الوضع المظلم
الثلاثاء ٢١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
عباس النوري في دور الرفيق فوزان
كمال اللبواني

بعد انتقاده للنظام وللأحوال التي يعيشها المواطن السوري في العام الماضي، تعرّض الفنان عباس النوري لضغوط أمنية أجبرته على الاعتذار عن تصريحاته الناقدة للنظام لمحطة سوريّة، قدم اعتذاره في ذات المحطة بطريقة مذلة ومهينة، توحي بمقدار القهر والكبت الذي يتعرض له المواطن تحت القبضة الأمنية الصارمة المسؤولة بذات الوقت عن معاناة الشعب المنسجم الموالي الذي يفترض أنه انتصر في حربه على الثورة.

فكان أن اختار على غير عادته أن يلعب دوراً ثانوياً وليس بطولياً، في مسلسل مسيس هو (مع وقف التنفيذ)، ليمثل دور الرفيق فوزان البعثي ويقدمه بإتقان فني يرسم من خلاله صورة البعثي الحقيقية التي عايشناها سابقاً، وقدم أشد انتقاد فني لشخصية الحزبي الموالي الفاقد للشرف والأمانة والكرامة، الأناني الانتهازي، الذي يطعن أقرب الناس إليه ويصعد على جراحهم غير آبه بما يسببه لهم من ألم طالما أنه موالٍ ومدعوم من الحزب والسلطة والأمن، الذي يشاركه المنافع.

استغلّ عباس ذلك الهامش الصغير من الحرية الذي أتاحته الرقابة، لتمرير إخفائها للجريمة الكبرى التي تعرضت لها سوريا، لكن عباس استطاع من خلال هذا الهامش أن يوجه صفعة مؤلمة للنظام وكامل تركيبته، عبر تجسيده لشخصية فوزان البعثي المنافق الأناني، الذي يغطي على كل قذارته بصفحة فيس عنوانها دام عزك يا وطن، وليقدم صورة عن الطريقة التي يتعامل بها الأمن والسلطة مع أعضاء الحزب والبعث، الذي صار ممسحة أحذية لها، بالرغم من اعتباره الحزب القائد للمجتمع.

المسلسل يقارن بين الشخصيات قبل الثورة وبعد هزيمة الثورة، ويسميها الخروج بدلاً من تسميتها الحرب على الشعب الثائر المطالب بالحرية والكرامة، وتطور سلوك تلك الشخصيات التي استمرت وبشكل أسوأ مما سبق، وهو يصر على إظهار صورة القائد بشار في كادر كل لقطة للص وحرامٍ مسؤول يرتكب الجرائم، وهي أيضاً محاولة من المخرج للنقد لكن بصورة ملتبسة، فصور القائد تزرع في كل مكان، ولكنها لا تظهر في المسلسل إلا عندما يكون هناك لقطة لصوصية لمجرم مسؤول في الدولة.

يثبت المسلسل والممثلون أنّ هامش الحرية الذي انتزعه الشعب بالرغم من القمع قد توسع، وأن أصوات الانتقاد للسلطة في الدخل تتزايد وتعلو بسبب ضيق الحياة وشدة المعاناة، فالشعب الموالي الذي قاتل الثورة وكان أداة النظام في قمعها صار اليوم يدرك أن ما فعله كان بمثابة كارثة سيدفع ثمنها أيضاً، فالنظام الفاسد مستمر بخسارة قطاعات أوسع من الشعب رغم استغلاله لعيوب الثورة وقدرته على تشويه صورتها، والتي ساهمت هي ذاتها في تدمير نفسها عبر اعتمادها شخوصاً تافهة وانتهازية وكيلة للدول، وأيديولوجيات متطرفة ومتعصبة، فمن ركب الثورة قد خدم النظام، ومن ضلله النظام بدأ يصحو، ليكتشف الشعب مرة أخرى وحدته ومصالحه في الخروج من نظام الفساد والاستبداد والجريمة لدولة القانون والحريات، متجاوزاً كامل الأشكال التمثيلية التي تدّعي تمثيله في النظام أو المعارضة.

 

ليفانت - كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!