الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
سوريا.. مسرح لحرب إسرائيلية إيرانية
أحمد رحال

قال المبعوث الأمريكي السابق للملف السوري جويل ريبورن في إحدى ندواته في إسطنبول: إن الخطأ الكارثي لإدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" كان بالتخلي عن الجنوب السوري لصالح روسيا وإيران، والكارثة الأكبر تتمثل بعدم القدرة على إصلاح هذا الخطأ.

اتفاق تسليم الجنوب وإعادته لعهدة نظام الأسد وإيران كان محض توافق أمريكي، روسي، إسرائيلي، أردني، مقابل تعهدات روسية بإبعاد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني عن حدود الأردن، وخط فك الاشتباك في الجولان المحتل لمسافة ما بين 40 و80 كم، وتأسيس منطقة عازلة في الجنوب الغربي لسوريا ومنع ميليشيات إيران من الوصول لها، وطرد إيران كان يمثل صلب خطة ترامب للانسحاب من الجنوب السوري بعد تعهد موسكو بما أرادته واشنطن وتل أبيب وعمان، لكن حسابات السوق لم تتطابق مع الصندوق.

تأثير الحرب الأوكرانية انعكس انشغالاً روسياً وتمدداً إيرانياً شمل كل الجغرافيا السورية، بما فيها الحدود مع الأردن، التي أصبحت شبه خالصة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني وعصابات تهريب المخدرات والسلاح للخليج عبر الأردن، وكذلك حدود الجولان التي أصبحت تحت سيطرة حزب الله والحرس الثوري، وحتى ضباط استطلاع جيش الأسد في مقرات قيادتهم في ألوية الحيطة السورية، أصبحوا عملاء عبر نقل ما يجمعونه من معلومات عسكرية عن تحركات الجيش الإسرائيلي وتنقل قطعاته، إلى قيادات إيران وحزب الله، وفق ما كشفته إسرائيل بصحافتها ومنشوراتها التي هددت فيها أكثر من ضابط استطلاع في جيش الأسد.

لكن وبرغم كل هذا التغوّل الإيراني، إسرائيل ما زالت مستمرة بسياستها العسكرية وغاراتها الجوية والصاروخية من خلال تكتيك "جز العشب" وأحياناً تعمق من ضرباتها لتمسّ جذور الوجود الإيراني في سوريا والمنطقة، كما فعلت مؤخراً عندما قصفت أحد أكبر مستودعات الصواريخ الإيرانية الحديثة في مصياف، ودمرت أكثر من ألف صاروخ اشتعلت فيها النيران لعدة ساعات، حيث وصفت بالضربة الأقسى والأقوى والأكثر إيلاماً لإيران، ترافقت تلك الضربة مع ضربات نفذها التحالف الدولي في محيط مدينة الميادين شرقي سوريا، شملت معسكر الصاعقة ومستودعات عياش وحويجة صكر وعدة مناطق أخرى، وأيضاً وصفت تلك الضربات بأنها الأعنف للتحالف الدولي منذ أكثر من عام، ومع ذلك تصرّ إيران على استكمال مشروعها ونقل ترسانتها للجغرافيا السورية، وربط أدواتها بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً للمتوسط، وبعد أن أقامت أكبر قاعدة إيرانية خارج أراضيها في جنوب الميادين "قاعدة الإمام علي"، باشرت مؤخراً معداتها الهندسية بالحفر في بادية القورية بريف دير الزور، لبناء قاعدة أخرى على مقربة من القاعدة السابقة أطلقت عليها اسم قاعدة "عين علي"، نسبة لمزار وهمي اخترعته إيران في المنطقة الشرقية، والمعلومات تتحدث عن بناء أنفاق وممرات تحت أرضية تربط القاعدتين معاً، كنوع من الحماية من الضربات الجوية، وجعل عمليات التنقل ونقل العتاد ما تحت أرضي عبر الأنفاق.

تعيش المنطقة بشكل عام، وسوريا بشكل خاص، حالة من الترقب والقلق ترتبط بمفاوضات فيينا والاتفاق النووي المتعثر حتى الآن، وما يمكن أن تعكسه نتائج تلك المفاوضات على الأطراف المتخاصمة (أمريكا، إيران، إسرائيل) بحكم التماس القائم بينهم على الجغرافيا السورية، وكل المؤشرات تقول إن الصدام بين مشاريع متضادة قادم لا محالة.

انتفاضة أهل السويداء والاضطرابات شبه اليومية في الجنوب السوري لاقى ارتياحاً إسرائيلياً مخفياً، لكن أعداد النقاط العسكرية المتزايدة التي تشغلها إيران بالجنوب السوري أقلقت إسرائيل (64 موقع موزعة على الشكل التالي: درعا بـ 26 موقعاً، والقنيطرة بـ 21 موقعاً، والسويداء بـ 17 موقعاً)، لكن الملاحظ ورغم غزارة الضخ الإعلامي من الطرفين الإسرائيلي والإيراني، أن كلاهما يحاول عدم الانزلاق لحرب مفتوحة بينهما على الساحة السورية، وأن قواعد الاشتباك المتوافق عليها بحكم الأمر الواقع تقول: طالما أن إسرائيل تقصف ما تريد ووقتما تشاء، بضربات ليست استئصالاً تستهدف "فائض القوة الإيرانية"، فلم الذهاب للحرب؟

وإيران تقول: طالما أن الضربات الإسرائيلية غير موجعة وغير خطرة، ولا تعيق تثبيت أركان مشروعها في سوريا، فلا مانع من تحاشي الرد مع أدواتها على تلك الضربات، وبالتالي تمارس إيران ما تسميه "الصبر الاستراتيجي" الذي يجنبها مواجهة غير محسوبة وقد تكون مكلفة وبتوقيت لا يناسبها.

وبالتالي يتفق الطرفان الإسرائيلي والإيراني بعدم جدوى الانجرار إلى حرب قد لا تحسم جولاتها على الجغرافيا السورية، وقد تتوسع لتشمل ساحات أخرى، كالجنوب اللبناني أو قطاع غزة وحتى المدن الإسرائيلية والإيرانية، وليست إيران فقط غير المستعدة للحرب، بل الجانب الّإسرائيلي أيضاً، ويقول اللواء يتسحاك بريك، أحد كبار جنرالات إسرائيل مهاجماً رئيس الحكومة الإسرائيلية "لابيد" الذي هدد إيران قائلاً له: "نحن لا نملك ما يغطي تهديدك لإيران"، واصفاً تهديده "بالمحرج والمهين"، متسائلاً: "بماذا تهاجمون؟".

وقال: "نحن لا نملك عدداً كافياً من صواريخ العصا السحرية وحيتس، وما نملكه هو فقط عدد بالكاد يكفي لحماية المواقع الاستراتيجية والحيوية؛ لأنها صواريخ باهظة الثمن ولا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تغطية صناعة مثل هذه الصواريخ بأعداد كبيرة".

وأضاف المسؤول الكبير: "إن ما نملكه من صواريخ القبة الحديدية معدّ للتعامل مع الصواريخ الصغيرة، وعندما نفدت من مخازننا هرع وزير الدفاع "جانتس" إلى الولايات المتحدة لطلب المساعدة في تغطية نفقات إنتاجها وتعويض النقص”.

وأوضح بريك أن القوات الجوية غير مؤهلة لحسم أي معركة، والدليل على ذلك ما حدث في حارس الأسوار (في غزة).

لكن، هناك مؤشرات استجدت على القراءة الإسرائيلية للتموضع الاستراتيجي الإيراني في سوريا، تتمثل بقناعة وصلت لها تل أبيب، بأن بشار الأسد يخدعها ويخدع إيران وروسيا، وأنه يعطي الوعود للجميع ويكذب على الجميع، فهو يتعهد بدعم الانتشار الإيراني في سوريا، ويتغاضى عن كل تجاوزات حزب الله ودولة الكبتاغون التي يبنيها حسن نصر الله بالقلمون السوري، ويتعهد في الوقت ذاته للروس بالاستجابة لطلباتهم بإعادة هيكلة وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية وإبعاد أدوات إيران عنها، وبنفس الوقت يرسل الرسائل السرية لإسرائيل بدعم ضرباتها للتموضع الإيراني ويبلغها عدم انزعاجه منها، لكن الحقيقة هي أن بشار الأسد ما زال بالحضن الإيراني، وأن كل النوافذ العربية التي فتحت له مقابل فك ارتباطه بمشروع ولاية الفقيه قد أثبت عدم جدواها، وبالتالي الكثير من العواصم العربية عادت خطوات للخلف، وأولها المملكة الأردنية الهاشمية التي طار ملكها إلى واشنطن مستنجداً من غزو المخدرات والسلاح لأراضيه عبر شبكات تهريب من سوريا مدعومة من أجهزة عسكرية وأمنية سورية وإيرانية ومن حزب الله.

تبقى روسيا القاسم المشترك بين الطرفين وهي تستثمر بالخلاف بين تل أبيب وطهران لحصد ملفات سياسية، كالملف الأوكراني وملف الاتفاقيات الاقتصادية التفضيلية التي تحصل عليها موسكو من طهران، مع حرص موسكو الذي لا يقل عن حرص واشنطن بأمن إسرائيل.

فهل تتحرك آلة الحرب الإسرائيلية لاقتلاع جذور التموضع الإيراني في سوريا قبل فوات الأوان، أم أن الخلاف الإسرائيلي الإيراني سيبقى خلاف زعامة وخلاف وكلاء؟

إيران تريد أن تشارك إسرائيل بالوكالة الأمريكية الممنوحة لإسرائيل بالشرق الأوسط، وإسرائيل تريد حصرية التمثيل، وقطف ثمار البعبع الإيراني بمزيد من التطبيع مع الدول العربية دون أثمان مكلفة تتعلق بالقضية الفلسطينية أو انسحاب من الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وبالتالي هناك خدمات متبادلة غير مباشرة بين إسرائيل وإيران، وكلاهما يدرك أهمية الطرف الآخر لمشروعه، وتبقى المنطقة العربية ساحة اختبار لتلك المشاريع وعلى حساب دماء وأرواح العرب.
 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!