الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عودة نافالني الروسي والمعارضة السورية
عمار ديوب

أثارت عودة المعارض الروسي إلى بلاده أسئلة كثيرة لدى المعارضة السورية. زاد أمر الأسئلة بعد اعتقال الرجل مباشرة من سلطات موسكو، وتدفق مئات ألوف الروس إلى الشوارع وتخطّت المدن المُشاركة بالاحتجاجات المائة، وهذا ينذر بشتاءٍ مرٍّ ستعاني منه تلك السلطات، وبالطبع المعارضة الروسية، التي تزايد أعداد المعتقلين منها إثرّ تلك العودة. نافالني 


امتلأت الصفحات الشخصية السورية عن العودة تلك، وكتب وائل سواح مقالاً في صحفية العربي الجديد "ماذا لو عاد أنس العبدة ونصر الحريري إلى دمشق"؛ إذا الموضوع أثار شجون السوريين، والمعادلة باختصار: لماذا خرجت أكثرية المعارضة السورية من البلاد بعد 2011؟ لماذا لم تناضل مع بقية الشعب من الداخل، ولماذا لم تنتقل إلى المناطق "المحررة"، ويضاف لذلك، لماذا لم تعود إلى مناطق قسد أو المناطق التي احتلتها تركيا، بل وحتى تحت سلطة هيئة تحرير الشام، وقبل 2018، أيضاً لم تتداع إلى الداخل حيث كانت مناطق كثيرة تحت سيطرة فصائل متعددة وليست سلفية أو جهادية.


نعم هناك مشكلة كبيرة في ذلك، والمقياس السوري كان العراق وليبيا، أي لتخرج المعارضة، ولتُشكل مجلسها "الوطني" في الخارج، وتستدعي الخارج "ليخلع" النظام من شروره؛ لنلاحظ هنا أسماء أيام الجمع في 2011 "الحظر الجوي، التدخل الخارجي، الحماية الدولية". هو مقياس رديء بامتياز، ويوضح غياب المنظور الوطني للمعارضة وعدم الثقة بالشعب والرعب من النظام الاستبدادي. يظل السؤال قائماً، لماذا اختارت كتلة كبيرة من المعارضة "الهروب" من البلاد.


أشرت قبل قليل إلى المقياس الذي وزنت فيه الموازين. والغريب أنها لم تُراجع نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق! حيث خُربت البنية الاجتماعية ونهبت آثاره وقتل علماؤه، وانهارت كل أشكال الخدمات، وتقريباً سلمت أمريكا العراق لإيران. أمر يثير العجب فعلاً. إذا خففنا المنظور الأخلاقي لرؤية الأحداث، فإنّ المعارضة المكرّسة حينها، أقصد المجلس الوطني السوري، ولاحقاً الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، وسنشيح النظر عن هيئة التنسيق الوطنية نظراً لتمسكها بالداخل، والانطلاق منه للعمل السياسي، وهنا لا نناقش صواب أو خطأ رؤيتها. نقول إنّ تلك المكرسة، كانت تتوخى الوصول للسلطة وبأي ثمن، وهذا لا يمكن اغتنامه دون تفريغ الساحة الداخلية من المعارضة ورهن ذاتها للدول الخارجية، وتصوير الوضع السوري بأنّه كارثة حقيقية، وهناك من أكد أنّ سياسة تحرير المدن وقيام النظام بمجازر كبيرة على إثر ذلك سيؤدي بشكل حاسم للتدخل الدولي المرغوب من قبله، ولو كان مصير البلاد سيكون كما العراق. طبعاً، وقبل سياسات المعارضة الفاشلة، هناك الطغاة الذين يسلمون البلاد للغزاة. نافالني 


كان من أكبر أخطاء المعارضة ما أشرت إليه، حيث غادرت الساحة الداخلية ليلعب بها النظام، وهو ما فعله، عبر إطلاق مئات المعتقلين السلفين والجهاديين، والذي، ومع دور كبير للإخوان المسلمين في المعارضة، ساهما بتخريب الثورة والصراع ذاته، وبالتالي تحولت الثورة إلى مسلحة، وحينها يمكن القول إنّ واقع المناطق "المحررة" لم يعد يسمح بالعيش الأولي للمعارضة أو لسواها. من الخطأ أن نجلد أحد دون قراءة الواقع ذاته، ومع ذلك كان يجب التمسك والعودة إلى المناطق التي ليست تحت سيطرة الفصائل الجهادية بالتحديد. كانت العودة ضرورة لأغلبية المعارضة سيما من كانت ترى جبهة النصرة تنظيماً ثورياً! وبالتأكيد جيش الإسلام أقل تطرفاً منها، وبالتالي هناك أخطاء مارستها المعارضة في هذه القضية، وتتمثل في تسهيل خروج أغلبية أفرادها ولاحقاً الناشطين، وبالطبع لم تُناقش هذا القضية من أصلها، أي خطر تفريغ الساحة الداخلية من المعارضة، وتركها للفئات، سلفية أو جهادية وسواه.


نافالني


قُتل مئات الناشطين الأوائل في مدنهم أو المعتقلات، واعتقل الآلاف، وهذا كان سبباً قوياً للمعارضة لتسهل عملية خروج أنصارها، ولكن الشعب ظلَّ يعاني كل أشكال الظلم لدى النظام ولدى الفصائل. هنا الموضوع، حيث يجب التفكر بشؤون المعارضة والناشطين وكافة الفاعلين، وقبل ذلك باستراتيجية وأهداف الثورة وبرنامجها. وكيف كان يمكن ضبط الأسلمة والسلاح والتمويل والتدخل الخارجي. كل هذا الحديث لم يُطرح من أصله، وبالتالي تفاقمت الأوضاع وفُتحت سورية لكل ما هبّ ودبّ، وهنا صار من الموضوعي بمكان أن يخرج الملاحقين أمنياً أو الذين اعتقلوا. إطالة عمر الثورة، وغياب أي أفق للحل، شكلا سبباً جاداً للسوريين للخروج، وبالطبع هناك التهجير المدروس الذي قام به النظام عبر حروبه الكارثية، والتي قتلت البشر ودمرت المنازل والمدن، وبالتالي لم تعد سورية بلداً قابلاً للحياة، ويصبح حق الأمان مطلباً وجودياً للأفراد قبل أي اعتبار أخر. نافالني 


تطورات الوضع السوري تقول بأنّ المعارضة السورية لا تقيم اعتبارها للشعب السوري، وفي هذا تنافس النظام في سوئها وانحطاطها. نافالني الروسي عاد واعتُقل، والسؤال: لو عادت المعارضة، ولا سيما المنخرطة بمؤسساتها، وأفراد أحزابها إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا، فهل ستتعرّض للاعتقال مثلاً؟ بالتأكيد لا، سيما أنّ أحوالها لن تكون سيئة كما أغلبية من يسكن تلك المناطق. نعم هناك مشكلة أخلاقية لدى تلك المعارضة، حيث تترك الشعب ليعيش أسوأ الأحوال وتنطق هي باسمه، وبمقدورها أن تعود إلى تلك المناطق "الآمنة" وترفض.


باعتبارنا نتحدّث عن المعارضة، يمكننا رؤية أحوالها بعجالة، فما هو وضعها حالياً؟ أليس الانقسام العامل الأساسي فيها راهناً، أليس هو حال القوى المشكلة للائتلاف الوطني أو هيئة التفاوض أو القوى الكردية، ثم أليست تابعة هذه أو تلك لتركيا والسعودية وقطر وأمريكا وروسيا بل وحتى لمصر، وربما لدول أخرى، ثم أليست تلك التبعية وما ذكرناه أعلاه، السبب الحقيقي لوضعها الكارثي.


ليس من العقلانية بمكان دعوة قيادات المعارضة إلى مناطق النظام، حيث أغلبية السوريون يبحثون عن طريقٍ للخروج من سورية، وهناك ألف تعقيد لهكذا مطلب من أصله، وهنا لا نتجاهل بقاء معارضين في الداخلين، ولكن دون أية فاعلية سياسية. المطلوب هو الانسحاب الكلي من أية مفاوضات مع وفد النظام، أو أي ترتيبات أمنية وعسكرية تشرف عليها روسيا أو تركيا أو إيران أو أمريكا، والتوحد في إطارٍ جديد، ينطلق من القرار 2254 وجنيف1 ويشطب تفاهة السلال الأربعة، والعمل من أجل تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، وبغطاء دوليّ، وبما يتيح لسورية الانتقال السياسي، وحينها ستكون عودة المعارضة والشعب ممكنة إلى سورية؛ إذاً يقع على عاتق المعارضة العمل من أجل تلك العودة وليس التبعية للدول أو الاستمرار بالانقسامات والطلب من غير بيدرسون التدخل لطي مشكلاتها، والانسحاب من أية ترتيبات دولية او إقليمية لا تخدم تشكيل هيئة كاملة الصلاحيات. نافالني 


ليفانت - عمّار ديّوب  ليفانت 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!