الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • فرنسا تُناصر حلفاءها من قبرص واليونان إلى ليبيا وشمال سوريا.. والخصم واحد

فرنسا تُناصر حلفاءها من قبرص واليونان إلى ليبيا وشمال سوريا.. والخصم واحد
فرنسا


 





منذ مدة بعيدة، قد تصل إلى سنوات، تتخذ باريس مواقف قوية، ثابتة، إستراتيجية إلى حدّ بعيد لحماية مصالحها، وحماية مبادئ الجمهورية الفرنسية في العدل، الذي لا يبدو أنّها تراه محصوراً في حدودها، بل واجب عليها تأمينه لحلفائها القدماء في ليبيا وقبرص واليونان، أو الجدد في شمال سوريا، وبالذات هنا المقصود، القوات الكردية السورية وحلفائها من باقي المكونات في قوات سوريا الديمقراطية، تجاه الخصم المتربّص المتمثّل بأنقرة، والتي تمكّنت من النيل منهم في مواقع عدة كـ”عفرين” ورأس العين وتل أبيض، وتسعى للنيل من حلفاء آخرين لفرنسا مرة أخرى، لكن هذه المرة، من الجسد الأوروبي عينه.


 في ليبيا


عرف الموقف الفرنسي في ليبيا بحدّته وثباته، وشهد هجمات عنيفة متبادلة مع أنقرة، سياسيّة وإعلاميّة، ففي نهاية يونيو الماضي، هاجم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بأسلوب شديد اللهجة تركيا، بسبب سياستها في ليبيا.


وشدّد ماكرون، أنّ تركيا تتحمل “مسؤولية تاريخية وإجرامية” في النزاع الليبي، وقال: “نحتاج في هذه المرحلة إلى توضيح لا غنى عنه للسياسة التركية في ليبيا، والتي هي مرفوضة بالنسبة لنا”، ووصف الرئيس الفرنسي تركيا بأنّها “أول طرف خارجي يتدخل في ليبيا”، متهماً أنقرة بعدم الوفاء بأيّ من الالتزامات المترتبة عليها في مؤتمر برلين، وبزيادة وجودها العسكري في ليبيا و”الاستيراد مجدداً وبشكل كبير مسلحين إسلاميين متشددين من سوريا وإرسالهم إلى ليبيا”.


 


واستطرد قائلا: “إنّها المسؤولية التاريخية والإجرامية لتركيا التي تدعي أنّها عضو في حلف شمال الأطلسي. في أي حال إنّها تتحمل (هذه المسؤولية)”، أما بخصوص موقف فرنسا تجاه ليبيا، فأعرب ماكرون عن رغبته في “وضع حدّ لفكرة خاطئة” بأنّ حكومة باريس تدعم “الجيش الوطني الليبي” بقيادة خليفة حفتر، مشدداً على أنّ “فرنسا تسعى بالأحرى إلى إيجاد حلّ سلمي مستدام في ليبيا”.


في شمال سوريا


وفي شمال سوريا، عارضت فرنسا بشكل علني العمليات العسكرية التركية في المناطق ذات الغالبية الكُردية كـ”عفرين”، في يناير العام 2018، ومن ثم في أكتوبر العام 2019، في كل من بلدات رأس العين وتل أبيض، ورغم أنّها لم تخرج عن الإطار السياسي للدعم، إلا أنّها اتسمت بالوضوح والشجاعة في الطرح، فيما سلط الإعلام الفرنسي بشكل دوري الأضواء على الممارسات التركية في شمال سوريا.


ففي الثامن من يوليو الماضي، قال تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية، إنّ الوضعية الجديدة تهدّد بتقسيم سوريا على أساس “نقدي” هذه المرة، وذلك بسبب مساعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعزيز نفوذه في المنطقة، وذلك بالتزامن مع بدء التعامل بالليرة التركية في المناطق الخاضعة للهيمنة التركية، في شمال البلاد، عبر مسلحي مليشيات ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري”.


 


وأشار التقرير إلى أنّه في الرقعة الجغرافية بين مدينة تل أبيض وحتى عفرين، حيث الغالبية الكُردية، مروراً بالباب وجرابلس وإعزاز الحدودية، يتقاضى الجنود الأتراك الموجودون هناك، ومسلحو الميليشيات المتحالفة معهم، إضافة إلى موظفي الإدارة المحلية، رواتبهم بالليرة التركية، وكذلك يتم التعامل بشكل واسع بالعملة التركية في مدينة إدلب، إذ يتم بواسطتها دفع أجور بعض العمال مثل أطقم القطاع الصحي، وتستخدم على المستوى الشعبي في شراء مختلف السلع والبضائع بما فيها الخبز وغيره من السلع الضرورية.


وتخلص الصحيفة إلى أنّ النمط الإداري الذي تنتهجه تركيا في المنطقة، يخلق بيئة مناسبة لعدم الاستقرار، مشيرة إلى نموذج مدينة عفرين في شمال غرب سوريا، وتقول إنّ عفرين عرفت بكونها منطقة زراعية ذات غالبية كردية، إلا أنّه ومع غزو تركيا للمنطقة في عام 2018، تم انتزاع الكثير من الأراضي من ملاكها الأصليين وطردهم منها.


في شرق المتوسط


وفي شرق المتوسط، ومع المساعي التركية لاستخدام القوة العسكرية بغية الهيمنة والسيطرة وانتزاع ما ليس لها بالتهديد والوعيد وقوة السلاح، كانت فرنسا حاضرة، حيث عدّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الرابع عشر من يوليو الماضي، أنّه من الضرورة بمكان أن تضع أوروبا يدها بشكل مباشر على الملفات الجيوسياسية في منطقة البحر المتوسط، حتى يضحى مصيرها في يديها وليس بين أيدي “قوى أخرى”.


وذكر الرئيس الفرنسي، أنّ “منطقة البحر الأبيض المتوسط ستشكل تحدياً في السنوات المقبلة، إذ إنّ عوامل الأزمات التي تتجمع فيها عديدة: نزاعات على مناطق بحرية، مواجهات بين دول متشاطئة، زعزعة استقرار ليبيا، الهجرة، التهريب، والوصول إلى الموارد”، ونوّه ماكرون إلى “لعبة قوى جديدة”، مؤكداً على “وجوب أن تعيد أوروبا تحديد دورها ومكانتها هناك، من دون سذاجة ومن دون تهاون”.


مضيفاً أنّه “لا يمكن لمنطقة البحر الأبيض المتوسط أن تبني سلاماً دائماً من دوننا، ولا يمكننا أن نقبل بأن تبني قوى أخرى مستقبلنا”، وأردف ماكرون بالتأكيد على أنّ وضع “سياسة أوروبية حقيقية للبحر الأبيض المتوسط هو أمر ضروري ومُلح”.


في قبرص واليونان


وبكل تأكيد لا يمكن الإشارة إلى حزم الموقف الفرنسي في شرق المتوسط، دون الإشارة إلى الدور الفرنسي في جزيرة قبرص واليونان، لا سيما ما حصل خلال الأيام الأخيرة، والذي سيدفع أنقرة إلى إعادة حساباتها قبل الخوض في أي مغامرة لن تحمد عقباها، حيث ذكرت وسائل إعلام قبرصية، في الثاني عشر من أغسطس، أنّ طائرتين مقاتلتين فرنسيتين من طراز رافال، بجانب طائرة دعم من طراز “سي – 130 إتش” وصلت إلى جزيرة قبرص، في رسالة فرنسية موجهة إلى أنقرة.


وأشار موقع “defence-point” المعني بالشؤون العسكرية والناطق باليونانية، أنّ باريس بإرسالها الطائرات العسكرية الثلاث، أرسلت برسالة جلية إلى تركيا، وذلك عقب أن كانت قد وقعت كل من فرنسا وقبرص في العام 2017، على اتفاقية دفاع مشترك، والتي تم تفعيلها مطلع أغسطس الجاري، في إشارة حاسمة إلى أنقرة إلى ضرورة الكف عن استعراض العضلات والاستقواء على الجزيرة الصغيرة، التي باتت ليست وحيدة، رغم التشرذم الأوروبي، في ظل الصمت البريطاني المنكفئ للداخل، والدور الألماني المشبوه في كثير من المواقف في مساندة تركيا أو على الأقل عدم إزعاجها، نتيجة ما يربطهما من علاقات اقتصادية، وجالية تركية كبيرة.


 


كما شدّد الرئيس الفرنسي لليونان، بالتزامن مع الخطوة في قبرص، على رفض باريس لخطوات تركيا “الخطيرة وأحادية الجانب”، وأبدى قلقه الشديد حيال التوترات التي أدّت إلى القرار التركي “الأحادي” بالتنقيب في منطقة شرق المتوسط، وأورد بيان للرئاسة الفرنسية، في الثاني عشر من أغسطس، بأنّ باريس أقرّت تمكين حضورها العسكري في منطقة شرق المتوسط، بشكل مؤقت، في سبيل حرصها على احترام القانون الدولي، فيما طالب ماكرون بفتح “حوار سلمي” بين أنقرة والدول المجاورة لها وشركاء حلف الناتو.


وعليه، يبدو جلياً، أنّ المناصرة الفرنسية لحفائها تتطور بعد كثير من الصبر على التعديات والاستفزازات التي تطالهم من خصم واحد، في كل المرات، متمثّل بأنقرة، ورغم استبعاد احتمالات تطور الموقف إلى حرب عسكرية شاملة، لإدراك أنقرة أنّها لن تكون في صالحها، يبدو أنّ الفرنسيين قد بدؤوا في فهم السياسة التركية القائمة على مبدأ “تبيان رد فعل الخصوم”، والتي تنتقل معها في كل مرة إلى مرحلة متقدمة أكثر من حيث التجاوزات، كلما كان الصمت الدولي حاضراً.


ومنه، لا يبدو أنّ باريس تجد من بدّ أمامها في الوقت الراهن إلا التقدّم خطوة نحو الأمام، وإبداء الجاهزية للتصادم، وهو الأمر الوحيد الذي قد يدفع أنقرة للتراجع، كونها لا تقتنع بلغة الدبلوماسية أو العقوبات.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة



النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!