-
سميح شقير لليفانت: ما وصلني من المعتقلين يشعرني بقدرة الأغنية على أن تكون سنداً للروح المحاصرة
نور مارتيني
• أغنية "يا حيف" رفعت سقف الخطاب بمواجهة السلطة وسلوكها الدموي بمواجهة التظاهرات
• وما وصلني ممن التقيتهم من المعتقلين يشعرني بقدرة الأغنية على أن تكون سنداً للروح المحاصرة
• أعتقد أن أهم مقطع في أغنية يا حلب: : " واللي عندهن قُدرة فلّو ، وحدهن الفقرا اللي ضلوا ، حطب لحروب اللي مروا ولأيمتى رح نبقى حطب "
• العود أحد المسارب الأساسية للولوج الى سحر الموسيقى الشرقية
• حينما أرى عادة نسبة الشباب الكبيرة بين الحضور للحفلات التي نقيمها، أشعر بسعادة من نوع خاص
حين غنى للثورة، لم يكن ذلك أوّل عهده بالوفاء لها، فلطالما كانت أغانيه بوصلةً حقيقية لشعب عاش هموم الوطن. فصوته كان أقوى من صوت السجّان وأقرب إلى صرخات الحرّية..كان واسع المدى باتساع سهول حوران..وشامخاً قوياً كجبله..
فنّان لم يخذل الشعب حين التجأ إليه، فكان الأقدر على تجميع درعا والسويداء وحلب وإدلب ودمشق وغوطتها..وابناً بارّاً بالجزيرة بكلّ مكوّناتها، فاستطاع بفنّه أن يلمّ أشلاء ما فرّقته السياسة، وأنّ صرخة الظلم التي وجّهها مسانداً لأبناء الجولان، تردّد صداها في درعا، حين غنى "يا حيف"!..
سميح شقير ..ذلك الصوت الذي أعلن ميلاد الثورة، وأحرج النظام وأخرج ما كان يدور في أقبية التعذيب والموت إلى العلن..بصوته حين غنى أغنيته الشهيرة، أطلق العنان للأصوات الهادرة لتنادي للحرية بعد خوف وتردّد، وحلّق بأطفال درعا في فضاء العالم الرّحب..عالم بلا قيود..ليسمع العالم بأسره صوتهم وهم يهتفون للظلم..أو أصوات نحيبهم وهم يتحمّلون بأجسادهم الغضّة ضربات سوط الجلاد..
غنى سميح شقير للمعتقلين منذ زمن، وتحدّى سجانيهم بصوته العذب وريشة عوده الرشيقة..حين غنى متحدياً سجّانه "يا سجّاني"، تماماً كما ساند قضية الشعب الكوردي حين تحدّث عن صديقه "شيفان".
اليوم يرفع العالم كلّه صوته لينادي بما نادى به شقير منذ زمن، ويناشد المنظمات الدولية ولجان حقوق الإنسان لإطلاق سراح معتقلي الرأي، الذين لطالما دافع عنهم..
في شهر الثورة تقفز أغنية "ياحيف" إلى الذاكرة، لتعيد إلى الذاكرة ألق الومضة الأولى..ولكن الخصوصية التي يمتلكها صوت سميح شقير وفنّه تجعله فناً مواكباً لكل القضايا..
في الحوار التالي الذي أجرته ليفانت مع سميح شقير، نقف معه في محطّات مضت من عمر الثورة، وبالطبع لم يغب المعتقلون عن هذا الحديث، سيما في ظلّ أزمة انتشار فيروس الكورونا المستجد، والمخاوف الحقيقية حول مصير معتقلي الثورة، ونستشرف معه آفاق المستقبل الذي وعدنا به يوماً، حين غنى "قرّبنا يالحرية!"..
https://www.youtube.com/watch?v=QbgC9zjK6TA
-تدخل الثورة السورية عامها العاشر، وما تزال أغنية يا حيف تتربّع على عرش الفن الذي يصطلح على تسميته باسم الفن الثوري أو الفن الملتزم. برأيك هل حظيت "يا حيف" بهذه المكانة المتفرّدة نتيجة للقضية التي أثارتها، أم لكونها عمل متكامل فنياً ؟
- أعتقد أنه قد توافر لهذه الأغنية مجموعة من العوامل التي أدت لانتشارها الكبير وتأثيرها في الناس،
أولها كان معالجتها لقضية ساخنة ومستجدة وتحظى باهتمام المجتمع السوري خاصة واتخاذ موقف واضح مما يجري، وثانيها أنها جاءت في توقيت مبكّر، وأنها قالت ما يعتمل في وجدان معظم السوريين، كما رفعت سقف الخطاب بمواجهة السلطة وسلوكها الدموي بمواجهة التظاهرات.
وثالثاً ربما بسبب خروجها من قلب فنان متألّم على ضحايا بطش النظام، إضافة لكونه منحاز تاريخياً إلى جانب الفقراء والمضطهدين، وأيضاً بسبب اُسلوب الأغنية البسيط والعميق في نفس الوقت، والذي يحكي حكاية المدينة الثائرة؛ تلك الحكاية التي كانت تجري محاولة طمسها وإبعادها عن الإعلام ،
ربما لكل هذه الأسباب وجدت بعد ساعات من اطلاقها عبر اليوتيوب أنها كانت تنتشر كالنار في الهشيم.
اقرأ المزيد: سأكون أمّاً للرجل الذي باع ظهره.. ولا أنوي العودة لدمشق
- استطاع سميح شقير أن يفعل من خلال الفن مالم يتمكّن الساسة أو العسكريون من فعله، فغنى لشيرفان وللقضية الكردية، في حين لم يجرؤ أحد على مناصرتها، كما غنى لأطفال درعا ..غنى للحرية التي خرج السوريون كلّهم طلباً لها، واعداً إياها بالاقتراب..هل يجد سميح شقير نفسه مؤطّراً في قالب معيّن فرضته عليه مرحلة العمل الثوري، أم أنّ هذا الخيار يعود إلى هويته الفنية التي ارتآها لنفسه؟
-التأطير يمكن أن يحدث حين تكون تجربة غنائية ما برعاية حزبٍ ما أو مؤسسة لها غايات محدّدة أو رهينة أي سلطة، أما حين تكون تلك التجربة الغنائية حرّة وتعبر عن ضمير صاحبها ولا يكون هدفها سوى البوح بالحقيقة، ولو تعرض صاحبها للأذى فعند ذاك تصبح هذه التجربة صوت لكثير من الناس الذين لا صوت لهم، ومما لا شك فيه أنه حين تترسخ هذه التجربة في الوعي الجمعي فإنها تصبح مُطالبة من قطاع اجتماعي كبير بأن تعالج بموضوعاتها كل ما يستجد من أحداث كبيرة او تحولات ،
وفي الوقت الذي أدرك شخصياً هذه المُطالبة وأتلامس معها لكني عملياً شديد الحساسية من أي ضغط معنوي يحاول دفعي باتجاه محدّد، وقد ثبت للكثيرين بأن أي محاولة لتأطيري هي في حكم المستحيلة وقد مر ّمن الوقت والتجارب ما يكفي لمعرفة ذلك.
-غنيت أغنية "يا سجاني" وهو مفهوم لم يتطرّق إليه أحد سواك، إلى أيّ حدّ تعتقد أن من يطلق عليهم رموز المعارضة السورية من المثقفين والأدباء أدوا رسالتهم الأخلاقية تجاه قضية المعتقلين؟
في الحقيقة لا يحضرني مثال ولكني لا أظن بأني الوحيد الذي خاطب السجان في أغانيه، إلا أني أعتز كثيراً بأغنية " هيه يا سجاني " وقد ارتبطت بذكريات عشرات آلاف السجناء السياسيين في عموم الوطن العربي وداخل سجون الاحتلال، أولئك الذين خاضوا تجربة الاعتقال، وما وصلني ممن التقيتهم منهم يشعرني بقدرة الأغنية على أن تكون سنداً للروح المحاصرة ونافذة في حائط معتم.
وعن الشق الثاني من السؤال، فأرى أنّه مع استمرار هذا الواقع الكارثي وتداعياته فمن الطبيعي أن لا تكفي كل الجهود المبذولة خاصة وأنّها جهود غير مؤثرة بصنّاع القرار ، ولكن لا شك بأن هناك تباين في الأداء بين هؤلاء الأشخاص ومن الصعب وضع الجميع في سلة واحدة.
اقرأ المزيد: من عزله المنزلي..علي الحجار يطلق برنامجاً جديداً
- أغنيتك لحلب لخّصت تاريخ المدينة، واستخدمت فيها عبارة ميت السلامة التي يتداولها أهالي حلب في أحاديثهم، وتناولت بدقّة تفاصيل ما مرّ على هذه المدينة، وكأنك تقدّم ملخّصاً عن تاريخ المدينة، هل تعتقد أنك أوصلت الرسالة لمن ينبغي أن يسمعها؟
أعتقد أن أهم مافي هذه الأغنية هو المقطع الذي يقول: " واللي عندهن قُدرة فلّو ، وحدهن الفقرا اللي ضلوا ، حطب لحروب اللي مروا ولأيمتى رح نبقى حطب "
لأن بالإجابة على هذا السؤال يمكن فكفكة المشهد المعقّد، بالخروج من حالة أن نكون كفقراء أدوات لمشاريع وأجندات وحروب بيد الآخرين او مُسَّخرين لخدمة سلطة تتحالف مع رأس المال وقوى طائفية او حتى شيطانية ، سيّان ، إذ ليس من همٍّ لها سوى استمرارها ودوام هيمنتها.
- هل تعتقد أن التجارب الفنية التي أطلقت خلال سنوات الثورة العشر تليق بالمرحلة؟
بالتأكيد لا، خاصة إن تحدثنا عن النوعية وليس الكمية.
-للعود مساحة فريدة في كلّ أغانيك، أو أنّه تحوّل إلى هوية خاصة بك..ما هو الإحساس الذي يوصله العود دون غيره من الآلات الموسيقية؟
العود آلة تختزل روح الشرق وتحيلك نغمة أوتاره إلى مخزون عاطفي عميق، ويوماً بعد يوم وعلى يد العديد من المبدعين على هذه الآلة يكتشف العالم أن العود آلة ثرية بإمكاناتها، وأنه أحد المسارب الأساسية للولوج إلى سحر الموسيقى الشرقية.
اقرأ المزيد: طفلتان مصريتان تحصلان على جائزة موسيقية أوروبية
- سميح شقير علامة فارقة في الفن السوري النخبوي – إذا صحّ التعبير- وقبل اندلاع الثورة السورية بعقود، ولكنّه ترك بصمة لدى الجيل الذي فتح عينيه على الثورة، في الذكرى السنوية التاسعة ما هي الرسالة التي ترغب في توجيهها لهم؟
حينما أرى عادة نسبة الشباب الكبيرة بين الحضور للحفلات التي نقيمها، أشعر بسعادة من نوع خاص ، وكأنما أنتَبِه لمعنى أن يتابع جيل جديد اغنيات وُلِدَت قبل أن يولد، بل ويأتي متشرِّباً تلك الاغنيات وعاشقاً لها، وهذا يعني أيضاً أنني التقط شيئاً من إيقاع زمن جديد، وأعبّر عنه بأغنيات جديدة تثير اهتمامهم وهذا يعني استمرار هذه التجربة الغنائية بتجديد ذاتها مع بقائها وفيّةً للمعاني التي انطلقت منها وهذا يعني لي الكثير.
وما أريد أن أقوله للصبايا وللشباب أننا ننتظر أن تبرز من بينهم تجارب جديدة تأخذ على عاتقها السير في ركب أغنية تعاكس السائد ولا ترهب وعورة طرق جديدة لا بدّ من تعبيدها، ولا بدّ من استمرار وجود اغنية
عميقة تتحسس الواقع وتعبّر عنه بشفافية، أغنية منحازة للعدالة الاجتماعية وللجمال والحب والسلام،، ومن أجل ذلك تجعل من الموسيقى والصوت البشري إبداعاً يُلهم الناس ليدافعوا عن حقهم ببناء عالم جديد. وساستعير عبارة قالها مؤلف موسيقي يوناني شهير هو (ميكيس ثيودوراكيس ) أثناء نضاله ضد الفاشية :" اغنيتي اقوى من دباباتهم "
وبالفعل هُزم الفاشيون وبقيت أغانيه حيّة في الضمائر وعلى الشفاه، ورقص العالم على موسيقى "زوربا" التي ألّفها فيما بعد ممجداً الفرح الإنساني .
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!