الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
عفرين ونهاية السقوط الإخواني
إبراهيم إبراهيم

إنّ المعطى الديمقراطي بتأصيلاته الفقهية الذي راكمته التجارب السياسية منذ المدينة الفاضلة لأفلاطون وإلى غاية عصر الأنوار، ساهم في بلورة البناء الديمقراطي المفاهيمي الذي يتم تداوله اليوم على مستوى التدافع السياسي بين الأحزاب السياسية التي تهدف إلى الوصول للسلطة عبر الانضباط للطرح الديمقراطي في شموليته وروح مضامين "عبد الحق الصنايبي – المركز العربي الديمقراطي".

إن المتابع لمسيرة الإخوان منذ التأسيس "1928"، وحتى الآن، يرى ودون أية تأثيرات انتمائية وبكل وضوح أن هذه الجماعة ونهجها وفكرها لم تؤمن يوماً للوصول إلى السلطة بالمعطى الديمقراطي كأساس في عملها ومشاريعها السياسية. لقد أوضحت هذه الجماعة عن ماهيتها في الأحداث السورية وكشفت عن تصوراتها السياسية في الدولة والوطن والقيم الديمقراطية والإنسانية بدءاً من جسر الشغور (يونيو 2011) واستغلالها للمجازر التي ارتكبت بحق مواطنيها، وانتهاءً بعفرين السورية المحتلة، حيث الخارطة السلوكية والأخلاقية لهذا التنظيم باتت الأكثر وضوحاً.

لم تكن مشاهد الرعب والإرهاب التي كانت تعرضها قنوات وصفحات السوشيال ميديا المقربة من الدولة التركية ومجموعاتها الإسلامية السورية خاصة، والعالمية عامة، قبل وأثناء عملية الاحتلال، والتي كانت تحمل مفردات الرعب والتهديد وحمل أدوات القتل من الرصاصات والسيوف والسكاكين على غرار ما كان ينشره تنظيم الدولة "داعش" إلا لخلق أجواء من الرعب والخوف لدى أبناء المنطقة من الكرد تمهيداً لحرب إبادة وبأساليب مختلفة بعدما باتت ثقافة إبادة الكرد شرعاً وسنة من سننهم.. وهذا ما حصل فعلاً، حيث مارست المجموعات المسلحة الترك-سورية الإخوانية التي تسيطرعلى عفرين أساليب تصفها منطمات حقوقية ومدنية محلية وإقليمية بـ "المجموعات الإرهابية"، حيث بثت تلك المنظمات مشاهد فيديو وصوراً لعناصر من تلك المجموعات الإرهابية وهم يمارسون "القتل والاغتصاب والاختطاف والاستيلاء على أملاكهم وسرق وحرق المحاصيل الزراعية وقطع الأشجار المثمرة، بالإضافة إلى تدمير الأماكن التاريخية والأوابد الأثرية وسرقة مقتنياتها التاريخية". وهي جرائم تصنف حسب المادة 2 و3 من اتفاقية "الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1948"، بالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية.

ما تشهده وشهدته عفرين منذ اللحظات الأولى للغزو التركي الإسلاموي من ممارسات تؤكد أن استهدافها كان ضد المكون الكردي في تلك المنطقة المجاورة للبقعة الكردية المقابلة لها في القسم التركي بقصد القضاء على أي حراك أو توجه كردي أكثر اتساعاً في مشروعهم وهو ما لم يكن موجوداً أصلاً في برنامج العمل الكردي في الوطن السوري. وقد سانده في حربه ضد الوجود الكردي عدة توجهات سياسية في المنطقة والعالم بدءاً مما يسمى بتنظيم الإخوان المسلمين العالمي والمرتبط بتنظيمي القاعدة وداعش ومجموعات من القومجيين العرب، من بعثيين وناصريين سوريين وعرب، حيث التقت معاداتهم للكرد معاً بالترك العنصريين، بالإضافة إلى بقايا الشيوعية المترهلة.

لقد عملت تركيا ومجموعاتها في المنحى الأول على تخويف الكرد، الأصحاب الحقيقيين لعفرين، عبر إرهابهم والضغط عليهم للهجرة والتلاعب بالتركيبة الديمغرافيّة للمنطقة الكردية، واستقدام المستوطنين وإقامة مجمعات الاستيطان، وجلب أسر وعائلات عناصر المجموعات المسلحة بالمقابل، على أن تقوم الدولة التركية بالتعاون مع منطمات إخوانية خليجية، وخاصة كويتية، ومجموعات إسلامية فلسطينية، بتأمين العناصر والمواد اللازمة وبناء العشرات من المستوطنات في منطقة عفرين المحتلة، وتشجيع استيطان مسلحي الفصائل وعوائلهم من المكونين العربي والتركماني، وبذلك تم استهداف خصوصية عفرين الثقافية.

فقد ذكر تقرير إقصائي لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي تم نشره بتاريخ 20/1/2022، أن خروج أكثرمن /250/ ألف نسمة من السكان الأصليين من عفرين ومنع عودة /200/ ألفاً آخرين من مناطق النزوح والداخل السوري، هو تهجير قسري، جاء نتيجة قيام الدولة التركية والفصائل الإسلامية الراديكالية والمرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين الذي استحوذ على الثورة السورية منذ أكثرمن 5 سنوات وأفرغها من القيم والمبادئ الديمقراطية والوطنية التي انطلقت من أجلها، بالأعمال العدائية أثناء الحرب بسبب إغلاق سلطات الاحتلال معابر عفرين ومنع النازحين من العودة، ما أدى إلى فرار عشرات الآلاف منهم إلى المناطق السورية التي تقع تحت سيطرة النظام والإدارة الذاتية.

وحيال هذا المأساة لمواطنين كرد سوريين هُجروا قسراً، قام التنظيم العالمي بقيادة كل من تركيا وقطر ومجموعات كويتية وفلسطينية من مناطق الداخل وغزة والضفة الغربية إلى دفع عوائل المستقدمين من غوطة دمشق وأرياف حمص وحماة وإدلب وحلب وغيرها للهجرة إلى عفرين وتوطينهم هناك. وتقول مصادر حقوقية كردية وسورية وأوربية في تقارير نشرتها بأوقات سابقة، إن تنظيم الإخوان قام بتوطين ما يقارب /500/ ألف نسمة من عوائل المسلحين المرتبطين بتركيا والمنتمين أيديولوجياً بتنظيمات إسلامية راديكالية في عفرين ونواحيها، وإسكانهم في منازل ومحلات وممتلكات السكان الأصليين وتقوم منظمات إغاثيّة إخوانية من مختلف البلاد العربية والأوربية بتقديم منحة ماليّة تبلغ 150 دولاراً أمريكيّاً، ستوزع على 400 عائلة بهدف دعمها وتثبيت استيطانها، وبُنيت قرى لما يشكل تغييراً فعلياً للتركيبة السكانية في المنطقة، حيث تدنت نسبة الوجود الكردي إلى أقل من /25%/ من المقيمين في المنطقة حالياً، بينما كانت نسبتهم قبل الغزو أكثر من /95%/.

وورد في تقرير نشره موقع بلادي المعارض في 29/7/2018، أنّ متزعمي الفصائل التركمانيّة طلبوا منهم التوجّه إلى قرى عفرين، وقطعوا وعوداً على لسان شخصيات في المجلس الأعلى للتركمان بالتوطين في قرى الكُرد المُهجرين. وقد نشط التركمان في عفرين وافتتحوا مقراً لما يسمى “المجلس الأعلى لتركمان سوريا” في مدينة عفرين، إضافة لعملِ منظمات تحت مسمّى “الإغاثة”، لتشجيعِ التركمان ومساعدتهم على الاستيطان في المنطقة الكُرديّة.

وكانت اتهمت وزارة الدفاع الروسيّة، للمرة الأولى، على لسان رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، اللواء بحري أوليغ جورافلوف، سلطات الاحتلال التركي بأنها تقوم بتوطّين التركمان في مناطق طردت منها الأكراد، ما أدى إلى تغيير جذري في التركيبة الديمغرافية في تلك المناطق.

لقد أسس تنظيم الإخوان المسلمين في عفرين المساحة التي يمكن أن تزرع فيها ثقافة الإلغاء والإلحاد والتكفير، وهذا ما كنا نراه ونسمعه من عناصر المجموعات الإسلامية، سواء تركية أو سورية أو شيشانية أو تركمانية، وهي جميعها تنتمي إلى التيار الإسلامي الرديكالي المرتبط بالإخوان من تكفير الكُـرد واتهامهم بالانفصال والإرهاب، وأكثر من ذلك، لقد أسس شيوخ الإخوان منهجاً شرعياً لمقاتلة الكرد وإطلاق الفتاوى لنهب ممتلكاتهم والإضرار بهم، وتفضيل المستقدمين عليهم، بل ودفعهم للاعتداء على الكُـرد وممتلكاتهم. عدا محاربة الثقافة واللغة الكردية وتغيير معالم وأسماء قرى وبلدات وساحات عامة والسعي لتفكيك النسيج الاجتماعي، ومنع الكُـرد من ممارسة طقوسهم القومية والثقافية، والاعتداء على رموزهم الثقافية والدينية، وكل ذلك يخالف اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية التي تم اعتمادها بالإجماع من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 9 ديسمبر 1948، وقرار الجمعية العامة 260 والتي دخلت حيز التنفيذ في 12 يناير 1951.

ليفانت – إبراهيم إبراهيم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!