الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
طالبان تدنو من قلب موسكو.. ونيل الاعتراف منها
طالبان وروسيا - ليفانت نيوز

لم يرقَ الاتفاق الأمريكي مع طالبان للانسحاب النهائي من تلك البلاد، في الثلاثين من أغسطس، راحة أو استساغة من أطراف روسية رسمية، إذ حمل الاتفاق من الغموض الكثير مما يكتنفه، والذي تخوفت موسكو من أن يضم ما يضرها، وإن بشكل سري، بين واشنطن وطالبان، وهو ما دفعها بداية مع عودة طالبان للاستيلاء على كابول، إلى اتخاذ موقف متذبذب، لم تعلن رفض ذلك صراحة، أو مباركته علناً، بل اختارت التعاطي مع الأمر الواقع كما هو، ومجاراته إلى النهاية.


طالبان وباقي الجماعات الإرهابية


أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في الثاني من يوليو الماضي، أن "داعش" يعمل على تركيز قواته في أفغانستان، وقال: "من المهم أيضاً الانتباه إلى أفغانستان، حيث يقوم أعضاء تنظيم "داعش" بتركيز قواتهم بنشاط، وهم يفعلون ذلك باستخدام عملية التحضير لمفاوضات السلام التي طال أمدها، وهؤلاء في أفغانستان، وفي هيئاتها الحاكمة، من يحاولون إطالة أمد هذه العملية، عليهم أن يفكروا في عواقب ما يفعلونه على بلادهم".


اقرأ أيضاً: بغصّة أوكرانية وقلق أمريكي.. الغاز سيعبر من موسكو لبرلين

ورغم ذلك، استبعد دميتري بيسكوف، المتحدّث باسم الرئيس الروسي، في الخامس من يوليو، إدخال قوات روسية إلى أفغانستان، وقيّم بيسكوف الوضع في أفغانستان بقوله: "بشكل عام، نحن تحدثنا مراراً وكررنا، أن الوضع في هذا البلد، بعد انسحاب الأمريكيين وحلفائهم من أفغانستان، يعد بالطبع مصدر قلقنا الشديد، نحن نراقب باهتمام بالغ ونرصد للأسف حدوث زعزعة للاستقرار"، في حين صرّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في السابع من يوليو، بالقول إنّ بلاده ستفعل كل شيء لحماية الحلفاء من التهديد القادم من أفغانستان، بما في ذلك استخدام القاعدة العسكرية في طاجيكستان.


مقاتلين من طالبان/ أرشيفية

طالبان تسعى لكسب ودّ موسكو


وبالتوازي مع ذلك الخطاب الروسي المتوجس، حاولت الحركة كسب ودّ موسكو، خاصة وأن الأخيرة لم تتوانَ عن استخدام التهديدات ضد الحركة، فتعهد وفد من المكتب السياسي لـ"طالبان" الأفغانية، وصل إلى العاصمة الروسية موسكو، في الثامن من يوليو، بأن الحركة لن تهاجم حدود طاجيكستان.


اقرأ أيضاً: مجزرة قونية.. نتاج الكراهية وسياسات السلطة التركية

وأكد المتحدّث باسم مكتب "طالبان" السياسي، محمد سهيل شاهين، أنّ هدف زيارة الوفد المؤلف من أربعة أعضاء يكمن في مناقشة التطورات في شمال أفغانستان، مشدداً أنّ حركته لن تسمح باستخدام أراضي أفغانستان كمنطلق لمهاجمة روسيا والدول المجاورة، وقال: "بطبيعة الحال، لن نهاجم الحدود بين أفغانستان وطاجيكستان، ونؤكد للجانب الروسي أن سياستنا لا تكمن في المهاجمة".


وبالصدد، قال المتحدّث باسم المكتب السياسي لحركة "طالبان"، سهيل شاهين، في الثاني عشر من يوليو، إن "طالبان" تناقش مع الجانب الروسي قضية رفع العقوبات عن الحركة، وأضاف من الدوحة: "طلبنا منهم (السلطات الروسية) رفع الحركة من قائمة عقوبات (مجلس الأمن)".


تحضيرات عسكرية في روسيا


ولأن موسكو كانت غير مطمئنة، أعلنت المنطقة العسكرية المركزية للجيش الروسي، في الثامن والعشرين من يوليو، عن الانتهاء من إعادة تجميع الوحدات الروسية في طاجيكستان، في ميدان التدريب الواقع بالقرب من الحدود مع أفغانستان، وقالت المنطقة العسكرية المركزية في بيان، إن "الوحدات الروسية في القاعدة العسكرية 201 في طاجيكستان أكملت إعادة تجميع القوات في ساحة تدريب حرب ميدون لإجراء تدريبات مشتركة تشارك فيها أوزبكستان وطاجيكستان"، في رسالة واضحة إلى طالبان لتحذيرها من أي خطوات قد تزعج موسكو، أو حلفاؤها.


اقرأ أيضاً: إيفين.. فاضحاً المستور ومعرّياً قمع طهران

كما كشفت وزارة الدفاع الروسية، في الخامس من أغسطس الماضي، أنها سترسل أربع قاذفات بعيدة المدى فوق الصوتية من طراز "تو-22 إم 3" إلى حدود أفغانستان، ضن إطار تدريبات مشتركة أجرتها مع أوزبكستان، وأوضحت وقتها، في بيان أن تلك القاذفات نقلت إلى مطار في مقاطعة ساراتوف تمهيداً لمشاركتها في التدريبات في معسكر ترمذ في أقصى جنود أوزبكستان.


في حين أكد وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في العاشر من أغسطس، على أهمية أن يكون حلفاء وشركاء روسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، على استعداد للتصدي لأي تسلل محتمل للإرهابيين من أراضي أفغانستان، وأضاف أنّ "المخاطر التي كانت أفغانستان مصدرها، في وقت سابق، وهي تهريب المخدرات وتسلل الإرهابيين إلى بلادنا عبر طاجيكستان وقرغيزيا وأوزبكستان، لم تتقلص"، لافتاً إلى أنه "من المهم للغاية بالنسبة إلينا أن يكون زملاؤنا وحلفاؤنا وشركاؤنا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي مستعدين لذلك، ونحن نعمل كل بوسعنا في هذا الصدد".


إشارات إيجابية من موسكو لطالبان


لكن تعهدات طالبان لموسكو، دفعت الأخيرة لإرسال إشارة إيجابية للحركة، إذ أكد مسؤول رفيع في الخارجية الروسية، في الخامس عشر من أغسطس، (يوم سقوط كابول)، أن موسكو لن تخلي سفارتها، وقال ضمير كابولوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون أفغانستان، إن "طالبان" ضمنت الأمن ليس للسفارة الروسية فقط، بل وللبعثات الدبلوماسية للدول الأخرى أيضاً، وقال: "لقد تلقينا مثل هذه الضمانات منذ فترة طويلة، والأمر لا يتعلق بروسيا فقط، وتشمل الضمانات سلامة الجميع".


اقرأ أيضاً: نصف قرن.. بين النساء في شرق سوريا وغربها

بينما قال السفير الروسي في أفغانستان، دميتري جيرنوف، في السابع عشر من أغسطس، أي عقب يومين من سقوط العاصمة كابول بيد طالبان، إنه عقد اجتماعاً مع ممثلين عن حركة طالبان، ووصف اللقاء بالإيجابي والبناء، وأشار السفير إلى أن ممثلي الحركة أكدوا له على أن نهجها تجاه روسيا، جيد جداً وفي غاية الودية.


اشتراطات روسية لطالبان


بينما بيّن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في العشرين من أغسطس، شروط موسكو للاعتراف بحركة "طالبان" كسلطة شرعية في أفغانستان، وقال لافروف "ثمة حقائق على الأرض يعترف بها الجميع، إنه أمر واقع، وكل الأمور الأخرى تتوقف على إذا ما كانت "طالبان" ستتصرف وفقاً لتصريحاتها وتعهداتها ووعودها".


في حين أوضح نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف، في الثالث والعشرين من أغسطس، بأن روسيا لن تتعجل في رفع حركة "طالبان"، من قائمة الإرهاب، ولن تعترف بالسلطات الأفغانية الجديدة، إلا بعدما ترى خطواتها العملية، وأضاف: "لا نعتزم الاستعجال في رفع حركة طالبان، المحظورة في روسيا، من قائمة الإرهاب، وكذلك الاعتراف بالسلطات الأفغانية الجديدة".


اقرأ أيضاً: بين محاولات خائبة وأخرى ناجحة.. أفريقيا قارة للانقلابات العسكرية

أما الرئاسة الروسية، فقد أعلنت في السابع من سبتمبر، ضمن أول تعليق من موسكو على إعلان حركة "طالبان" عن تشكيل الحكومة الجديدة في أفغانستان، أن روسيا ستتابع خطواتها الأولى في دراسة مسألة الاعتراف بها، وقال المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، "من المهم بالنسبة إلينا أن نفهم ما هي الخطوات الأولى واللاحقة لهذه الحكومة وماذا سيحصل في أفغانستان بعد ذلك".


وعليه، يبدو للمتابع بأنّ طالبان اقتربت رويداً رويداً من قلب موسكو، وبدأت تحظى بقبولها النسبي، وهو ما قد يؤدي إلى الاعتراف بها في وقت ليس ببعيد، عقب أن تمت تنحية لغة التهديد الروسية بحق الحركة، والتوجّه نحو استخدام لغة دبلوماسية لينة معها.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!