الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عندما يموت خامنئي
الدكتور حسام فاروق \ ليفانت نيوز

كشف تقرير لموقع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مؤخراً، عما وصفه بمعلومات تفيد بتدهور صحة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي (83 عاماً)، ونقل التقرير عن أربعة أشخاص وصفهم بال"مطلعين" على الوضع الصحي للمرشد، أكدوا أن الوضع خطير وأن المرشد طريح الفراش في حالة حرجة تحت المراقبة الطبية على مدار الساعة، ما استوجب إلغاء جميع الاجتماعات والمظاهر العامة، الأسبوع الماضي، ونقل عن أحد الأشخاص الأربعة أن خامنئي خضع قبل أيام من نشر التقرير لعملية جراحية، بسبب انسداد الأمعاء، بعد أن عانى من آلام شديدة في المعدة وارتفاع في درجة الحرارة.

هذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها أخبار عن تدهور صحة المرشد الذي يعاني أساساً من وضع صحي غير مستقر منذ سنوات، ففي أبريل نيسان 2017 تداولت أنباء عن تدهور حالته الصحية، بسبب تمكن مرض السرطان من جسده. وفي يناير 2018 تم نقل المرشد إلى غرفة العناية المرکزة بأحد مستشفيات طهران، ووقتها فرض عليه الأطباء راحة إجبارية بسبب تدهور صحته.

الشاهد أنه في كل مرة تخرج هذه الأنباء تكون متزامنة مع اضطرابات في الشارع الإيراني، فعلى سبيل المثال، مرض المرشد في 2017، بعد أيام قليلة من الانتفاضة التي اندلعت في عموم إيران يوم 28 ديسمبر 2017، ورفع المتظاهرون شعار الموت للديکتاتور، وهو نفس الشعار الذي يتردد هذه الأيام، وكان المرشد قبل مرضه قام بتکريم أفراد في ميليشيات الباسيج لقيامهم بقمع المنتفضين بمنتهى الوحشية، كما تزامن  مرض المرشد في 2018 مع أوضاع أسوء من العام الذي سبقها، أما الكلام المتداول حالياً عن حالة المرشد الخطيرة والتي صاحبها توقعات بأنه ربما يكون قد توفى بالفعل وأن الإعلان سيخرج لا محالة والمسألة مسألة وقت لحين ترتيب المشهد، فقد تزامن هذه المرة مع احتجاجات عارمة في شوارع طهران، بعد وفاة فتاة إثر تعرضها للتعذيب على يد شرطة الأخلاق الإيرانية؛ لارتدائها حجاباً اعتبر "غير لائق"، وفيها تُردد نفس الشعار "المو ت لخامنئي"، "الموت للديكتاتور"، ومشهد المظاهرات هذه المرة يشير إلى أن الناس لديها الاستعداد للاندفاع أکثر في الانتفاضة، التي ربما ما تزال في بدايتها وفصولها الساخنة لم تأت بعد.

الأعمار بيد الله، وموت خامنئي أمر وارد، بحسب تاريخه المرضي منذ عام 2014 بعد أن أجرى جراحة سرطان البروستاتا، وبدأ ظهوره يقل في المناسبات، حتى اختفى تماماً عن الظهور منذ 2015، ووقتها أشارت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، نقلاً عن مصادر استخباراتية غربية، أن إصابته بسرطان البروستاتا وصلت إلى المرحلة الرابعة والأخيرة.

في حين تتحدث الصحافتين الأمريكية والأوروبية عن المرض العضال للمرشد. ما تزال الأمور في إيران غامضة والإعلام الإيراني، لا سيما الرسمي، يتعمد إخفاء المعلومات، فعلى سبيل المثال ذكر موقع "سحام نيوز" المقرب من معسكر الإصلاحيين في إيران، مساء الاثنين (12 سبتمبر أيلول 2022)، أن صحة المرشد ما تزال غامضة، وصرح هاشم زاده هريسي، عضو مجلس الخبراء الإيراني، لصحيفة "همدلي" الإيرانية، (11 سبتمبر 2022)، أن "أعضاء مجلس الخبراء لم يلتقوا المرشد؛ لراحته وعدم تضييع وقته"، وهو ما أثار الشكوك، وفي الجانب غير الرسمي من الإعلام الإيراني خرجت تقارير من مواقع إخبارية تفيد بأن خامنئي على فراش الموت؛ بعد أن أجبرت حالة طوارئ طبية طائرته على التحول إلى محافظة سمنان القريبة من طهران.

مع الحالة الصحية التي يمر بها خامنئي تذهب الأنظار نحو كرسي المرشد الأعلى، ومن سيرثه، وتأثير موت المرشد -إن حدث- على الداخل الإيراني والمنطقة.

منذ عدة أشهر والحديث عن سيناريو ما بعد خامنئي يُسمع على استحياء في طهران وقم، وكان هناك صراع متفاقم على مقعد المرشد؛ بين خمسة أسماء ترددت في وسائل الإعلام، تحولت إلى أربعة بعد وفاة أبرزهم هاشمي رفسنجاني في يناير 2015، الأربعة هم: هاشمي شاهرودي، ومجتبى خامنئي (نجل المرشد الأعلى الحالي)، وصباح يزدي، وصادق لاريجاني، وانضم إلى القائمة منذ وقت قصير، الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.

فيما يخص الجانب المتعلق بأثر وفاة المرشد -إن حدثت- على الداخل الإيراني، هناك رأي يقول إن النظام ما بعد خامنئي سيواجه عزلة داخلية شديدة من جراء رفض قطاع عريض من الإيرانيين للنظام السياسي، ما من شأنه أن يکون بداية لهزة سياسية عنيفة في النظام، خصوصاً وأن منظمة مجاهدي خلق، العدو اللدود لهذا النظام، قد كثفت تواجدها في المشهد، وقد تأخذ بزمام الأمور حال موت خامنئي وحدوث فراغ سياسي کبير، خاصة أن المنظمة تنظر لأغلب المرشحين لخلافة المرشد على أنهم لا يصلحون.

مؤسسة الحرس الثوري بوصفها أقوى مؤسسة في الداخل الإيراني لامتلاكها السلاح، لن تكون بمعزل عن عملية اختيار المرشد الجديد، وقد تمارس نوعاً من الوصاية على من تختاره، ويكون لها دور رئيس في توجيه قراراته، وهذا سيضعف -بلا شك- من سيأتي بعد خامنئي، وقد يترتب على ذلك أن تتجه إيران إلى حكم عسكري، أو ميليشاوي، وستكون هذه بداية النهاية.

في المقابل، هناك رأي آخر يرى أنه رغم رفض أغلب الإيرانيين للأوضاع الحالية وتطلعهم لنظام جديد يخلف نظام الولي الفقيه، إلا أن طبيعة النظام السياسي الحاكم في إيران ستتفوق على الاضطرابات عقب وفاة المرشد، والتاريخ يشهد على ذلك، ففي العام 1989 عندما مات الخميني، المرشد الأول، وهو الذي خرج من حربه مع العراق باقتصاد مريض وجيش شبه منهار، لم تحدث اضطرابات كبيرة، كما أن الطبقة الحاكمة التي تقبض بيد من حديد تدرك خطورة الظرف وستسعى لتنصيب خليفة خامنئي بهدوء.

بالنسبة لتأثير وفاة المرشد إن حدثت على المنطقة، فإيران تمارس منذ سنوات ألعاباً كثيرة داخل إقليمها؛ لا يمكن تجاوزها وتشكل تهديداً حقيقياً لأمن المنطقة، ومما لا شك فيه فلو تسللت الفوضى إلى الداخل الإيراني ستنشغل بحالها وربما تعيد حساباتها في معاركها الخارجية، فمنذ سنوات تطلق إيران أذرعها في عدد من العواصم العربية لخلق فوضى وإحداث قلاقل، ماذا تتوقعون لو ضرتها الفوضى؟ إيران تدعم الحوثيين في اليمن بما يهدد السعودية والإمارات عبر الطيران المسير والصواريخ الباليستية، كما تواصل إيران تغلغلها في غرب سوريا، وتوسع مناطق نفوذها في شرق الفرات، مستفيدة من الفوضى الحادثة، وتطور صواريخ حزب الله من عادية إلى صواريخ دقيقة، وهو هدف جاهر به نصر الله علناً، وإيران مصممة على اختبار قدراتها الصاروخية، التي تمتلك ترسانة كبيرة منها، على الأراضي السورية وأحياناً في العراق، كما حدث عندما قصفت أربيل. إن سياسات إيران الخارجية في البلدان العربية التي استهدفتها، تنبثق من صناعة الفوضى، وكانت الرابح الأكبر وسط انعدام الاستقرار الذي تتخبط فيه المنطقة منذ أكثر من عقد.

إن فلسفة النظام السياسي الذي جاء بعد ثورة 1979، في إيران تقوم على أن منصب المرشد الأعلى يتجاوز في صلاحياته منصب الرئيس أو الملك ويستمد شرعيته من كونه منصباً دينياً يرتبط بالإمام الغائب لدى الشيعة الإمامية، وبحسب الدستور الإيراني، يمتلك المرشد صلاحيات كبيرة تمكّنه من الفصل في كل شؤون الدولة، والإشراف على عمل سلطاتها، ومن ثم فموت المرشد حدث مفصلي، لكن ماذا سيحدث حينها.. فهذا يتوقف على من سيخلفه؟ وهل سيسيطر على مقاليد الحكم وجنرالات الحرس الثوري أم سيخفق إخفاقاً يتبعه انهيار الدولة وفي هذه الحالة ستتغير المعادلة بشكل كامل ليس في إيران فقط ولكن في المنطقة بالكامل؟

 

ليفانت - حسام فاروق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!