الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
شرق المتوسط.. صراع الغاز يعرّي سياسة تركيا في المنطقة
مزن مرشد

لم يعد الوضع في البحر الأبيض المتوسط ​​مطمئناً بعد أن باتت أطماع الدول المحيطة به ظاهرة للعيان، يزداد صراع المصالح في منطقة شرق المتوسط، فبين إسرائيل وجوارها العربي صراع معروف وواضح ولا يحتاج للكثير من الشرح، فالدولة الصهيونية تحرّكها مصالح متداخلة لا تتوقف على الاقتصاد فحسب، أما باقي الدول العربية، كعادتها لا تنتبه للفرص إلا بعد فوات الأوان. شرق المتوسط


البحر المتوسط كان منذ استقلالات الدول العربية مساحة واسعة وخصبة للتنقيب، لكنها أي الدول العربية لم تولِه يوماً ما يستحقه من دراسات، أو حتى محاولات لسبر محتواه من ثروات، مع العلم أنّ وجود البترول والغاز في أعماقه لم يكن سرياً يوماً، ولطالما كتبت الصحف الغربية عن احتمالية وجود الكثير من الاحتياطي النفطي والغازي في مساحاته الشاسعة.


تدخل تركيا عمق مياه المتوسط من بوابة الاتفاقيات الليبية، في حركة ظاهرها الدفاع عن حكومة الوفاق الوطني، وحقيقتها إمكانية امتلاكها لمياه إقليمية في المتوسط -البحر البعيد عن منال تركيا حتى وقت قريب- وهذا ما حققه أردوغان باتفاقه مع حكومة السراج وحصول بلاده بموجب الاتفاقية على كوريدور مائي ضخم يقطع المتوسط من تركيا وحتى ليبيا. شرق المتوسط


على ما يبدو إنّ السياسة التركية التي كانت دائماً تتستر خلف عباءات الدفاع عن الحق والدين، والتي حاول الرئيس التركي أن يظهر بمظهر الأخ الأكبر للدول الإسلامية، بدأ يجني نتيجة هذه السياسة، فدخل عمق المتوسط، وأصبح على الحدود البحرية لليونان، ما وتر العلاقات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي، بشأن النزاع على حقوق كل منهما في موارد محتملة من النفط والغاز في المنطقة نتيجة الاختلاف في تحديد امتداد الجرف القاري لكل منهما.


بدأت تركيا فور حصولها على حصة في المياه المتوسطية بالإعلان عن التنقيب عن الغاز والنفط في مياهها الجديدة، وتنفيذ مناورات عسكرية مستفزة لليونان (العدو الأزلي لتركيا) ولحلف الناتو معاً، ما خلق توتراً إضافياً بين تركيا واليونان، من جديد، وزاد في طنبور الخلافات نغماً. شرق المتوسط


لم يتوقف الخلاف مع اليونان فقط، فسياسة الرئيس التركي أثارت أيضاً على ما يبدو حفيظة حلف شمال الأطلسي ككل، وتثير غضب فرنسا بشكل خاص، فتصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنّ تركيا لم تعد شريكاً يوضح ببساطة حجم الشرخ بين الحلف وأوروبا من جهة وبين تركيا من جهة أخرى.


ولكن بالمقابل، اختارت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والتي ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، مسار الوساطة، على عكس إيمانويل ماكرون، فهي تحاول تخفيف حدة التوتر، ومن هنا جاءت مهمة المساعي الحميدة لوزير الخارجية الألماني، الذي ذهب منذ فترة قريبة إلى اليونان ثم إلى تركيا، ولسوء الحظ، لم تنجح هذه المهمة حتى الآن.


وبالنظر إلى الصعوبات وحجم القضايا، من الواضح أنّه لن تتمكن أي بعثة بمفردها من حل الأزمة.


ومن الواضح أيضاً أنّ الاتحاد الأوروبي عالق في الملف القبرصي، فقبرص بصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، لكن وضعها لم يتم حلّه سياسياً بين القبارصة اليونانيين والأتراك حتى اليوم، فإنّها تجد نفسها قاضياً وطرفاً في المشكلة في نفس الوقت، وبالتالي لا يمكنها لعب دور الوسيط، وهذا يثير التساؤل عن دور الأمم المتحدة، الذي لم نعد نشهد أي تأثير لقراراتها أو وساطتها في أي قضية في العالم، والظاهر الآن أنّ الأمم المتحدة تتخذ إجراءات بشأن هذه المسألة وتدعم المبادرات التي تتخذها ألمانيا حاليا فقط. منذ فترة لم تتجاوز الشهر، أعلنت القوات المسلحة الفرنسية، بأنّه سيتم نشر مقاتلتين من طراز رافال وسفينتين، تابعتين للبحرية الفرنسية، بشكل مؤقت، في شرق البحر المتوسط، على خلفية التوترات بين اليونان وتركيا، فسارعت الصحافة الموالية للرئاسة التركية باتهام فرنسا بتجاوز الحدود الدولية وبأنّها تسعى للحرب، في حركة أرى أنّ باطنها يحمل توجيه الأنظار عن التصرفات التركية الفاقعة في المتوسط، وفي 23 يوليو/ تموز الماضي، انتقد إيمانويل ماكرون بشدة انتهاك تركيا للسيادة اليونانية والقبرصية. شرق المتوسط


اكتشاف حقول غاز شاسعة في شرق البحر المتوسط ​​خلق حتماً صراعاً بين البلدان المشاطئة للمتوسط -باستثناء الدول العربية التي لم تهتم يوماً باغتنام الفرص كما أسلفت سابقاً- ولا ننسى بالطبع أنّ كلاً من اليونان وتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وحلفاء نظرياً، لكنهما يجدان نفسيهما اليوم في حالة تنافسية للحصول على هذه الموارد، مما أدّى إلى تفاقم التوترات.


معظم دول المنطقة تنتقد عقيدة “الوطن الأزرق” للنظام التركي، ويعتبرون هذا الشعار يهدف ضمان الهيمنة البحرية لتركيا في مياه الإمبراطورية العثمانية السابقة.


الأمر الآخر الذي يظهر اليوم كمعضلة أخرى، في محاولة تركية الأردوغانية العودة للتدخل في المناطق المستقرة لمحاولة زعزعتها، من خلال سياستها المتحيزة والطائفية بشكل أو بآخر، هذه المعضلة هي الوضع في قبرص فالتاريخ القريب ما زال يذكر تدخل الجيش التركي في جزيرة قبرص عام 1974، والذي أدى إلى تقسيمها إلى كيانين: 38 ٪ من الجزيرة للقبارصة الأتراك و62 ٪ للقبارصة اليونانيين، ومنذ ذلك الحين، ساد الوضع الراهن، وغالباً ما يتم ذكر قبرص كعضو في الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، وما زاد هذا التوتر اليوم هو أطماع تركيا الواضحة في ثروات المنطقة، وإن ادّعت تركيا غير ذلك.


وفي هذا الوقت بالذات، وفي خضم كل هذه الأزمة، تتراجع شعبية الرئيس التركي، ويرجع ذلك أساساً إلى الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على تركيا، ومع ذلك ما يزال أردوغان يعتقد أنّه يستطيع إعادة تشكيل صفوفه وإعادة تشكيل قاعدته الانتخابية وتوسيعها من خلال تحريض النسيج القومي، الذي يعد أحد العناصر الرئيسة لإستراتيجيته السياسية في المجتمع التركي.


ويمكننا أن نرى بوضوح أنّ صعوبة الأمر تكمن في التداخل بين المسائل الجوهرية التي لدى تركيا من ادعاءات غير شرعية، وقضايا سياسية داخلية تعوق إمكانية إيجاد حل بأفضل السبل الممكنة، والحلم التوسعي لأردوغان والذي لم يعد خافياً ولا مستتراً على أحد.


 مزن مرشد 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!