الوضع المظلم
السبت ٠٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
ظاهرة النباشات والنباشين
ظاهرة النباشات

قدّم العمل الدرامي "على صفيح ساخن"، من تأليف الكاتب "علي وجيه"، والفنان "يامن الحجلي"، وإخراج سيف الدين سبيعي، نموذجاً نسائياً يعمل في صفوف "النبيشة"، وهي الممثلة جنى العبود "تمارا" ابنة سلوم حداد "الطاعون".

وهذه الحالة الأولى التي تقدمها الدراما السورية لنموذج نسوي تعلمت منذ الصغر العمل مع والدها في محيط المنزل الذي تعيش فيه وهو محاط بأكوام الأدوات المستخدمة التي تباع، بينما يقدّم الواقع السوري الحالي في مرحلة ما بعد الحرب (عبر مرحلة ما يطلق عليها علمياً وسياسياً التعافي من الحرب)، العشرات من النساء السوريات في شوارع العاصمة "النباشات"، حيث تجرّ بعضهن عربات تحمل وعلى جانبيها كيسين كبار لتصنيف المواد المهملة "بلاستيك، ألمنيوم، تنك، ونحاس إذ وجد"، وكيس "خبز يابس"، بالإضافة إلى "الكرتون والأوراق"، وبعضهن ليس لديهن عربة جر نجدهن يحملن على أكتافهن الأكياس ويسرن بها.

ظاهرة النباشين في المجتمع السوري ليست جديدة، لكن كان يعمل بها الرجال، والأولاد اليافعين فقط، وغالباً ما يكون مع الفتى أو الرجل دراجة عادية عليها أربعة أكياس أو كيسين كتصنيفات للمواد المستعملة والمستهلكة أكثر مما هو لدى النساء، ويتفرّد الفتيان والرجال أنهم يستطيعون نبش حاويات القمامة الكبيرة حيث ينزلون إلى وسط الحاوية ويقومون بنكشها للوصول إلى قاعها الحديدي، ومنهم من يختارون المواد التي يبيعونها في محال المستعمل المنتشرة في الأسواق المعروفة في أطراف المدينة، وفي أطراف حي الدويلعة، ومخيم جرمانا، وحي الدخانية في أول طريق المليحة.

وتلحظ هذه الظاهرة أيضاً مع عمال النظافة في المدن السورية، سواء في السيارات الكبيرة أو الصغيرة أو الطنابر التي كانت تستخدمها قطاعات النظافة في مدينة دمشق قبل وبعد دخول السيارات الكبيرة والصغيرة المخصصة لقطاعات النظافة في المدن السورية. لكن نجدها بصورة واضحة لا لبس فيها لدى عمال نظافة الحارات والأحياء الذين يجمعون القمامة من الحارات والأحياء الشعبية.

وهناك عمال النظافة في الأسواق والأحياء الشعبية في النهار يقومون بهذا العمل في أوقات دوامهم، بينما نجد النباشين الرجال والفتيان هم من يقومون بتفريغ الحاويات الكبيرة والصغيرة في الزوايا ومدخل الحارات والساحات الفارغة التي تتواجد بها الحاويات، أما حاويات الأسواق، فغالباً ما يتكفل بها عمال النظافة الموظفون لدى الحكومة التي توزّع عمالها على قطاعات مناطق وأحياء في ثلاث فترات (صباحية، ما بعد العصر حتى التاسعة مساء، ومن العاشرة ليلاً حتى السادسة صباحاً).

إنّ الظاهرة الجديدة في المجتمع السوري نتيجة وجود عطالة كبيرة في سوق العمل السوري والدمشقي تحديداً، إذ إن هذه الفئات المجتمعية عددها كثير وكبير في المجتمع السوري، وهي لا تملك مهنة خاصة بها، بل إن أعداد هذه الفئات تزداد بشكل كبير، وغير متوقع نتيجة انحدار فئات مجتمعية نحو ما دون خط الفقر السوري الذي أصبح حسب منظمة الغذاء العالمي أعلى من (90 المئة).
 


 

إن العديد من النباشات تجدن هذه المهنة بشكل كبير، حيث نلاحظ في الصور كيفية تصنيف الأكياس، والجمع ما بين الأكياس الصالحة كنايلون قابل لإعادة التدوير، وحتى صفائح التنك القابلة لذلك، وما بين كيس الخبز، والبلاستيك الصامد الذي يباع بالكيلو.

إنّ عملية إخفاء الوجه التي تقوم بها النباشات بحيث لا يظهر منها لأي مراقب أو متابع إلا العينان فقط، فالطاقية تخفي جبهة الوجه، والسلك يغطي الرأس كاملاً، والوجه تماماً من "الأنف إلى الفم والذقن"، أما إخفاء بقية أعضاء الجسد يعتمد على مزيد من الملابس الخارجية التي تظهر الجاكيت أو"الكبوت" الطويل، والخراطة الطويلة، بالإضافة إلى البنطال الخارجي الذي يظهر من خلف الخراطة.

وإلى جانب النباشات، يظهر الأطفال في العديد من الشوارع الدمشقية ما بين الشوارع الرئيسة في باب توما إلى شوارع الأحياء الشعبية في الدويلعة وغيرها من المناطق الشعبية. فنادراً ما تقف هذه العربات التي يجرها الفتيان في الشوارع، إذ تظهر وتختفي بسرعة كبيرة لدرجة نادراً ما يتمكّن الإنسان بتصويرها، وهي تركض عابرة الشوارع الرئيسة.

هذه العربات مع الفتيان تتحوّل إلى حاوية كبيرة متنقلة قبل أن تصل إلى مكان التصنيف والفرز، ويظهر منها أكياس النايلون الكبيرة الأقرب إلى القماش بالشكل، لكن في الواقع هي مجرد حاوية، يعتليها الكرتون والورق ومزيد من الأكياس.

 

أخيراً.. كانت الدراما السورية قد رصدت هذه الحالة سابقاً في إحدى لوحات بقعة ضوء يظهر فيها (الفنان باسم ياخور، الفنان الراحل نضال سيجري، والفنان أيمن رضا) وهم ينبشون وينكشون حاوية (القمامة - الزبالة)، ويعرضون ما فيها من محتويات بشكل بصري دون التعليق على المحتويات في عمل (روتين لحظي)، لكن يبدو الإقناع الدرامي في أفضل حالاته.

وفي نهاية العام الفائت 2021، وبداية العام الجاري 2022، من يستطيع إيقاف التدهور الحاصل في حياة السوريين كي لا يتحوّل عدد كبير منهم إلى نباشات ونباشين في بلدهم؟.
 

بسام سفر   

ليفانت - بسام سفر   

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!