الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
روسيا (بوتين).. الترهيب وجنون مدقر
إبراهيم جلال فضلون (1)

مُنذ العصور القديمة كان يحكم الملوك والأباطرة والرؤساء المُثيرون للجدل، فمنهم من اشتهر بمشاكله النفسية أو العقلية أو العملية المُكتسبة، حتى لازم بعضهم "جنون العظمة"؛ لتتوشح أفعاله برداء من تخويف الرعايا أو الأبناء والأقارب، وصلت لدرجة الموت بجنونهم.

فذلك "إيفان الرهيب" كان أحد أشدّ الحُكّام قسوة في تاريخ روسيا الطويل: (طاغية مجنون متعطّش للدماء، قتل ابنه بنفسه)، متأثراً بفقد والديه وهو طفل،  وتعرّض للتعذيب على أيدي أعضاء حكومته، فجُنّ جنونهِ، حتى إنه عند توليه السُلطة في الرابعة عشرة من عمره، أطعم رئيس الحكومة "كلاباً".

وما السياسة إلا ألاعيب، فقد ظنّ مجلس روسيا أنهم يستطيعون السيطرة على الإمبراطورة "آنا إيفانوفنا" التي حكمت بين عامي 1730 و1740 وجعلها مثل الدمية، وكان عصرها واحداً من أكثر الفترات رعباً في تاريخ روسيا، وقصتها عبارة عن مزيج خلط السلطة المطلقة بالجنون التام، فاشتهرت بـ"مقالب" عنيفة ووحشية، وكانت تُحب أن تقتل البشر أو تعذبهم بطرق مُضحكة، حينها كانت الشرطة السرية قد تأسست، وكانت كلمة أو حرف خارج سياقها من المُمكن أن تقتل أو تُعذب، وحتى سوء طهي طعامها قد يودي بالطاهي إلى الإعدام تماماً. وكانت تجد التسلية بإذلال من يخطر ببالها، بإرغامه على تقليد دجاجة أو كلب لساعات أمامها، فقط من أجل أن تضحك هي، وفي حال لم يكن التقليد جيداً أو لم يعجبها ويضحكها فكانت تُرغم هؤلاء الأشخاص على النوم عراة في ثلج شتاء روسيا. 

هكذا الوضع الروسي لبوتين في أزقة أوكرانيا ومعاملاته السلطوية بدول تشدّقت بسياسة الأرض المحروقة ورضخت له، كالشيشان حالياً، بل وقهر صوت الأطفال الروس ممن رفعوا لافتات (الحرية)، وقمع الحريات الإنسانية التي يُمارسها، وتُناقض أفعاله كلماته، فحين ولد زيلينسكي عام 1978، كان بوتين في عُمر الـ26 يعبث بين رُدهات الـ(KGB) باسم مُستعار، وقد أتقن حيل التضليل ومهارة الإفلات من خصومه ومطارديه، فقد كان مُكلفاً بسرقة أسرار الغرب وتجنيد الجواسيس أو اكتشافهم. ولم يدر في خلده أن الإمبراطورية العظيمة ستتفكك، وأن الجمهوريات التي كانت محشورة في القفص السوفياتي ستُسارع إلى تبديل قواميسها وخلع ثيابها وسترتمي بأحضان الغرب، حينها زاد اقتناع بوتين أن روح الأمة استدعته وكلفته بمهمة مُقدسة.

وحين قفزت أوكرانيا من قطاره السوفياتي، كان زيلينسكي صبياً في عُمر المراهقين (13 عاماً) بين غيوم التقليد وإضحاك أقرانه، ولم يشعر مرة أن التاريخ يفتح أبوابه ليستدعيه وعليه الاستعداد لدفة قيادية مُنعطفاتها حادة، فذهب إلى موعده مع التاريخ، عما فعله الرجل الذي جلس على عرش بطرس الأكبر وأطلق الانقلاب الكبير على العالم الذي اغتال الاتحاد السوفياتي وحرّك بيادقه لتطويق بلاد ستالين، ليشهد التاريخ خطواته عبر مبارز الدُب المُخابراتي المُخضرم في حلبة الغزو الدامية، تلك المؤثرة على أمن العالم وتوازناته واقتصاده الذي بدأ ينهار.

ولما راح بوتين يلاعب قادة الغرب ويسخر من سقطاتهم، استرجع بوتين شبه جزيرة القرم في 2014، ولم يكن العالم يعرف شيئاً عن زيلينسكي، الممثل الأوكراني في مسلسل «خادم الشعب»، حينها بدور تسلق السلم الاجتماعي تدريجياً حتى صار رئيساً للجمهورية بعد استخدام كلمات نابية ضد الفساد. وفي 2018 قرر الانخراط في السياسة، وبعدها بعام حملته الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي إلى قصر الرئاسة. وهو (يُتأتئ الأوكرانية)، لكن القدر والصدفة دفعت به لأوحال منعطف شديد الخطورة، بدأت من مناورات الجيش الروسي، الذي ظن العالم الغربي وكل العالم لا شيء، عدا ما راحت واشنطن تردده عن «الغزو الوشيك» مُرفقاً بالمواعيد.. لكن القيصر فعلها، بل الأصح زيلينسكي الذي فاجأ مواطنيه والعالم بقميصه الزيتوني ساخراً من القوة الروسية وآلاتها التي استغاثت بالمرتزقة، خاصة (فاغنر)، والسوريين، فقط يحتاج المُمثل إلى ذخائر، لا إلى بطاقة سفر، فاكتسب شرعية المقاومة، وتحوّل إلى بطل في نظر الشعوب.

يواجه محللو الاستخبارات حالياً صُعوبات كبيرة لفهم ما يدور في رأس بوتين مُحاولين توقع تصرفاته ليتمكنوا من ضبط ردود أفعالهم وليجدوا طريقة ما لإنهاء الحرب في أوكرانيا. فهل بوتين استراتيجياً ماكر أم زعيم مظلوم ومتهور؟ لقد عدّه كثير من المُحللين مُخادعاً، وغيرهم رأوه مُصاباً بجنون العظمة، وبالتالي بات أكثر تهوراً من كونه شخصاً عقلانياً في الأساس، وهو يعي أن مخاطر غزو أوكرانيا ستكون كبيرة جداً، وبالتالي فإنّ حشوده العسكرية الضخمة بلجوئه إلى «وسائل غير مُتكافئة»، لا تكون منطقية إلا إذا جاءت في سياق خدعة مقنعة جداً، وقد فعلها لكن بإشارات تنُمّ عن انزعاجه، وقلة اهتمامه، وأنه في عزلة عملية فيما يُشبه "الشرنقة"، فكانت الخطة، خلق تهديد، لإيجاد شعور بأن الحرب يُمكن أن تحدث، مُراهناً على إرثه لعكس التحوّل المُؤيد للغرب في أوكرانيا إلى درجة أنه سيكون على بوتين أن يُقرّر في الأسابيع المقبلة ما إذا كان سيأمر بغزو أو يسحب بعض القوات.

ولكن حتى لو سحبها، فستكون لديه وسائل أخرى لإبقاء خصومه في حالة تأهب، مثل تدريبات قواته النووية أو الهجمات الإلكترونية أو الحشود المستقبلية. لكن بدء حرب واسعة النطاق ليس في مصلحة روسيا وشعبها، فمن الصعب إيجاد تفسير منطقي للرغبة في المضي بهذه الحرب بحسب التحليلات."
 

ليفانت - إبراهيم جلال فضلون 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!