الوضع المظلم
الإثنين ١٣ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
زيارة .....قيصر
عبدالعزيز مطر

لم يكن مفاجئاً ذلك الإهتمام الإعلامي الكبير بزيارة السيد بوتين إلى دمشق والكم الكبير من التحليلات التي رافقتها من حيث طبيعة التوقيت الذي أتت فيه، ومن حيث الطريقة التي تمت بها تلك الزيارة والنقاط والمفاصل والرسائل التي تضمنتها تلك الزيارة القصيرة نسبياً مقارنة بدلالاتها، ورسائلها،وتشعب أهدافها، الزيارة أتت مفاجئة حتى لمن يعتقدون أنهم يمثلون السيادة الوطنية وأنهم من يمثلون السلطة الحاكمة في دمشق، وتلاشت تلك السيادة بعد إستدعاء بوتين لرأس النظام إلى القاعدة الروسية وظهوره الباهت الذي يعبّر عن شخص فقد كل شيء حتى منصبه في نظر من يعتقد أنه حليفه.


وأتت هذه الزيارة في ظل ظروف ومناخات معقدة على المستوى الإقليمي والدولي، فهي أتت مباشرة عقب الضربة الأمريكيه لأحد رؤوس الإرهاب في الشرق الأوسط ومقتل قاسم سليماني قائد الميليشيا الارهابيه المسماة فيلق القدس، والتوتر الذي صاحب هذا الاستهداف وخيّم على سماء المسرح الخليجي والعراقي.


وأتت هذه الزياره خلال إستمرار الهجوم التي تنفذه قوات النظام السوري وحلفائه، على مدينه إدلب عقب الانتصار الذي حققته الآلة العسكرية الروسية في ريف مدينه حماه، وتأتي في ظل الانعكاسات والارتدادات التي مازالت حتى الآن تهزّ الشمال السوري على وقع عملية نبع السلام والخلاف بين الجمهورية التركية وبين قوات سوريا الديمقراطية، ومن خلفها صراع خفي مع داعم هذه القوات وعلى وقع انتشار القوات السورية في أجزاء من الشرق السوري الذي غاب عنه لخمس سنين، وأتت في ظروف إصرار التحالف الدولي على كبح جماح إيران في سوريا والمنطقه بشكل عام، بالإضافه لمايحدث في ليبيا من معارك وتشكيل تحالفات عسكرية تلهب الصراع الليبي، وتجعل من السوريين وقوداً لصراع لا ناقة لهم فيه ولاجمل.


هذه الظروف التي اتت بها هذه الزيارة، والتي جعلت من القيصر الروسي لاعباً ورقماً صعباً في كل هذه التجاذبات الإقليميه والدولية له رؤيته الخاصة وحساباته التي تكفل تأمين مصالحه انطلاقاً من تموضعه الجديد في سوريا، وانطلاقه من هذا التموضع الجديد ليكون له اليد الطولى في الملفات السابقه وفي إدارة هذه الصراع والاشتراك في إيجاد حلول لها حسب ماتتطلبه مصالح القيصر، فالهيمنه الروسيه على الملف السياسي والعسكري للأزمة السورية، والانتصارات التي حققها الروس على الصعيد العسكري والسياسي اكسبته أبعاد كثيرة، أقلها الامساك بضوابط الصراع وحوامله بين الإسرائيليين والإيرانيين على الأرض السورية، فماترغب القيام به إسرائيل في سوريا يجب أن يكون بتنسيق مباشر مع الروس، ولعل ابرز ما حققته السياسة الروسيه التي جاءت الزيارة لتوجه رسائل سياسيه للجميع وأهمها أن ملف الصراع والسلام في سوريا هو بيد الروس، وهي الوحيده حالياً القادرة والمتحكمة في استمراره أو إيقافه، وإن اتساع فضاء هذه السياسة وتمددها وشمولها ملفات كالصراع في ليبيا والصراع في شمال سوريا بين الأتراك وقوات سوريا الديمقراطيه، والصراع الإسرائيلي الإيراني، هو الواقع الحالي الذي ينبغي للجميع التفاعل معه بواقعية، سواء على المسرح الدولي والإقليمي الذي يتأثر بشكل أو بآخر بهذه الملفات، ومايلفت النظر مؤخراً هو بدء كثير من السياسات الخليجيه الانجذاب باتجاه السياسة الروسيه سواء اتفقنا معها أو اختلفنا كما يحدث من التقارب الخليجي الروسي بشكل عام، وهي منطقة لم يكن ليقترب الروس منها لولا انتصارها وفعاليتها على المسرح السوري بشكل خاص والإقليمي بشكل عام.


لم تقتصر هذه الرسائل على الخارج فهي موجهة للداخل الروسي وتدعيم جبهة بوتين الداخليه ومنعها من الاهتزاز، عن طريق إبراز هذه الانتصارات وخصوصاً السياسية والتوسع الكبير للفعالية الروسية في عدة مناطق، يتأثر بها المسرح الدولي وعودة روسيا كقوة عظمى على غرار ماكان الاتحاد السوفيتي سابقاً، ولكن مع تعديلات كبيره لها أبعادها الاجتماعيه والدينيه أيضاً، فزيارة بوتين واستقباله من رجال الدين المسيحي وزيارته للمسجد الأموي له دلالاته الكثيره التي سيتلقفها الداخل الروسي الذي يخشى من أي ارتدادات لما حدث في سوريا على طبيعة التنوع الإثني في الجمهوريات الروسية

والعلاقة ضمن هذا التنوع، بالإضافة إلى إعطاء تطمينات لمسيحي سوريا والشرق أن الروس هم من يهتمون بحمايتهم وحماية مقدساتهم، ورسالة بنفس المقدار لمسلمي سوريا حيث يحاول بوتين إضفاء شخصية الصديق لكل السوريين وليس لمكوّن ضد آخر، وللتخفيف من وقع ماسببته الآله العسكرية الروسية من قتل ودمار في المدن السورية ذات الطابع الاسلامي.


باختصار شديد، كانت هذه الزيارة، هي زيارة قيصر منتصر بكل ماتعنيه الكلمة من معنى، وتأكيداً لهيمنتها على القرار السوري، ولتؤكد للداخل السوري أيضاً أن لاسيادة وطنية حالية في ظل إستمرار الأزمة الحالية، ولتؤكد مرة تلو أخرى عدم أهلية النظام السوري ومعارضته البائسة في الامساك بزمام القرار السيادي الوطني، وأن عنوان المرحله المقبلة في سوريا هو السلام أو الحرب على الطريقة الروسية، وللإقليمي، روسيا موجودة في كل الملفات الإقليميه وهي ستكون موجوده على أي طاولة، وللدولي، لاقطب أوحد بعد اليوم.


عبد العزيز مطر - إعلامي سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!