-
صدمة الكورونا بین التحدي والإستجابة
یشكل فیروس كورونا 19-COVID تحدیاً عارماً لم تشھد الإنسانیة نظیراً لھ بتاتاً، فلم یكن أحد یتوقع سرعة إنتشاره بھذه الطریقة المخیفة التي بدأت من الصین في بدایة عام 2020، وأجبرت العالم على العزلة لأول مرة في تاریخ البشریة، فرغم بشاعة الحرب العالمة الثانیة إلا أنھا لم تجبر العالم والإنسانیة على فرض قیودھا على حركة السفر والتنقل في داخل الدول وبین الدول وبعضھا.
وھذا ما یؤكد صعوبة التحدي الجدید الذي یمثلھ الفیروس بالنسبة للأمن الإنساني بل للوجود الإنساني برمتھ وللنظام الدولي ككل. ما یزید حجم التحدي المستمر ھو زیادة عدد الإصابات بھذا المرض والتي وصلت إلى أكثر من ملیون ومئتي ألف حالة حول العالم، ویتجاوزعدد الوفیات إلى أكثر من 69 ألف حالة وفاة، حتى یوم الأحد 5 أبریل 2020، بحسب موقع "Worldometer "حتى ھذا الیوم.
وعلى صعید التداعیات الاقتصادیة لإنتشار الفیروس، فمن المتوقع أن یدخل الإقتصاد العالمي أزمة جدیدة مع استمرار تصاعد الأزمة، فقد توقع خبراء في بنك التنمیة الآسیوي أن تتراوح كلفة تداعیات تفشي فیروس كورونا المستجد على الإقتصاد العالمي بین ألفي ملیار و 4100 ملیار دولار، لتصبح بذلك أكبر خسارة یسببھا وباء في العصر الحدیث، وھي تتجاوز بأضعاف مضاعفة ما سببھ فیروس ”سارس‟ الذي اجتاح الصین سنة 2003، حیث قُدرت خسائر الفیروس، وقتئذ، بنحو 40 ملیار دولار.
إذن في ظل ھذا الحجم الكبیر للتداعیات الإنسانیة والسیاسیة والإقتصادیة التي تسبب فیھا الفیروس، بات العالم أمام تحدي وجودي یستفز كل القدرات والطاقات البشریة، والعمل على استغلال الإمكانات للإستجابة السریعة لھذا التحدي المرعب لإنقاذ وحمایة صحة ملیارات من البشر.
ولا تزال الشائعات والتحلیلات الغیر منطقیة لھذا الفیروس والجھة التي تقف ورائھ، تتدوال على منصات التواصل الإجتماعي، وأن الأمر في حقیقتھ ھو حرب بیولوجیة وجرثومیة بین الأمریكان والصین في سعیھم للسیطرة على العالم. وأما في المنطق والتحلیل العلمي المقابل لھذا التحلیل.
خلُص بحث نشر في مجلة )Nature Medicine( إلى أن فیروس الكورونا 2-Sars-cov ھو من أصل طبیعي ولم یتم صنعھ أو ھندستھ في مختبر. وانبنت ھذه الخلاصة على أمرین:
1- جینوم الفیروس یختلف بشكل أساسي عن فیروسات الكورونا المعروفة )مثل فیروس Sars( 2- الفیروس الجدید یشبھ فیروس كورونا موجود في الخفاش )فقط( وأضاف الباحثون ) وھم من أمریكا .
واسترالیا واسكتلندا( أن ثمة سناریوھین ممكنین :
1- أن یكون الفیروس انتقل من الخفاش إلى حیوان آخر حیث حدث لھ تطور ثم إلى الإنسان . 2- أن یكون تطور إلى صیغتھ الفتاكة بعد أن أنتقل إلى الإنسان .
ففي ھذا الإنتشار الواسع للكم الھائل من الشائعات والذي یوازي أو یفوق سرعة انتشار الفیروس نفسھ، لا یجوز الإحتكام إلا للمنطق العلمي والرجوع فیھ لأھل الإختصاص من علماء الفیروسات والمیكروبات الذي لھم الحق في تقریر ما ھو حقیقة مما ھو وھم وأكاذیب، إن إفساح المجال للشائعات
ونشر الخوف والھستیریا، لن یعیق الإستجابة فحسب بل قد یكون لھ آثار مدمرة على البشر والمجتمعات.
فالمعلومات الخاطئة تمثل خطراً على حیاة الناس في مثل ھذه اللحظات العصیبة التي تمر بھا البشریة فما حدث مؤخراً في إیران نقلاً عن وسائل إعلام إیرانیة وأطباء إرانیین ، أفادت جریدة النیویورك تایمز ان حوالي 300 شخص قتلوا واصیب 1000 آخرون عند تناول كحول المیثانول بعد انتشار معلومات خاطئة أن الكحول یقي من فیروس الكورونا. وقالت مصادر إن المشكلة أكبر، ربما بلغ عدد القتلى 480 وأصیب 2850 أخرون. فھذا مایحدث عندما تنتشر المعلومات الخاطئة وتغیب ثقافة العلم واعتماد المصادر الموثوقة.
فھذا تحدیا آخر ومخیف یواجھ الدول والمؤسسات والمنظمات الدولیة. وفي ظل كل ھذه التحدیات المھولة التي تھدد الوجود البشري وتنذر بزوال حضارتھم، تأتي نظریة ”التحدي والاستجابة‟ للمؤرخ والفیلسوف البریطاني ) أرنولد تونبي 1975-1889( والتي تتمحور حول التحدیات ودورھا في استفزاز المجتمعات ومراحل تطورھا أو اندثارھا. وخلُص الى أن التحدیات التي تبرز في المجتمعات تتطلب ردة فعل من الناس كنوع من أنواع الاستجابة لحل ھذه التحدیات أو المشاكل، صاغ تونبي نظریتھ في كتابھ الشھیر”دراسة التاریخ‟ والتي تعمل الیوم في كنفھا المنظمات الأممیة ضمن سیاسة الاستجابة للتحدیات الضاغطة التي فرضھا ”فیروس كورونا‟ القاتل، فرغم المشھد التراجیدي الذي یعیشھ العالم من بدایة انتشار الفیروس حتى اللحظة
أبدت بعض الدول "المتقدمة" ردود أفعال غیر إنسانیة ولاأخلاقیة فضلاً عن أن تكون حضاریة، فلم تقدم أي دولة أوروبیة العون لإیطالیا التي باتت تفقد كل یوم أكثر من 600 مصاب بعد ان وصل منذ بدایة تفشي الفیروس الى 1000 حالة وفاة مصابة بالفیروس، وتجاوز عدد الوفیات وفق اخر الاحصاءات اكثر من 15,300 الف حالة وفاة ، وفي بدایة تفشي الفیروس في أوروبا كان الرئیس الصربي الكسندر فوتشیتش بأن التضامن الأوروبي مجرد ”قصة خرافیة على الورق‟ بعد أن أصدر الاتحاد الأوربي قرارات بمنع بلاده من استیراد المعدات الطبیة.
وھذه الحالة الإنطوائیة والأنانیة للإتحاد الأوربي ھي ما عبر عنھ تونبي في نظریتھ ”بالاستجابة السلبیة‟ والتعامل مع الصدمة بمزید من الإنكماش على الذات. ولكن في المقابل ھناك فریق كبیر في كل أنحاء العالم یحاول تقبّل الصدمة والاعتراف بھا، ثم محاولة التغلب علیھا، بروح انسانیة عالیة تتجاوز الأنا وھذا ما وصفھ تونبي ”بالاستجابة الإیجابیة‟ . لقد آمن تونبي أنھ كلما ازداد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة حتى تصل بأصحابھا الى مایسمیھ بـ ”الوسیلة الذھبیة‟ وھي سلسلة من الاستجابات التي قد تكون أحیاناً غیر ناجحة في التحدیات، ولكن بالتحدي وكثرة المحاولات المتنوعة تھتدي الأمم الى الحل النموذجي.
وھذا ما یعمل علیھ ھذا الفریق من الأخصائیین في الفیروسات وعلماء الأوبئة وھم یسابقون الزمن ویواصلون اللیل بالنھار في مختبراتھم العلمیة حول العالم، بھدف ایجاد لقاح یتیح تطویق فیروس كورونا المستجد، وثمة اكثر من 20 لقاحا في طور العمل على تطویرھا، وقد وصل أحد ھذه اللقاحات الى مرحلة الاختبار على البشر بعد ان أجتاز مرحلة التجارب على الحیوان. وقد تم التوصل الى بعض اللقاحات والعلاجات، منھا ما ھو في المرحلة التجریبیة )روسیا، المانیا، امریكا..( ومنھا ماھو في مراحلھ الاخیرة ) الصین، فرنسا( كما وردد أكثر من مسؤول طبي وبیولوجي بأن %95 على الاقل من حالات المرض قابلة للشفاء.
وجدیر بالذكر أن الألفیة الثالثة شھدت بروز أمراض جدیدة في كوكبنا، وقد أمكن التغلب علیھا؛
مثل) انفلونزا الطیور( و ) إنفلونزا جنون البقر( و) إنفلونزا الخنازیر( و) إیبولا( و) سارس(فمن المؤكد أن تنتصر البشریة على ھذه الوباء كما قضت من قبل على أوبئة الطاعون والكلب والكولیرا وغیرھا بفضل الجھود الجبارة لعلماء یخدمون الانسانیة ویقدمون لھا إكسیر الحیاة وتریاق الشفاء من ھذا السم القاتل.
ليفانت - محمد الشوا
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!