الوضع المظلم
الإثنين ١٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
صدّام حسين والبعثيّة السنيّة للمعارضة السوريّة
صدّام حسين والبعثيّة السنيّة للمعارضة السوريّة

همبرفان كوسه - صحفي كردي


إبان الاحتلال الأمريكي للعراق، قدّم النظام السوريّ تسهيلات حدوديّة لتحرّكات متطرفين إسلاميين وقوميين عرب للدخول إلى العراق ومحاربة القوات الأمريكية، وقتذاك كان كثير من الشخصيات العسكريّة والسياسيّة الحاليّة في المعارضة متسلِّمة مناصب رفيعة في شؤون الدولة السوريّة السياسيّة والعسكريّة، وكانت تدعم هذه التحرّكات وجزءاً من أخذ القرار، على اعتبارات أنّ الحكم السوريّ كان ويزال مركزيّاً، يقرّ قراراته مجموعة أفراد وليس فرد، وهي نقطة التمايز بين البعث العراقي والسوري. كان الحال بالنسبة للدائرة المركزيّة الحاكمة في سوريا مرتبطة في أنّ أيّ فشل في منظومة عمل القوات الأمريكيّة في العراق، سيخفّض من إمكانيّة أن يكون ثمّة عراق آخر، كان العراق الآخر في منظور هذه الدائرة هي سوريا. أمّا الجانب الثاني خارج هذه الدائرة فكان بالقادة العسكريين والسياسيين، من الصفّ الثاني، والتي كانت وتزال تؤمن بأنّ صدّام حسين مثّل لهم، في وجهة نظرهم، الشخصيّة الّتي أعادت الاعتبار للقوميّة العربيّة والطائفة السنيّة في مواجهة إسرائيل ومواجهة إيران.




بصورةٍ ما، لخّصت المعارضة السياسيّة السوريّة والعسكريّة، برنامجها السياسيّ إذا ما صارت يوماً ما جزءاً من الحكم في سوريا. تمثّلت هذه الصورة في محاولة استنساخ نموذج القوميّة العنيفة لصدّام حسين أمام كل من يقف في وجه سلطتها، واستغلال الدين والقبليّة الطائفيّة في بناء كيان سياسيّ يرفض وجود كلّ من يخالفه رأيه. كان لا بدّ لهذه الصورة أن تكتمل في أن يحوّل المعارضون السوريون والجماعات الجهاديّة المسلّحة صدّام حسين إلى رمز يتمثّلون بأفكاره وقواعده في الحرب والسياسة.




وليست المشكلة في أنّ صدّام حسين قاتل نمطيّ، بنمطيّة بشار الأسد، وإنما في أنّ من يرفع صورته اليوم في عفرين والمدن الثانية ومن يمجّد مجازره وأفعاله، ذاته يقف ضدّ الأسد وصورته النمطيّة في الترهيب والقتل. كلّما طال عمر الثورة السوريّة، زادت الجماعات العسكريّة والسياسيّة في يقين الشعب السوريّ، بأنّ المشكلة ليست في القتل والترهيب، وإنما في من يقتل ويرتكب الإرهاب، من هو وديانته وطائفته وعرقه، وأحياناً منطقته ومحافظته، وعلى أساسه يتمّ تقييم فِعل الإرهاب.




والحال أنّ المعارضة العراقيّة الّتي ناهضت حزب البعث في العراق، صارت تدعم حزب البعث في سوريا، وفتحت مجالها الجويّ والبريّ للتحركات العسكريّة الإيرانيّة المساندة للنظام السوريّ. واليوم، تقدِّم جماعات سياسيّة وعسكريّة سوريّة نفسها على أنّها معارضة للنظام السوريّ- متمثلاً بحزب البعث-، فيما تزال تعيش على أمجاد حارس البوابة الشرقيّة وأسد السنّة، صدّام حسين، في الذائقة الجمعيّة السياسيّة لهذه الجماعة.




ويُظهر هذا التقلّب في سنوات الثورة السوريّة من موقف قادة المعارضة السوريّة العسكريّة والسياسيّة، أنّ ثمّة تصوّر مؤسّس لفكرة بعث قوميّ سنّي وبعث قوميّ شيعيّ، ذاك أنّ غالبية عناصر المعارضة السوريّة السياسيّة، كانوا أعضاء محوريين في حزب البعث السوريّ في مدنهم وبلداتهم، وبعد الثورة والانشقاق عن النظام، كان محور حديث هذه الفئات تركّز على طائفة النظام السوريّ، وعلى قمعه، دون أن تقترب من كيان حزب البعث في سوريا. وهذا الخطاب يكّمله الخطاب الإعلامي، إذ أنّ كُل المؤسسات الإعلاميّة الموالية للمعارضة السوريّة، تستخدم في نطاق عملها وسوم "جيش النظام السوريّ- الميليشيات الشيعيّة الطائفيّة- جيش الأسد- قوات الأسد"، ولم تقدّم مؤسسة إعلاميّة معارضة حتّى الآن وسم: قوات أو جيش البعث!




وبالعودة إلى التحولات الخطابيّة في نظام صدّام حسين، فإنّ نظامه السياسيّ العلماني صار أقرب إلى الأسلمة السنيّة إلى جانب الهويّة القوميّة له، في فترة حرب الخليج، حيث بدأت المؤسسات الإعلاميّة العراقيّة بإظهار صور لصدّام حسين في الأماكن الدينيّة المقدّسة وفي مكّة، وظهر وهو يحمل الكتاب الدينيّ المقدّس، وصارت العراق وقتئذ تقدّم خطاباً دينيّاً طائفيّاً، فضلاً عن حربه ضدّ إيران. كان صدّام حسين أوّل من أطلق عليه لقب "أسد السنّة" ولقب حارس البوابة الشرقيّة، تلك البوابة الّتي روّج لها نظام صدّام حسين، كحامية للعرب من إيران.




وفي مطلق الأحوال، فإنّ المعارضة السوريّة الّتي بدأت بتبني خطابات العلمانيّة والتعدديّة، صارت اليوم جماعة سياسيّة دينيّة وقوميّة متطرّفة، تتحكّم جماعة الإخوان المسلمين بموارد أفكارها وقراراتها. وبالمقابل من ذلك، صارت الجماعات العسكريّة المسلّحة، مدعومة من الإسلام السياسيّ، وتبنّت خطابات طائفيّة، وتتحالف مع جماعات جهاديّة مصنّفة على قوائم الإرهاب "تنظيم القاعدة". صار كثير السوريين يتوقّعون مستقبلاً مشابهاً لمستقبل سنوات الناس وهم تحت حكم تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش"، وأكثر وطأة، ذاك أنّ المعارضة إن انتصرت فإنّها ستنتصر وهي تملك شرعيّة دوليّة وإقليميّة، تلك الشرعيّة، التي يمكن أن تعيد سوريا اليوم إلى عراق 1990.




خلال عام 2004، امتلك النظام السوريّ قدراً من المراوغة في التأثير على قسم من العشائر العربيّة في دير الزور والحسكة لمجابهة الكرد في سوريا بعد ما حقّقه الكرد في العراق. كان النظام السوريّ عالماً أنّ رفع صورةٍ لصدّام حسين في ملعب انتفاضة 12 آذار في مدينة قامشلو، يعني أنّ الحرب ستصير واقع حال بين الكرد والعرب، ورغم أنّها وقعت وانطفأت، إلا أنّه ثمّة رغبة لدى الجيش السوريّ الحرّ في استعادة هذه الحرب، التي ستُهزم الجميع، وهزمتهم قبل أن تبدأ. مثلاً، ليس أصعب على الكرديّ في عفرين من سرقة منزله ونهبه وتهجيره، سوى أنّ صدّام حسين يجوب شوارع تلك المدينة، دون أن يتمكّن أحد من أن يطرده أو يقف في وجهه.




حتّى اليوم، يملك صدّام حسين الصورة النمطيّة التي تمثّل الإجرام والإرهاب لدى الكرد، هذه الصورة التي حاول بشار الأسد ورجب طيّب أردوغان والخامنئي أن ينفاسوا عليها صدّام، دون نجاح مطلق، ذاك أنّ العراق كانت مكان نجاح الثورات الكرديّة، وبالمقابل أكثر الأماكن فتكاً بالكرد. حتّى أنّها صارت نموذجاً يحتذى به لدى الأخرين. حين احتلال عفرين، قالت تركيا أنّها عملية فتح مبين، وحينما قتل صدّام الكرد في كردستان العراق، قال أنّها الأنفال، ولا يبدو أنّ في المسألة سوى سبق الإصرار والترصّد لقتل نمطيّ مشابه يستهدف الكرد، وإهانتهم أوّلاً.




ورُبما أنّ المعارضة السوريّة لا تملك ما ملكه البعث العراقيّ بقيادة صدّام حسين من قوّة في الاعتراف الدستوريّ بوجود الكرد كجماعة بشريّة في العراق. ذاك أنّ البعث العراقيّ رغم ما مارسه من محق للوجود الكرديّ، اعترف بهم، وبهويتهم ولغتهم، وفي كلّ الدساتير المتغيّرة في العراق. على النقيض من ذلك، لا ترى المعارضة السوريّة سوى قوميّة رئيسة واحدة في سوريا، دون أن تعترف بوجود القوميات والجماعات الثانيّة. ملخّصاً عن هذه المفارقة، كان البعث العراقيّ دكتاتوراً شجاعاً في الاعتراف بمن يراه خصمه، والمعارضة السوريّة أكثر جُبناً في ذلك.




بيّنت الثورة السوريّة، والسنوات الّتي تلت نهاية الاحتلال الأمريكيّ للعراق، أن ثّمة بعوث كثيرة في هذه البِلاد، بعوث ترفض بعوث على اختلاف قوميتها وطائفتها ودينها، وبعوث تنافس بعوث على السلطة، وكلّها تسعى لأن تصهر الآخر في جيوب طائفته وقوميته، لأن لا يكون في البلاد لغة سوى لغته وقومية سوى قوميته وطائفة سوى طائفته. كما حاول أن يفعلها صدّام حسين وحافظ الأسد.

ويبدو أنّ مشكلة قسم كبير من المعارضة السوريّة لم تعد في الاعتراض على جلّاد يقتل الضحيّة، أو لم تكن كذلك في الأساس. سوريون يعترضون على جلّاد سوريا، بشار الأسد، وذات المعارضون يتغزّلون بجلّاد العراق الّذي فتك وقتل الضحيّة بإجرام أكثر. والفرق أنّ الجلّاد الأوّل يختلف عن الجلّاد الثاني في طائفته، ورُبما بعض ضوابط بعثيته فقط.


صدّام حسين والبعثيّة السنيّة للمعارضة السوريّة صدّام حسين والبعثيّة السنيّة للمعارضة السوريّة


صدّام حسين والبعثيّة السنيّة للمعارضة السوريّة صدّام حسين والبعثيّة السنيّة للمعارضة السوريّة

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!