الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
سراقب.. ضحية أحلام
شيار

تحوّلت مدينة سراقب السورية من منطقة واقعة على طريق استراتيجي في الشمال السوري، إلى مركز للعمل المدني والسلمي في الثورة السورية، إلا أنها ما لبثت أن وقعت بعد عدة سنوات من الثورة السورية لتصبح "قربان" للسلطان العثماني، والقيصر الروسي، تحت مسمى المصالح الاستراتيجية المتبادلة في المنطقة، واختصارها من منطقة سورية هامة تربط حلب بدمشق، نظراً لموقعها الهام على الطريق الدولي M5 وقربها من الطريق M4.


من بلدة صغيرة تحت حكم آل الأسد إلى نقطة احتجاج لكافة السوريين، تروّج للّاعنف والسلمية في التظاهرات، إلى منطقة استراتيجية هامة للزعيم العثماني أردوغان والقيصر الروسي بوتين، اللذين حوّلا المنطقة إلى نقطة اشتباك للقضاء على ما تبقى من الرمزية السلمية للسوريين، تحت شعار محاربة الإرهاب والدفاع عنها.


عُرفت سراقب المدينة، أولى أيام الثورة السورية، عندما كان الطرفان الروسي والتركي يخططان للتدخل في شؤونها، ورسم مخططاتهم الاستعمارية في البلاد، وسرعان ما تقلّبت المصالح والأحداث، لأتعرف أكثر على أبناء سراقب من الداخل في معتقلات النظام السوري عام 2013، حيث كانت جدران فرع فلسطين بدمشق، أكبر لوحة فسيفسائية جمعت السوريين هناك، فكانوا السند والنغم للأغاني التي تتحدث عن الحرية.


كانت سراقب العروس التي رفعت شعار الانتماء للأرض والإنسان، تحت مسمى سوريا وطنٌ لكل السوريين، بعيداً عن الشوائب السياسية التي كانت تجوب البلاد، طمعاً بخلق معسكرات ومستوطنات متطرفة، لها امتداد إخواني وآخر أسدي.


أُسطقت جدران سراقب ورسوماتها المَدنيّة، حالة الخوف لدى السوريين من الداخل، الطامحين لبلد يسكنه كل السوريين، بعيداً عن شعارات البعث والجماعة، فتحوّلت تلك الجدران مع مرور الأيام إلى اسطورة ناطقة باسمهم.


تحولّت مدينة سراقب إلى ورقة بيد الكتل "المعارضة" فتناوب عليها من وكّلوا أوامرهم للمحيط الخارجي الأقرب، وفي أوائل عام 2017 سيطرت عليها حركة أحرار الشام الإسلامية، للقضاء على مدنيّتها، وليخلّفها بذلك جبهة فتح الشام وفصائل أخرى ناشرين تخلّفهم الفكري والجهادي على تلك الجدران.


فيما بعد، أصبحت المدينة الضحية، نقطة ارتكاز لقصف القيصر الروسي والنظام السوري، منذ عام 2018، حيث شهدت أسواقها ومنازلها وجوامعها، وجدرانها، العديد من المجازر، إضافة إلى استخدام مادة الكلور فيها عام 2018 من قبل النظام السوري.


بعد كل ذلك، اختصر تاريخ تلك المدينة خلال الأعوام الماضية، بتفاهمات تركية روسية على أرض سورية، حيث شنّ النظام هجمة على الجيش التركي في المنطقة، ليقابله قصف مضاعف من النظام، ولتأتي بعدها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه على الروس والنظام الانسحاب من المنطقة حتى نهابة فبراير، فكانت النتيجة، قصف جدران سراقب، والقضاء على تلك النقطة الرمزية للسوريين، والتي تشكل بنفس الوقت هدفاً مهماً للمصالح التركية الروسية في المنطقة.


هكذا، تحوّلت جدران سراقب، كما جدران أغلب المدن السورية، إلى ضحية من ضحايا الصفقات التجارية السياسية في سوريا، بعيداً عن الخطوط الحُمر التي كان يدعي أردوغان بالدفاع عنها، محاولاً تمرير أجنداته وأحلامه على حساب السوريين وأحلامهم.


صحفي وكاتب-مدير تحرير ليفانت نيوز

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!