الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
صديقي الكاتب الكردي الذي لا أستطيع أن أقرأه
مها حسن

الكردي الغريب

راسلني روائيان في الفترة ذاتها، أحدهما من كرد سوريا يكتب بالكرمانجية والثاني من كرد العراق يكتب بالسورانية.

كروائية مهتمة بالاطلاع على التجارب الروائية المعاصرة، لجميع شعوب الأرض، من الطبيعي أن يكون لدي هاجس التعرّف على الرواية الكردية التي تُكتب من جغرافيا مشتركة، حيث يكتب الكرد السوريون، ومن الإجحاف، بحقّي وبحقوق زملائي الروائيين الكرد، أن تكون تجاربهم غائبة عني.

تجري المراسلات بيننا، نحن الروائيين الثلاثة، بلغة ثالثة، هي مزيج بين العربية والكردية.

صديقي الكرمانجي، يتمكن من الكتابة باللغة العربية، حين يضطر، فهو قد درس في بلد لغته الرسمية، العربية، ثم تعلم اللغة الكردية وكتب بها، بجهد شخصي، حال أغلب الكتاب الكرد السوريين.

أما صديقي الروائي السوراني، فهو يمزج بين المفردات العربية وتلك السورانية المكتوبة بخط مقروء لي، أقرب إلى العربية منه إلى الكردية المكتوبة بحروف لاتينة، وكذلك، أكتب له بعربية مقروءة، لكن بلفظ كردي، نجتهد معاً لنجد مرادفه عبر كوكتيل لغات نمزجها معاً: الكرمانجية، السورانية، والعربية.

أما بالنسبة للصحافيين والمترجمين الكرد، الذين لا يعرفون اللغة العربية ولا الكرمانجية، فهنا أيضاً، تخدمنا الظروف في العثور على لغة ثالثة.. كحال المترجم السوراني الذي يقيم في سويسرا، ويكتب لي بالفرنسية، كما يفعل أي غريبان في العالم.

الفرنسي القريب

حين التقيت بكاتبة فرانكفونية من أصل عربي، في أحد الملتقيات الأدبية في أوروبا، وكنا الكاتبتين الوحيدتين من أصول شرق أوسطية، والمتحدثتين باللغة الفرنسية.

إعجاباً مني بروايتها المكتوبة بالفرنسية، تواصلت مع أحد الناشرين العرب، مقترحة عليها ترجمتها إلى العربية، فتكون متاحة للقراء العرب.

عندما يقرأ أي كاتب عربي رواية باللغة الأخرى التي يتقنها "الإنجليزية، الفرنسية، اليابانية"، فهو يقترح علينا، نحن أصحابه، ذلك الكتاب، ويحدثنا عنه، ثم نتناقش عادة في أسباب عدم ترجمة هذا الكتاب إلى العربية.. وهكذا عبر دوائر متتابعة، تجد بعض الكتب لكتاب غربيين بعيدين، مكانها في الترجمة إلى اللغة العربية.

لا أقصد أن هذا يتم وفق إرادتنا الشخصية نحن الكتاب في المنطقة، بل إن ترويج رأي ما عن هذا الكتاب، قد يساهم في خلق الرغبة لدى مترجم ما، أو ناشر، لتبني مشروع نقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية.

بالعودة إلى صديقيّ الروائيين الكرديين، الذين أجهل تماماً ما يكتبان، بينما يستطيعان هما قراءتي، لأن بعض رواياتي مترجمة إلى كل من الكردية الكرمانجية والكردية السورانية، لكنهما غير مترجمين إلى اللغة العربية، لسبب واضح وبسيط: تجري الترجمة من العربية إلى الكردية، لكن المشروع المعاكس، الترجمة من الكردية إلى العربية، هو أمر نادر.

أدبنا المترجم

لتعذر ترجمة رواياتي إلى اللغة الفرنسية، ولأنني أرغب في أن يقرأني أقاربي الفرنسيون وأصدقائي الذين أعيش بينهم منذ قرابة عقدين، فقد كتبتُ روايتي "نساء حلب" باللغة الفرنسية، إلا أنني لا أستطيع مطالبة أصدقائي الكرد بالكتابة باللغة العربية، لأنهم غير مُترجمين إليها، ولا يمكن لأصدقائي الكرد أيضاً مطالبتي بالكتابة باللغة الكردية.

في مهرجان غلاويش الثقافي، الذي شاركت فيه هذا العام، في مدينة السليمانية، سألتني إحدى السيدات، عن السبب الذي دعاني لتعلم الفرنسية والكتابة بها، بينما لم أبذل أي جهد، صوب لغتي الأم، الكردية، للكتابة بها.

قلت لتلك السيدة، إنني ناهيك على أنني أعيش في مجتمع يتحدث باللغة الفرنسية، وأُجري جميع تعاملاتي الرسمية والعادية بتلك اللغة، فإنني لا أبذل مجهوداً استثنائياً عما يبذله أي إنسان ينتقل للعيش في بلد جديد.

أما على صعيد الكتابة الإبداعية، متابعة ردي على السيدة، فإنني، حتى أصل إلى مستوى كتابة رواية باللغة الكردية، سأحتاج إلى سنوات من التركيز على اللغة، لأصل بعد تلك السنوات، فأجد نفسي دون قرّاء، مثلي مثل صديقي الروائي الكردي الآن، الذي يطبع في مطابع صغيرة، وتوزع كتبه بين الأصدقاء.

وهذا ما قالته لي إحدى القارئات، في ندوة جمعتني بالقراء الكرد في كوبنهاغن: "أنا كردية، لا أستطيع القراءة بالكردية، وحين أجد أمامي روايتك المترجمة إلى الكردية، إلى جوار النسخة العربية، فإنني دون تردد، أقتني الرواية المكتوبة بالعربية".

هل من المنطقي إذن، أن أكتب بلغة، يهجرها قراؤها، بينما المؤسسات الثقافية القائمة، لا تقوم بدورها الطبيعي هنا في حماية وتشجيع هذه اللغة إبداعياً، عبر ترجمة كل الأدب المكتوب من قبل كتاب أكراد، يكتبون بلغات أخرى، غير الكردية؟

 

ليفانت - مها حسن

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!