الوضع المظلم
الأحد ١٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
سنة ثالثة كورونا.. الكل خاسر
حسام فاروق

بعد ثلاثة أشهر تقريباً من دخول العالم عامه الثالث مع فيروس كورونا المستجد، فقدت كل الروايات والتفاسير المختلفة للأزمة في شهورها الأولى بريقها ولم تعد النظرة للفيرس كنظيرتها بعد سنة أو سنتين من الوباء.

أصحاب نظرية المؤامرة قالوا إنه فيروس "سياسي"، والمتفائلون قالوا رب ضارة نافعة وتوقعوا أن تتغير العلاقات الدولية وتكون أكثر إنسانية، والحقيقة في رأيي أنه لا هذا صدق ولا ذاك.

"كورونا" لا أول ولا آخر الأوبئة، واحتمالية أن يتغير العالم من أجل فيروس، كلام نظري ضعيف وغير مقنع، فالآن ظهرت أزمة كورونا وقريباً سيخرج العالم منها وستظهر أزمات أخرى قد تكون أقوى أو أضعف، فلم تكن كورونا مثلاً بأشرس من الطاعون الأسود، والكوليرا والأنفلونزا الإسبانية.

كان السياسيون في وادٍ خاص بهم يتراشقون هل هو فيروس "سياسي"؟ بمعنى أنه أُوجِد، وهل هناك من صَنَعه لأغراض سياسية لتحقيق مكاسب على حساب طرف آخر؟ وانطلقت في ذات السياق العديد من نظريات المؤامرة المصحوبة بالتساؤلات، ووصفه الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالفيروس الصيني، وتبنى السيناتور الجمهوري، توم كوتون، في صحيفة واشنطن بوست، نظرية تسرب الفيروس من المختبر الصيني، وتعرض حينها لحملة سخرية. وعلى الجانب الآخر، ظهر من يقول صناعة أمريكية، أرادت أمريكا إلصاقها بالصين في إطار الحرب الخفية.

المتفائلون من المنظرين قالوا إن الفيروس سيقلب شكل العالم رأساً على عقب، وإن العلاقات الدولية ستخضع حتماً لمعايير إنسانية جديدة في المستقبل، وهناك من طرح نظرية العالم ما قبل وما بعد كورونا وكيف سيكون هناك بعد إنساني موازٍ للعلاقات الدولية فيما هو آت.

 ثم فوجئ هؤلاء بفصل جديد من الأزمة، برزت خلاله أزمة اللقاحات والأمصال وجنسياتها وشركاتها، و"البزنس" المصاحب لها، وبدلاً من أنسنة العلاقات الدولية التي توقعوها، حدث نوع من التغوّل الذي لم يكن بمعزل عن التسييس، باعتباره تجارة الفرصة المتاحة التي اكتسبت الطابع العالمي، فقبل أيام قال مدير عام منظمة الصحة العالمية على هامش قمة الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي، السادسة، إن الدول الغنية أقدمت على تخزين اللقاحات والشركات، كانت تعطي الأولوية للحكومات التي يمكنها دفع أعلى سعر، مما يجعل الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل في ذيل قائمة الانتظار للحصول اللقاحات، وتعليقي الأنسب هنا "لتذهب الإنسانية للجحيم".   

الأزمة كشفت للعالم زيف الكثير من الإدّعاءات حول مفاهيم القوة وامتلاك العلم والاستعداد لما هو طارئ، ففيروس كهذا أغلق العالم وأدخل نصفه تقريباً في عزلة إجبارية، ولم تستطع أعتى الدول تشدقاً بالتكنولوجيا وقف ركاب الموت، حتى إن بوريس جونسون قالها صراحة "استعدوا لفقد المزيد من الأحبة".

أصحاب نظرية المؤامرة لم يستطع أي طرف منهم إثبات أنه فيروس سياسي وكل الأطراف عانت الموت، وأصحاب الرؤية المتفائلة بأن العالم سيكون أطيب وأكرم وأرحب وأن الإنسانية ستعم العلاقات الدولية بالغوا في تصوراتهم ونبوءاتهم ولم ينقلب العالم كما زعموا، وما حدث فقط هو أن اللقاحات أدخلت الاستغلال والبزنس للعلاقات الدولية بدلاً من الإنسانية، والعلاقات السياسية الدولية التي انتظر المتفائلون أنسنتها لن تتغير من أجل فيروس، حيث تحكمها كلمة واحدة لا ثاني لها هي المصلحة، وكل دولة تسعى لمصلحتها وتفعل ما تراه لتحقيق أهدافها بما يناسب قدراتها وإمكانياتها.  

ما حدث أن الناس تعلمت كيف تعيش لدرجة أنها اعتبرت لوازم الوقاية من الفيروس من متطلبات الحياة اليومية، مثل لوازم الطعام والشراب والدراسة، هذا إلى جانب أنهم وقفوا على الإمكانيات الحقيقية لدولهم وأدركوا أن كل ما يقال لهم عن الإمكانيات والمقدرة على التعامل مع أي مستجد ليس بالضرورة كلاماً صحيحاً، فبعض المجتمعات صدمت في بلدانها، وفي المقابل كانت دول عادية وأقل في الإمكانيات المادية تعاملت بحكمة وذكاء مع الأزمة.

بعد دخولنا العام الثالث، علينا ألا نتسرّع في إصدار الأحكام ونسج السيناريوهات، وليس من الحكمة تصديق كل ما يقال، فالعقل يقول إنه لن ينجو من أي أزمة سوى من يملك القدرة على مواجهتها، والتي لن تتحقق إلا بالعلم والعمل، فهما فقط اللذان يوفران للإنسانية ما تحتاجه لاحتواء هذه الأزمة أو تلك، وليتنا ندرك أن حسابات السياسة والمصالح تختلفت كثيراً عن حسابات الإعلام وحديث المنظرين من مكاتبهم.

 

 حسام فاروق

ليفانت - حسام فاروق

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!