقدير ذاتي نتيجة لممارسة القدر معي أقسى القصص على الصعيد النفسي ..

لكني الأن بدأت نهضة الثلاثين من عمري وأصبح بإمكاني وضع فاصلة بين العقلانية والعاطفية وتصالحتُ مع فكرة صراعهما بداخلي فهم أشبه بالتوأم الكاذب، العقل يحلل ويبحث خلف المنطق والحقيقة الكامنة ،بينما القلب فهو صادق نابض بالحب معطاء ولا يتوارى خلف مشاعره بل يطلق لها العنان.

 

الفرق الذي اكتشفته أنني أتقبل صراع قلبي مع عقلي  ولا أفشل في ترويضهم لذلك أنا الأن أكثر هدوءً عن ذي قبل ووصلت لنقطة ارتكزُ بها على ما سبق ودونته بأن الفترة التي ولدت بها كانت مؤقتة من جميع نواحيها فهي الفترة التي عاشت بلادي سوريا فيها الرخاء الاقتصادي الاجتماعي ولم تتشوه بمفعول الحرب النفسية التي واجهتها منذ مطلع عام ٢٠١١

لقد عشت زمن التسعينات حيث أكبر أحلامي أن لا اغفى قبل مشاهدة جميع حلقات مسلسل الكرتون أو دون الفوز على إخوتي في لعبة الأتاري ، لقد كان زمناً سريعاً تتكاثف فيه ذكرياتي على عكس واقعي الحالي كوني فتاة أمتلك ثلاثون عام لكن ليس لدي ولو صديق واحد، لذا أفتقد الفريدو وأقيم سنوياً مراسم عزاء له في قلبي لأنه الصديق الوحيد الذي رحل عني ..

ليفانت: سالي علي

 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!