-
شيرزاد بصرواي: التشييد والبناء الثقافي في زمن الحرب والخراب
مايزال المشهد الثقافي الكردي في بداياته، رغم القفزة المهمة والتطوّر الكبير الذي حدث للمسألة الكردية في السنوات الأخيرة على الأخصّ، إذ تمتعت بشهرة يمكن وصفها بالعالمية، إلاّ أنّ كل هذه الإنجازات السياسية والعسكرية، لم تتمكّن من خلق مشهد ثقافي لائق، يمكن مقارنته بالمشهد العربي السوري على الأقل.
في كردستان العراق، ثمة ازدهار ثقافي مهم، في مجال المكتبات وطباعة الكتب وثقافة النشر والتأليف، وأغلب هذا يحدث باللغة الكردية ـ الصورانية، أما الكرمانجية، فهي تعاني من إجحاف كبير، خاصة في سوريا، حيث نحاول تركيز الضوء في هذا السياق.
ككاتبة منهمّة بشؤون المنطقة ثقافياً، وحالمة بالاشتغال على خصوبة وتخصيب المشهد الثقافي الكردي، أسمع الكثير من الانتقادات التي قد تخلق الإحباط، حيث يتسم هذا المشهد بسمتين أساسيتين:
ـ أغلب التجمعات الثقافية مرتبطة بولاءات سياسية، وهذا ما يحرم الأدب برأيي من استقلاله ونموّه، حيث الحرية أساس الإبداع.
ـ أغلب النتاجات المهمة والمتميزة، هي مشاريع فردية، تناضل بشدة ضمن أجواء محبطة.
من هنا، كان اطلاعي على مشروع دار النشر الكردية “آفا”، كأحد منابع الضوء التي تستحق التوقف أمامها، بغية الاعتناء بهذه التجربة، وإمكانية تطويرها وتعميمها، والاستفادة من خبرات الناشر “شيرزاد بصراوي” الذي أضاف للمكتبة الكردية الكثير من الأعمال، ضمن ظروف ليست سهلة، وتحديات قاسية، ومن هنا ارتأينا محاورة السيد بصراوي لتعريف القارئ، العربي والكردي معاً، بمسيرة هذه الدار.
دار آفا:
يقول السيد بصراوي معرّفاً الدار: “آفا، دار نشر، يعادلها في المعنى اصطلاحاً في اللغة العربية “البناء”، فبعد الدمار الذي طال البلاد عامة، و”كوباني” خاصَّةً من قبل القوى الظلامية، ودمار المدينة بالكامل، ارتأينا تسمية الدار بمسمى (آڤا) بما يعني التشييد والبناء انطلاقاً من إيماننا بأنَّ الحرف بمقدوره أن يقابل الحرب، وأنَّ الأدب يمكن له أن يقابل العطب الذي طال الإنسان والحجر”، ويضيف عن أسباب اختياره لكوباني كي تكون مقرّاً للدار “أردت أن أساهم في رفع سوية القلم هناك ليكون صوت الكلمة طاغياً على صوت الرصاص، وغطاء للدمار الذي حصل للمدينة نتيجة الحرب التي شهدتها إبان هجوم داعش على المدينة”.
يصف شيرزاد مشروعه بأنّه وحيد، حيث الفراغ الذي تعانيه المناطق الكردية “التي لم تكن فيها دار واحدة للنشر تتوفر فيها مقومات النشر والشروط المتعارف عليها، من حيث حفظ الحقوق الملكية للمؤلف والمشاركة في المعارض وإيجاد طقم عمل كامل من مصممين ومحررين ومدير العلاقات، وإلى الآن آفا وحيدة”.
ويتطرّق الناشر إلى الصعوبات التي واجهته أثناء تأسيس الدار، وحتى اليوم، حيث ما يزال الوضع معقّداً وغير آمن حيث “وضع سوريا، وخاصة شمال وشرق سوريا، غيرالمستقر أمنياً بسبب الحرب وتبعياتها، فكان التأسيس وفتح المكتب هناك بحد ذاته مغامرة، ثم تلتها أزمة كورونا وما رافقتها من إجراءات، كإلغاء وتأجيل المعارض، وقرارات الحظر التي أثّرت سلباً على عمليات التسويق والبيع، حيث نطبع الأعمال التي نوافق عليها ونضعها في المستودعات”.
رغم حداثة عهد الدار، التي تم تأسيسها في العام الفائت، ورغم أزمة كورونا التي تسببت بكوارث في عالم الكتب، لكن السيد بصرواي تمكّن من إحياء بعض الفعاليات الثقافية، إذ أقام حفل توقيع لخمسة كتب في فندق كابيتول بأربيل، عاصمة كردستان، العراق، وكذلك حفلة توقيع في النمسا، وفعالية كبيرة في ألمانيا وأخرى في الدانمارك.
شاركت الدار أيضاً في المعارض التي أُتيحت لها المشاركة في هذه الفترة: معرض قامشلي للكتاب، معرض يوتوبوري، معرض ستوكهولم، معرض مالمو، معرض السليمانية الدولي للكتاب.
تتنّوع منشورات الدار، بين الملاحم والروايات والشعر والنثر والتراجم والنقد، وقد صدر في العام الفائت 33 عنواناً، باللغتين الكردية والعربية، وتتطلع الدار للتركيز على التراجم للكردية والعربية في عام 2021.
لاتتركوا الأدب وحيداً
في سؤالي للسيد بصراوي عن مشروعه الفردي، وإذا كان لوحده كافياً للصمود في وجه الفراغ الثقافي الكردي؟ قال: “كردياً ليس هناك فراغ بالمعنى الحقيقي لأنّ الكردية في شقّها الصوراني خطت خطوات كبيرة في هذا المجال، وخاصة بعدما أُعلن عن الإقليم الكردي في شمال العراق، هنا بدأت الحكومة بدعم هذا المجال لتصدير ما يكتبوه للخارج حتى يعرّفوا العالم بتجربتهم، ومن هناك اهتموا بترجمة باقي الآداب إلى الصورانيّة. بالنسبة للشقّ الصوراني في إيران فهناك مآسٍ كثيرة وكلها متعلقة بالوضع السياسي والأمني هناك، فالقيود على النشر تصل لدرجة إيصال الناشر إلى حبل المشنقة. أما الشق الكرمانجي في تركيا، فقد خطا العديد من الخطوات وخاصة بعد إعلان الدخول في مباحثات السلام بين تركيا والأكراد، حيث رفعت الحكومة القيود على النشر نوعاً ما، وظهرت العشرات من دور النشر الخاصة -وإن كانت ممولة من الجهات السياسية- فاهتمت باللغة الكردية وترجموا إليها آداب العالم”.
وبتركيزه على الجانب السوري يقول شيرزاد: “مع بدء المأساة السورية في 2011 وتحلّي المناطق الكردية في الشمال والشمال الشرقي السوري بالأمن والأمان الجزئي المتقطع، فقد فُتح الباب أمام المشاريع الثقافية الخاصة والعامة، لكن في مجال النشر لم تظهر مشاريع تذكر إذ أخذنا النشر كصناعة لا كمهنة، فما كان ينشر هناك لا يرتقي لمستوى مقاييس النشر، بدءاً من إرسال الكاتب لمادته للجهات التي تنشر هناك، مروراً بتصاميم الأغلفة والتحرير والإخراح الداخلي، وليس انتهاء بالطباعة والنشر والتوزيع، حيث الكتاب لا يخرج من تلك البقعة الجغرافية”.
وعن مقترحاته أو آماله لتحسين سوق النشر الكردية، أجاب شيرزاد: “من هنا كانت فكرة مشروعي، لملء هذا الفراغ بالدرجة الأولى لنخرج الكتاب من الداخل الكردي السوري للعالم، ومن العالم للداخل”.
يعتقد شيرزاد أنّ أمانيه قد تكون مستحيلة نوعاً ما،” فالأمنية الرئيسة الآن هي أن تكون هناك شركات توزيع للكتب في البلدان العربية تسدّ هذا الفراغ الذي أُلقي على كاهل الناشر، الذي أصبح ناشراً وموزّعاً بحكم الفراغ لا بحكم الاختصاص، هذا خارجياً، أما داخلياً، فالأماني تتمحور في أن تلقى دور النشر الدعم الكافي لتقدّم الأفضل في هذا المجال وكل المشاريع المهتمة بالثقافة والفن، لنوصل رسائلنا للخارج على أنّنا كُتّاب وورسامون ومسرحيون جيّدون، نمسك القلم والريشة والطنبور ونبدع فيهم، كي تتغير الصورة النمطية التي أُخِذت عن الكردي السوري على أنّه يمتهن السلاح والقتل”.
بالإضافة أنّنا ومن كوباني، يضيف السيد بصراوي، التي يتواجد فيها مقرّنا، فإنّه ليس لنا أية استحقاقات من الجهة الحكومية التي نتبع لها أصولاً، وهي هيئة الثقافة -الوزارة- ولا تكون لنا حصّة في الدعم الحكومي عبر مؤسساتها المختصّة، الدعم المتمثل بشراء كمية محددة من المطبوعات وتوزيعها على هيئاتها الثقافية والتربوية عندما نشارك في معرض أو فعاليّة برعايتهم، عكس ما هو متبع مع باقي دور النشر المشاركة من دمشق وإقليم كردستان وغيرهم.
معلومات:
ـ دار نشر آڤا:
• رُخِّصتْ في “كوباني” كأول دار نشر، وباشرت العمل في 01.08.2019 بوصفها مشروع ثقافي نهضوي، يخرج من رحم الحرب ويدعو لنشر ثقافة الكتاب والعودة للقراءة بوصفها حالة وحاجة اجتماعية راقية.
• المقرّ: سوريا – كوباني.
• حصلت على رقم الإيداع الدولي ISBN من مملكة الدنمارك.
• توزّع أعمالها في دول العالم باللغات الكردية والعربية، كما أنّها منفتحة على باقي لغات شعوب سوريا إضافة إلى الإنكليزية.
• تسعى دار “آڤا” أن تغدو جسراً بين ثقافات المنطقة بغية تشجيع الحوار والتقارب الفكري للوصول إلى جسور السلام عبر الكلمة.
شيرزاد بصرواي:
شيرزاد بصراوي تولد كوباني 1988، أنهى دراسته ما قبل الجامعية في كوباني، ثم التحق بكلية الإعلام في جامعة دمشق ، إلى أن غادر سوريا إلى تركيا، ثم إلى مصر وليبيا، حيث عمل قرابة سنتين.
في صيف عام 2019، افتتح دار آفا للنشر في كوباني، إلى جانب عمله كإعلامي وناشر في مجال الترجمة من العربية إلى الكردية الكرمانجية وعكسها.
ليفانت – مها حسن
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!