الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
سؤال وجواب: لقاء مع السياسي السوري فواز تللو
سؤال وجواب لقاء مع السياسي السوري فواز تللو

إعداد ومتابعة: شيار خليل


ثمانية أعوام والسوريون يترقبون أجوبة شافية عن أسئلتهم تلك، التي تتمحور حول سوريا الوطن والمواطنة والثورة، الوطن الذي تحول إلى ساحة حربٍ من قبل الدول المجاورة والأجندات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي دخلت ثورة السوريين على حساب كرامتهم ومستتقبلهم بدولة حرة مستقلة تجمع كل السوريين.


نلتقي مع الأستاذ فواز تللو، سياسي سوري، ومدير مركز آفاق مشرقية للدراسات، لتخوض معه ليفانت نيوز، عن الفرق بين الضحية والجلاد، وعن مستقبلٍ مازال السوريون يرتقبونه بألم، هنا نخوض مع الأستاذ فواز عن الساسة السوريين، والتحالفات السياسية التي تشكلت على حساب ثورة السوريين اليتيمة.


فكان لنا الحوار التالي مع الأستاذ فواز تلو:


على مر هذه الأعوام منذ بداية الثورة السورية، هناك من ساوى بين الجلاد والضحية، برأيك هل تحول البعض من الضحايا إلى مروجين لنجاحات الجلاد؟


ليست الضحية من تروج لجلادها المباشر، من تعنيهم لم يشعروا حقاً بأنهم ضحايا وغالباً لم يقدموا أو يخسروا شيئاً من أجل الثورة، هم من أيدوا الثورة في أوج قوتها لأنهم توقعوا انتصارها، وعندما تراجعت الثورة لصالح النظام قرروا تغيير اصطفافهم تحت شعارات مختلفة فضفاضة تبريرية من قبيل: "وقف شلال الدم السوري" أو "كنا عايشين"، هؤلاء موجودون في كل زمان ومكان وثورة لكن على الهامش بلا أي تأثير ذا قيمة.


هل استطاع النظام تشتيت المعارضة السورية من خلال دفعها عن طريق بعض الشخصيات بإحداث منصات وكتل عديدة؟


ليس النظام فقط من سعى لذلك، بل أيضاً الروس والأمم المتحدة ومن ورائها الأمريكان والأوربيون، والهدف كان ابتداع معارضة عميلة أو هزيلة تفرّط بالثورة ومطالبها، والمسؤولية ليست على النظام ولا على هؤلاء بل على من قبل ذلك، ممن خدع جمهور الثورة وتنطع للصدارة، بدأ ذلك من المجلس الوطني الذي قاده غليون والذي افتتح عهده بمحاولة ضم هيئة التنسيق التي لا تنسق إلا مع مخابرات النظام الأسدي، مروراً بالائتلاف فهيئة التفاوض بمن فيهم من استقال بعد أن بات على الهامش باحثاً عن دكان جديد يرتزق منه سياسياً ومالياً، لينتهي الأمر إلى أن تكون المعارضة عبارة عن "خان" يضم كوكتيل من العملاء والمرتزقة الذين يمثلون مصالحهم الشخصية ومشغليهم تحت اسم منصات، حيث تصرف هؤلاء الأشخاص منذ البداية كأن التفويض المعطى لهم من شارع الثورة بات ملكية خاصة يتصرفون بها وفق أهوائهم ومصالهم، والأمر كما أسلفت بدأ منذ أول "مجلس وطني" ولا زال مستمراً وفق قاعدة وضعها المشغلون من نظام أسدي وإيران وروسيا وأمريكا وأوروبا ودول الإقليم تتلخص بـ "البقاء للأكثر استعداداً لتقديم مصالحه الشخصية على مطالب الثورة وتقديم التنازلات لمشغليه بل حتى لمنافسيهم أحياناً، وأفضل ما يمكن أن نشبه به هذه المعارضة وشخوصها المؤثرين منذ يومها الأول وعلاقتهم بمشغليهم بأنها منصة صنو لمنصة "الجبهة الوطنية التقدمية" التي أسسها "حافظ أسد" لتدجين معارضة على قياسه لتصبح هاتان المنصتان من قبل النظام والمعارضة "التكية" التي يتعيش عليها روادها سياسياً ومالياً.


ما دور الإخوان المسلمين وحلفائهم من بعض اليسار السوري بتهديم الحلول السياسية في سوريا، والسعي لتشتيت المعارضة؟


هم بعض ممن أسلفت ووصفتهم في الإجابة السابقة إلى جانب طابور طويل من مدعي تمثيل الثورة تحت مسميات مختلفة، لكن طبعاً الدور الأساسي كان لبقايا حركة الإخوان المسلمين وبقايا اليسار ومعهم بقايا "إعلان دمشق" الذي ضم بقايا اليسار ومدعي الليبرالية من "زلم" رياض الترك وعلى رأسهم جورج صبرا وسمير نشار.


أذكر هنا أننا لا نتحدث عن حركة الإخوان المسلمين التي انتهت عملياً ومادياً وفيزيائيا وسياسياً واجتماعياً على يد حافظ أسد في أحداث الثمانيات نتيجة قمعه الوحشي لهم ولكل المجتمع السوري بمن فيه اليسار، بل أنا أتحدث هنا عن من أسميهم "بقايا الإخوان المسلمين في سوريا" الذين قفزوا للواجهة مدعين جذوراً مجتمعية لم يعودوا يملكوها، ويتمثلون ببضع عشرات عاشوا في المنفى لبضعة عقود هرباً من قمع النظام الأسدي، ليقدموا أنفسهم بعد الثورة بدعم إقليمي كحركة لا تضم عملياً أكثر من هؤلاء البضع عشرات مع أقربائهم وبعض الانتهازيين الجدد، لينخرط جميع من ذكرت في مؤسسات ومنظمات مبتدعة يصل عدد موظفيها المستفيدين إلى عدد أفراد هؤلاء البقايا، تماماً كنموذج أحزاب ومنظمات "الجبهة الوطنية التقدمية" التي ابتدعها حافظ أسد.


أما بالنسبة للسؤال عن "تخريبهم للحل السياسي" فإنني أود أن أشير أن ليس هناك من حل سياسي تم تقديمه أصلاً ليخربوه. ويقتصر دورهم على "البصم" على ما يريد مشغليهم الدوليين والإقليميين، وبالتالي يلام هؤلاء من محتلي واجهة المعارضة السورية من بقايا اليسار وبقايا الإخوان المسلمين في سوريا ومدعي الليبرالية وكل من احتل الواجهة ولو لفترة، يلامون لعدم تقديمهم أي رؤية واستراتيجيات للثورة متضمنة شكل الحل السياسي المناسب لأهداف الثورة، بينما من يمكن أن يلام على تخريب أو عدم وجود حل سياسي أصلاً هم مشغليهم الدوليين والإقليميين الذين يتخبطون بل ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في تخريب الثورة وإنقاذ النظام الأسدي منذ لحظة اندلاع الثورة وحتى اللحظة، بقصد من بعضهم وبسوء سياسات من بعضهم الآخر.


تقول أن أي جهد استراتيجي للحل في الشأن والملف السوري لا يحمل مضموناً ورؤية أو برنامجاً سياسياً واضحاً يعد جهداً لا قيمة له!! كيف تكون تلك الرؤية وسط هذه الفوضى السياسية برأيك؟


أي حل سياسي لا يعترف بحقوق الشعب السوري في الحرية والكرامة كما هدفت الثورة، وطالما لا يتم تعريف النظام الأسدي على أنه نظام طائفي نازي إرهابي كأشخاص وقادة يجب محاسبتهم، وكمؤسسات أمنية وعسكرية وسياسية يجب استئصالها، طالما لا يتم الاعتراف والانطلاق من كل ذلك فلن يتم تعريف حل سياسي مقبول، بل مجرد لعب على هامش السياسة تقطيعاً للوقت مع تدميرٍ إضافيٍ لسوريا أرضاً وحجراً ومجتمعاً، فالهدف مما يتم طرحه حالياً وسابقاً كمضمون للحل السياسي هو الحصول على استسلام غير مشروط للثورة وللسوريين لصالح النظام، وهو أمر لن يتم ولو طلعت الشمس من مغربها.


من الواضح أن الطرفين الروسي والأمريكي يعملان على تأطير الحلول السياسية في سوريا وفق مصالحهم الاقتصادية، ومدى توحدهم بطرد الإيراني من سوريا، هل ترى أن هذا التوحد لصالح السوريين في المدى البعيد وتحديداً فيما يتعلق بالموضوع الإيراني؟


أمريكا أوباما هي من فوضت الروسي وقبله الإيراني بالتدخل في سوريا لإنقاذ النظام، والحل السياسي الذي يبحثون عنه هو انتصار النظام الكامل مقابل استسلام غير مشروط ومذل للثورة السورية والسوريين، كما أن الطرفين لا يبحثان عن إخراج ملالي إيران من سوريا بغض النظر عن التصريحات المسرحية، وما يقال عن ذلك من طرفنا يدخل في إطار الأساطير والأكاذيب التي يسعون لأن نصدقها، وبناء سياساتنا على أساس هذه الأساطير يمثل خطيئة سياسية كبرى بحق ثورتنا.


تلك التوافقات بين أمريكا وروسيا، كانت بالتوازي مع وعلى حساب سحب الملف السوري إلى آستانة، وبالتالي فرض هيمنة روسية على الملف السوري، ما رأيك بذلك؟


تماماً، هذا ما حصل، ويندرج في ملف إنقاذ النظام الأسدي الطائفي وإفشال الثورة السورية وكذلك تكريس الهيمنة الإيرانية بعكس ما تقول الأسطورة.


تحولت أحلام تركيا من مناصرة ثورة السوريين، إلى مطاردة أحلام الكردستاني في سوريا، واضعة خلفها جميع الجبهات، ولعل التخلي عن بعض المناطق في الآونة الأخيرة بإدلب كان خير دليل، ألا ترى أن التركي كان جزءاً من تفتيت المعارضة السورية، وتشتيت البوصلة عن الأهداف الأولى للثورة؟


ليست أخطاءً سياسية تركية فقط، بل إقليمية للقلة التي قالت بصدق بصداقة الثورة السورية (ونحن نتكلم عن دولتين أو ثلاثة)، ولمن ادعى صداقتها وطعنها من الخلف والأمام كمعظم الدول الأخرى، والجميع يدفع ثمن أخطائه اليوم بعدم تقديم دعم عسكري حقيقي ودعم سياسي في محله للثورة السورية، فإيران الملالي تتمدد في الخليج العربي والمنطقة، وتركيا باتت تواجه دويلة أقامها حزب العمال الأوجلاني الإرهابي في سوريا تحت غطاء أمريكي بعد أن كان إنهاء هذا السرطان في سوريا ممكناً وبسهولة قبل التدخل الأمريكي، تماماً كما كان الأمر في إنهاء النظام الأسدي ميسراً قبل التدخل الروسي، أمريكا وروسيا وإسرائيل وإيران عملياً في خندق واحد يتلاعبون بتركيا والسعودية وباقي العرب.


تلك الأحلام بمطاردة الكردستاني تحولت إلى ورقة سياسية على أرض الواقع، وبات التركي جزءاً من الحلول السياسية والعسكرية في الشمال السوري، ألا ترى أن تورطها باحتلال عفرين، وتدخلها في المنطقة الأمنية شمال شرق سوريا، بداية لاستنزاف تركيا سياسياً وعسكرياً؟


تدخل الأتراك كان نتيجة طبيعية لكن متأخرة، طبيعية لأن هذا التنظيم الإرهابي لا مكان له في سوريا كما لا مكان لأي أحلام انفصالية، كما أن أي منطقة في سوريا اليوم لا يوجد فيها تواجد مباشر سياسي وعسكري إقليمي أو دولي؛ هي موضع تنازع والرابح هو النظام الأسدي والإيرانيين، لذلك كان تدخل تركيا مطلوباً لحماية مصالحها ومصالح الثورة التي تتقاطع معها كثيراً في هذه النقطة، لكن المشكلة كمنت في الطريقة الكارثية التي أدارات بها هذه المناطق "السورية" التي سيطرت عليها لا في السيطرة عليها.


في الحقيقة أتمنى أن أرى قوات سعودية إلى جانب التركية في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون لتدخل أيضاً باقي المناطق المحررة في الشمال السوري بما يحقق توازن المصالح ويعطي هذه المناطق الحصانة من القصف والتهجير وإعادة احتلالها من قبل الروس وملالي إيران وتابعهم النظام الأسدي، تمهيداً للانطلاق مجدداً لتحرير دمشق وإسقاط النظام الذي يحتلها كمقدمة لا غنى عنها لإسقاط مشروع ملالي إيران في المنطقة وطرد الروس ووضع حد لإرهابهم، ناهيك عن التخلص نهائياً من قوى التطرف الطارئة التي أقحمت نفسها في الملف السوري مستغلة حالت الفوضى والتخلي الذي مارسها المجتمع الدولي تجاه السوريين وثورتهم اليتيمة.


ألا تخشى أن يصفك البعض بأنك تدعو إلى احتلال سوريا من قبل قوات خارجية، وخاصة أن القوات التركية المتواجدة في عفرين سمحت للفصائل المتحالفة معها بارتكاب انتهاكات كبيرة بحق السكان الأصليين في المنطقة؟


إن الكلام عن أي استقلال اليوم هو مجرد مزايدات، انتهى ذلك العهد منذ التدخل الأمريكي والروسي والإيراني وعلى كل طرف سوري أن يبحث عن حليف خارجي فاعل على الأرض السورية أو سينتهي.


بالعودة إلى الحل السياسي في سوريا، هناك محاولات عديدة بوضع دستور سوري من قبل جهات حقوقية وأخرى سياسية بمشاركة النظام والمعارضة، كيف ترى بوادر تلك الحلول وسط الدمار والميليشيات التي تغزو سوريا جغرافياً؟


اللجنة الدستورية ونتائجها مجرد تضييع للوقت وتسلية سياسية لن تؤدي لشيء، فالصراع السوري والإقليمي والدولي مستمر، ويجري تجميل الموقف الدولي بهذه الحركات.


يخشى الكثيرون من ضحايا هذه السنوات الثمانية، بأن يبقى الأسد كنظام حكم، في حين يتخوف البعض الآخر من ذهاب الأسد وقدوم كتلٍ متحاربة تفقد بوصلة المواطن والمواطنة، أنت ماذا ترى في الأفق البعيدة القريبة سياسياً وعسكرياً؟


النظام انتهى، ما نراه هو وكيل يقود مجموعة ميليشيات ستتناحر فيما بينها، الصراع في سوريا بات اليوم عالمياً وسيتعزز ذلك بدور أمريكي آت بعد أن رحل أوباما الحليف الطائفي لملالي إيران بغض النظر عن التجديد المتوقع لترامب أو قدوم رئيس آخر، وبالتالي النظام ورأسه مستمران حتى حسم هذا الصراع الدولي الذي سيستمر لسنوات وربما لما يزيد عن عقد من الزمان، لكني أجزم أنه سينتهي بزوال النظام الطائفي كاملاً، وفعلينا بالصبر وتصحيح مسارنا.


كلمة أخيرة مفتوحة لك؟


من معجزات ورحمة الله أن استمرت الثورة حتى اللحظة وسط هذه الفوضى من غياب قيادة حقيقية واستراتيجيات مناسبة مع تآمر وتكالب دولي وإقليمي وعربي غير مسبوق، لذلك وحتى نستطيع الاستفادة من الصراع الدولي والإقليمي القائم والمستمر على أرضنا السورية لابد أن نكون فاعلين فيه لا مجرد أدوات؛ لذلك لابد لنا من بناء قيادة سياسية/عسكرية حقيقية تتعامل مع الجميع وفق المصالح المشتركة لا على حساب مصالح ثورتنا، وهي قيادة كان ولا زال بناؤها لا يتم إلا بتوحيد القوى العسكرية للثورة بالقوة الداخلية مع قيادة سياسية حقيقية، مما يعني حكماً طرد واستبعاد كل الفاشلين السابقين والحاليين وكل الصيغ والمقاربات السابقة والانطلاق من الجهود الذاتية دون أي وصاية للعمل على المصالح المشتركة مع الأصدقاء الحقيقيين بعد تحديدهم، بل مع كل العالم، والاختلاف معهم بطريقة ترضي الطرفين إن في مواقع أخرى ... وهو ما أرجوه وإن كنت لا أرى بوادر لخطوات عملية باتجاهه حتى اللحظة وإن كان الوعي به يزداد تدريجاً.


خاص ليفانت-برلين

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!