الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
في فلسفة التدرج
اسامة

العالم أمس واليوم وأظنه غدا سيكون مليئا بالأخطاء وربما الخطايا والمشكلات والأزمات العرضية والمزمنة والتي طبعت مسيرة بني البشر عموما، ولطالما بقيت المشاكل وستبقى في عالم البشر يبقى السؤال قائما حول كيف سيتعامل البشر مع مشكلاتهم وتفاديا لمطب التعميم إذ إن المشكلات متنوعة وبالتالي تتنوع طرق التعاطي معها بحسب تأثيرها في حياة البشر إذ لا يمكن مقارنة المشكلة الجمالية مثلا وعلى أهميتها القيمية بمشكلة اقتصادية خانقة تطال وجود البشر البيولوجي المتعلق ببقائهم.


 فعلى سبيل المثال يتم التعامل اليوم مع فيروس كورونا المستجد عبر جملة من الباحثين وشركات الصناعات الدوائية التي تراقب عن كثب هذا الفيروس وتحاول ليلا نهارا إيجاد اللقاح المضاد له بإمكانات علمية عالية ومخابر لا تنام للتحليل والتجريب والترخيص ومن ثم الإنتاج إذا هي عملية متدرجة امتصت البشرية جمعاء هول صدمتها وحاولت فهمها وتشريحها من ثم بدأت بالتوعية للتخفيف من آثارها وشرعت بوسائلها العلمية التجريبية لمحاولة إيجاد اللقاح المضاد وها هي اليوم تحرز تقدما متدرجا في هذا المضمار للحصول على ترخيص استخدامه من أعلى مرجعية صحية عالمية وأقصد منظمة الصحة العالمية.


 


وفي مجتمع كمجتمعنا العربي المحكوم  بعدة آفات وتصنيفات جاهزة مسبقا ربما يعود جزء كبير منها لافتقار البشر لشروط عدة أولها واهمها الوعي بمعناه الحر وأقول الحر لانه وبظني ان وعيا كان قائما وهو حاضر وربما سيبقى في ظل أنظمة تصادر مؤسسات بديهية  يعول عليها لإنشاء او تأسيس وإنسان واع وحر لعل أهمها المؤسسة التربوية التي لها اثر حاسم في تشكيل نواح أساسية من شخصياتنا كبشر أولا وكبشر فاعلين بدرجة ثانية أقول ان وعيا كهذا سيفضي بنا الى الهاوية ان لم يتم التنبه له ومجابهته بأدوات غير تقليدية والأهم غير أيديولوجية على ما تبقى لنا من حلم.


  ولعل مثالي الثاني يوضح ما أريده لناحية التدرج في حل المشكلات العصية كما يتعامل معها العلم والتفكير العلمي لناحية محاولة الحل والاسهام فيه وليس الحل الارتجالي على نقاءه وفطرته سيما إذا تعلق الأمر بمشكلة أشد تعقيدا.


سألت مرة طلاب الصف الثالث الثانوي ابان تدريسي لمادة الفلسفة عما يعنيه لهم مفهوم البعث وجلهم من البعثيين من حيث لا يدرون فلمحت للوهلة الأولى استغرابا لهذا السؤال السابر وكنت متيقنا ان لا جوابا محددا ودقيقا سيأتي على الرغم من وجود بعض من قرأوا كلمة البعث قرآنيا كمصطلح يوم البعث مثلا الا انه بالرغم من ذلك لم تردني اية إجابة ’ لم أيأس بل كان لزاما علي أن أدخل في المعنى اللغوي وفق القواميس العربية للكلمة لأعيد شرح استثمارها في مجال السياسة لكن ما حدث بعد الشرح انما هو مقصدي في هذا المقال.


 


ما حدث ببساطة وبعد الشرح لمفهوم البعث لغويا وحتى دينيا أن جاء سؤال من أحد الطلاب وأعتقد أنه سؤال حاسم ربما يبرر ما أنا بصدده الان بل وربما كان سببا أساسيا في هذه المقالة وأقول سببا أساسيا لان ثمة أسباب أخرى من أهمها بالنسبة لي كيف تعامل ويتعامل مفكرونا الان مع مشكلات مجتمعاتهم؟ وهل يمكن لمجتمع زراعي قابع في بنية ما قبل الدولة أن تطرح أمامه مسألة الحداثة وما بعد الحداثة كطبق للتفكير دون تهيئة الأرضية الحاسمة لذلك؟


 بل هل يمكن أن تسأل عن رأي أحدهم في نظام سياسي وهو لا يعرف أصلا معنى النظام السياسي ونوعية الأنظمة السياسية والفروقات بينها وكيف تدرجت تاريخيا وحتى ما هي نوعية النظام السياسي الذي يحكمه الان وفي هذه اللحظة بالذات؟


كان سؤال الطالب: ما علاقة هذا السؤال بموضوع درسنا المعنون: العمليات العقلية (التفكير).


ومحاولة الإجابة عن سؤال ذاك الطالب المشروعة لم تخرج عما أفكر به الآن في مسألة التدرج إذ بدون ذلك التدقيق في المفاهيم بأصولها والبحث العلمي بنشأتها لا يمكن إلا أن نكون ببغاوات تردد ولا تفكر سيما أن اللغة بدالها ومدلولها تشكل مادة التفكير الأساسية إذ لا وجود لتفكير دون لغة وإن وجد فتلك مرحلة تم تجاوزها بحضور اللغة وبما أن الإنسان إبن شرعي لعصره فيجب علينا بحكم التقدم الحاصل أن نسقط للأمام على حد تعبير الممثل الأمريكي دينزل واشنطن.


أفادتني هذه التجربة في سبر ما ينطوي عليه الفكر التلقيني من غياب للتفكير النقدي وما صنعت وتصنع المؤسسة التربوية القائمة من تسطيح لكل شيئ وعن قصد،


 وربما نبهتني بدرجة أساسية لأهمية علم اللغة وغياب أصوله النقدية في تفكير طلابنا المساكين الذين يرددون ما هو موجود ببلادة على صفحات الكتب المدرسية وربما تقاطع ذلك كله مع محاولة راديكالية لتغيير المناهج الدراسية في سوريا أخذت على عاتقها تغيير المحتوى التعليمي لكنها لم توفق بأدواته ووسائله بل لم توفق بالغالب الأعم بالمحتوى نفسه لناحية المادة العلمية والشخص القادر على تقديم ذلك المحتوى والشواهد على ذلك كثيرة ربما نفرد لها لاحقا مادة خاصة في موضع آخر.


ولربما اعتقد كثير من البشر بل والمفكرين والأنظمة السياسية ان تغييرا ما منشودا ربما سيكون عبر حالة ثورية تجب ما سبقها  وهذا لعمري مفهوم لا يستقيم على الأقل مع الوقائع التاريخية اذ اني افهم ان يكون نظام الدولة فاسدا بل ومفسدا من رأسه الى أسه لكني لا افهم ان يتم التعامل مع هذا النظام كمفهوم مستقل عن البشر الذين عاشوا ويعيشون في كنفه الاستبدادي , ولأكن اكثر صراحة ما يهمني هم البشر وليس الأنظمة ولهم أتوجه بما أسميه فلسفة التدرج وخاصة فيما يتعلق بمصيرهم الجماعي على عواهن اختلافاته الدينية والمذهبية .


 


 


اليوم وفي الحالة السورية تحديدا يتعذر على السوريين لأسباب داخلية وخارجية بناء فكرتهم الوطنية الجامعة أو تحويل سوريا بين ليلة وضحاها إلى دولة مدنية أو علمانية وهنا لا بد من اجتراح تدرج بطيء لما يريده السوريون من دولتهم القادمة وهذا يستلزم بالضرورة عملا وآليات جديدة مختلفة عما خبروه في تجاربهم السابقة دون عزل تلك التجارب واستثمار نتائجها سواء الإيجابية منها بل وحتى الكارثية بغرض التفكير بغد أفضل لهم وهنا لا بد من التدرج بل فلسفة التدرج.


أسامة هنيدي


 


 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!