الوضع المظلم
الثلاثاء ٢١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
صعود تركيا المفاجئ وخطره على سوريا والكرد
شيروان إبراهيم

مؤخراً بدأت تركيا بمحاولات استعادة عافية علاقاتها الدولية بوتيرة متسارعة بعد سنوات من خصوماتها، شرقاً وغرباً، وأصبحت تتصدّر المشهد في ملفات عدة، لا سيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وبات واضحاً للمراقبين بأن دوائر القرار التركية قد اضطرت إلى مراجعة حساباتها، للبدء بإصلاح ما تم هدمه.

فأول مرحلة لتغيّرات سياساتها مع الدول، بدأت حينما صرّح مسؤولون أتراك عزمهم لإعادة العلاقات مع مصر، ونتج عن ذلك شبه تجميد لنشاط جماعة الإخوان المسلمين المصرية في تركيا، ووقف العديد من منابرهم الإعلامية، ثم طرأت التغييرات في تعاملها وطريقة تدخلها ضمن ملفات دول عربية عديدة.

في مارس الفائت، دخلت تركيا مرحلة جديدة في علاقاتها، حيث استقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نظيره الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، لأول مرة بعد 14 سنة من الخصام السياسي والدبلوماسي، كما زار أردوغان الإمارات لأول مرة بعد 9 سنوات من شبه القطيعة، واستقبل أردوغان المستشار الألماني، أولاف شولتس، لمناقشة ملفات تخصّ تصدير الغاز إلى أوروبا، كل هذا بالإضافة إلى القرار التركي بتحويل ملف قضية اغتيال جمال خاشقجي لداخل السعودية نفسها.

إضافة إلى ما سبق، فقد جاءت الحرب الروسية الأوكرانية على طبق من ذهب لتركيا، ولم لا، فهي بذات الوقت القوة الثانية في حلف الناتو، ولها اتفاقيات كبيرة مع روسيا، كصفقة صواريخ إس 400، وفي المقابل فإن أوكرانيا التي أنهكت الجيش الروسي بالطائرات المسيرة، تقوم بالاعتماد على مسيرات (بيرقدار) التركية الصنع، لذا فإن تعددية علاقات تركيا مع أطراف الصراع توجهت كي تكون وسيطة لعقد مفاوضات مباشرة بين الرئيسين الروسي والأوكراني لأول مرة بعد الحرب، وعلاوة على ذلك، فإن حاجة أوروبا لغاز دول الشرق الأوسط لتخفيف الحاجة للغاز الروسي، باتت مقرونة بتركيا التي ستلعب دور وساطة مرور الغاز عبر أراضيها إلى أوروبا.

الآن، وبعد صعود دور تركيا، باتت الأنظار تراقب ردات فعلها القادمة تجاه الملف السوري، بشكل عام، والكردي، بشكل خاص، وهنا قد يعتقد البعض أن بروز دورها من شأنه أن يصبح عامل قوة للمعارضة السورية المدعومة منها أيضاً، لكن واقع الحال يقول العكس، لأن استعادة تركيا لعافية علاقاتها ودورها الدولي مرهونٌ بإيقاف تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى إلى الحد الأدنى، لذا فإن تقارب تركيا مع نظام الأسد أو تخفيف الخصام معه إلى أدنى المستويات، وعلى حساب المعارضة السورية، هو الاحتمال الأقرب، فالغاز الذي سيُصَدّر من دول شرق أوسطية إلى أوروبا عبر تركيا، لا بد أن يكون للجغراقية السورية أيضاً دورٌ في ذلك، وهذا بحد ذاته يفرض على تركيا إجراء إعادة نظرٍ في علاقاتها مع نظام الأسد.

أما على الصعيد الكردي، فالتعامل التركي سيكون على منحيين مختلفين، مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة، ومع حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى، وبالرغم من أن تركيا تصنف الاثنين كتنظيم واحد، لكن في المنحى الأول لا توجد مؤشرات حالية على تصعيد خطرها العسكري ضد المناطق الخاضعة لسيطرة قسد، والسبب كما أسلفنا، لأن إعادة حسن العلاقات التركية مرتبط بإيقاف تدخلاتها في الدول، لذا فإن سيناريو عفرين ورأس العين ليس وارداً تكراره في مناطق أخرى بسوريا، باستثناء بعض المناوشات المسلحة هنا وهناك أو استهداف قيادات بالطائرات المسيرة.

لكن في المنحى الثاني، فإن احتمال قيام تركيا بعملية واسعة ضد معاقل العمال الكردستاني والتنظيمات المحسوبة عليه في شمالي العراق وإقليم كردستان بات وارداً وبقوة، ولن تضيع تركيا هذه الفرصة من يدها، فالدول التي ستعترض على أي عملية تركية ضد قسد في سوريا، هي ذاتها تصنف العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، بمعنى أن أي تحرك عسكري تركي ضد الحزب المذكور لن يلاقي اعتراضاً دولياً، كما سيحدث في سوريا.

خلاصة القول، تركيا تصبح دولة محورية أكثر من السابق، وهذا من شأنه أن يكون خطراً على المعارضة السورية وعلى حزب العمال الكردستاني، أما بخصوص المناطق الخاضعة لسيطرة قسد في سوريا، فلا جديد بخصوصها، بحسب المعطيات الحالية، على الأقل خلال هذه الأشهر.

 

ليفانت - شيروان إبراهيم

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!