الوضع المظلم
السبت ١٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
فرض ما تبقى من سطوة على ما تبقى من حلاوة روح
نزار غالب فليحان

يصرّ النظام على إضافة مهزلة جديدة إلى المهازل التي خاضها ومايزال، وهو الذي يحتكر كل السلطات ويملك كامل القدرة على تمرير أي قرار، شاء من شاء وأبى من أبى، لذا يبدو الأمر غرائبياً حين تجرى في سوريا انتخابات رئاسية لا تعدو  كونها مسرحية سمجة مكرورة لطالما ضحك منها القاصي والداني، انتخابات لا يعترف بها أحد سوى بعض القوى الداعمة التي تتفق مصالحها وبقاء النظام الذي يوقن تماماً أنّه بهذه الانتخابات لن يُجَمِّلَ شكله أمام العالم، وإذا ظن بأنّها قد تفعل فإنّ ظنّه هذا ظنّ محض وهم.


وتتضح غرائبية المشهد في حالة اللامنطق واللاعدالة في الصمت الدولي عن أن يُحْكَمَ شعب يتوق إلى الحرية من قبل سلطة ديكتاتورية لا تعترف بأي شكل من أشكال الحرية، سلطة قمعت وستظلّ تقمع أي حراك ينزع نحو الحياة الكريمة، في عصر نالت فيه معظم شعوب الأرض تلك الغاية الإنسانية النبيلة في بلادها وراحت تسعى لتحقيق أهداف من شأنها أن تضمن لها مزيداً من المكاسب الإنسانية بعد أن تجاوزت عتبات العدالة والحرية والمساواة.


أما ذروة تلك الغرائبية فتكمن في أن تُجري هذه الانتخابات سلطة لم تعد تملك مقومات الشرعية ولا الاستمرار، سيما وأنّه لم يعد بإمكانها تسويق مقولاتها التقليدية الكبرى من ادّعاء مقاومة العدو الصهيوني حتى ادّعاء محاربة الإرهاب، وما بينهما من توازن استراتيجي وأولوية قضية فلسطين وبناء سوريا الحديثة، وفي ظل مؤشرات اقتصادية أقل ما يقال عنها أنّها تستقر في الحضيض لا ينافسها على تدنيها أحد، ودمار في البنى والمرافق، وتمزق بين أكثر من احتلال يفقدها سيادتها المزعومة، وبيئة سياسية عقيمة لا تقبل أي حل سياسي إلا إذا كان سيمكنها من الحكم، وعقلية أمنية قمعية تقصي كل من يتجرّأ على البوح بما يشير إلى فساد أو خلل، وخضوع لدولة عميقة مكينة متحكمة بكل مفاصل البلاد، أمام هذا الوضع المنهار تماماً، ماذا تبقى من أسباب الحكم وشرعيته ومن عوامل بقائه؟


إنّ بعض وليس بالضرورة كل ما تقدّم يعطي مبرراً  كافياً لأي شعب أن يشعل ثورة كل يوم، وأن يُعْرِضَ عن الانخراط في كل فعالية تخصّ السلطة الحاكمة، لكن في الحالة السورية عن أي شعب يمكن أن نتحدّث؟ عن الذين هربوا من الموت وشُرِّدوا بين بحر وأرض وسماء؟ عن الذين هُجِّروا عن بيوتهم التي سوتها البراميل بالتراب؟ عن الذين ملؤوا الخيام في أطراف دول الجوار؟ عن الجائعين الحائرين في تدبر رغيف الخبز؟ عن الخائفين من تحولهم إلى هياكل ميتة حال ارتكابهم بوحاً أو اقترافهم صراخاً؟ عن الرازحين تحت نير الفقر يجترحون بعض حياة من كثير موت؟ عن الواجمين المهمشين العُزَّل في وجه من امتلك فائض القوة والسلطة؟


قد يمرر النظام انتخاباته، حينذاك سيكون قد فرضها بما تبقى في جعبته من سطوة عُنْوَةً على ما تبقى لدى المقهورين من حلاوة روح.



ليفانت - نزار غالب فليحان

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!