الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • رسائل حركة حماس في فتح صفحة جديدة مع السعودية.. بين الموافقة والرفض

رسائل حركة حماس في فتح صفحة جديدة مع السعودية.. بين الموافقة والرفض
محمد مصطفى عيد

بعد الإعلان عن المصالحة الخليجية بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي ومصر خلال انعقاد القمة الـ41 لمجلس التعاون لدول الخلیج العربی، التي استضافتھا المملكة العربیة السعودیة في مدينة العُلا، مؤخراً، سارعت حركة حماس إلى الاستفادة من الجو الإيجابي العام، وحاولت أن توجّه رسائل غير مباشرة إلى السعودية.


في خطوة  استباقيّة منها، في إصلاح علاقتها مع المملكة، التي كانت تشهد خلال السنوات العشرة الماضية حالة من المدّ والجزر، فوجّه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس)، بعد انتهاء قمة العلا، رسالة إلى ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، يبارك له فيها إنجاز القمة الـ41 لمجلس التعاون لدول الخليج العربي في مدينة العُلا بالمملكة، وعبّر هنية عن تقدير حماس جهود المملكة "في سبيل تحقيق هذا الإنجاز، الذي يعدّ استمراراً لدورها التاريخي في احتضان قضايا الأمة والتضامن معها والدفاع عنها"، كما بعث رئيس المكتب السياسي لحماس برسالة مماثلة إلى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، مثمّناً دوره في نجاح القمة وتحقيق المصالحة الخليجيّة. رسالة هنية إلى ولي العهد السعودي، لم تكن الأولى بل الثانية، إذ كانت الرسالة الأولى عام 2017، عند تولّي الأمير منصبه كولي العهد للتهنئة، وكمسعى لتقديم الرياض مزيداً من الدعم لسكان القطاع والقضية الفلسطينية.


وفي هذا السياق، سارع عضو المكتب السياسي لحركة حماس، سهيل الهندي، في تصريحات صحفية أدلى بها، في ديسمبر العام الماضي، فقال: "لعلّ هذه الرسالة تفتح آفاقاً جديدة بين السعودية والحركة، وتأتي هذه الخطوة المهمة لدينا، في إطار السعي لكسب أصوات الزعماء العرب الذين يملكون تأثيراً لخدمة فلسطين".


هل تستجيب السعودية لدعوة حماس في عودة العلاقات من جديد؟


رغم حالة التفاؤل التي تبديها حركة حماس في سعي حليفتها قطر في أن يكون لها دور في تمهيد الطريق لها وتذليل العقبات التي تعترض علاقتها مع السعودية، إلا أنّ السؤال الأهم في هذه النقطة، كيف يمكن للسعودية أن توافق على تقارب الحركة مع إيران، وما تزال هذه العلاقة تستحثّ جدلاً واسعاً لا ينتهي ولا يصل لنتائج محددة قد تقنع أو ترضي مختلف أطراف المعادلة، وهذا الجدل كثيراً ما يتكرر ويتجدّد مع كل تصريح من قيادي حماس بخصوص العلاقة مع طهران، فمع بداية العام الماضي وبالتزامن مع حادثة اغتيال اللواء قاسم سليماني، كثرت الانتقادات التي وجهت إلى حماس لمشاركتها في تشيع سليماني، إلا أنّ الحركة سرعان ما ردّت عليها، من خلال عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، خليل الحية، الذي خرج ودافع عن علاقة حركته بإيران، وقال في تصريحات بثّها موقع «حماس» الرئيسي ،في يناير العام الماضي: "إنّ زيارة إيران والمشاركة في تشييع اللواء سليماني؛ جاءت وفاء للرجل الذي دعم مقاومة الشعب الفلسطيني، ووقوفاً إلى جانب دولة صديقة لنا ولشعبنا ولمقاومتنا".


لكن هذا التقارب للحركة مع إيران أثار حفيظة السعودية وبعض دول الخليج، كما لم يقتصر على الجانب العربي، بل امتدّ إلى خلافات ما بين قيادات الحركة، وأبدوا استياءهم من التقارب الحاصل مع إيران، بعد تداعيات فعاليات يوم القدس في إيران، والصور التي وزّعها مكتب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، ويظهر فيها إسماعيل هنية إلى جانب المرشد وحسن نصر الله وعبد الملك الحوثي، فقد أعلن عدد من قادة حماس عن تذمرهم الشديد من هذا الاحتضان القوي من جانب إيران للحركة من جهة، وارتماء قيادة الحركة ومكتبها السياسي في أحضان الجمهورية الإسلامية، إلا أنّ النقطة الأهم في هذا التفصيل هي: كيف تنظر السعودية إلى علاقة حماس بالجمهورية الإيرانية؟


بعيداً عن استعراض علاقات التوتر التي سادت بين السعودية وحماس، والتي كان أبرزها في عام 2007، بعد انهيار اتفاق مكة نتيجة سيطرة حماس على قطاع غزة، إلا أنّ تحوّلاً بارزاً شهدته المملكة تجاه حماس مع بداية ثورات الربيع العربي، والتحوّل الاستراتيجي في مجابهة التيارات الإسلامية، واعتبار حماس جزءاً من هذه التيارات، كما تطوّرت أشكال المقاطعة السعودية لحماس، في ظلّ التقارب الذي حدث بين الحركة وإيران، كمحاولة بديلة للحركة للتعويض عن الدعم السعودي السابق، وهذا ما أثار حفيظة المملكة السعودية.


ففي توقيت لافت على مستويات عدة، اتّهم القضاء السعودي 68 فلسطينياً وأردنياً أمام المحكمة الجزائية السعودية، في العاصمة الرياض، بتهمة «الانتماء إلى كيان إرهابي وتمويله»، في إشارة إلى حركة «حماس»، وذلك في سابقة بالعلاقة بين المملكة والحركة، بعد إدراج الأخيرة ضمن «قوائم الإرهاب»، وكان من أبرز القيادات لحركة حماس الذين احتجزتهم السعودية، العام الماضي، الدكتور محمد الخضري وابنه، حيث كان الخضري يتولّى مسؤولية العلاقات الثنائية بين السعودية وحماس، وفي ذلك الوقت سارعت حركة "حماس"، في بيان لها، بمطالبة السعودية بالإفراج عن الخضري ونجله والمعتقلين الفلسطينيين كافة، وفي ظلّ هذه الأجواء المتوترة، تسعى حماس بعد قمة العلا إلى فتح  صفحة جديدة مع السعودية برعاية  قطرية.


هل تنجح حماس بفتح صفحة جديدة مع السعودية؟ 


إنّ الإجابة على السؤال قد تفتح الباب أمام تكهنات ترتبط بشكل مباشر بالطرفين، فالجانب السعودي مع حلفائه الإمارات والبحرين ومصر، لم ترشح عنهم أي إشارات، تسير باتجاه عودة العلاقات مع حماس وطمأنة الحركة ولو في إطار ضيق، بينما في نفس الوقت، فإنّ حماس في موقف حرج، لكونها كانت من الأطراف التي استفادت من المقاطعة الخليجية ولعبت أحياناً على وتر هذه الخلافات، لتعزيز علاقتها مع قطر، وكثيراً ما كانت الأخيرة -قطر-  تقدّم نفسها على أنّها واحدة من أكثر الدول الداعمة لقطاع غزة، والممول التاريخي للمشاريع الإغاثيّة في القطاع المحتلّ، كما أنّ عودة العلاقات بين السعودية وحماس، لا يمكن أن تتمحور في الإطار الخليجي العربي فقط، بل على الجانب الدولي، وخاصة بعد تسلّم جو بايدن مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، والملفات التي تحملها الإدارة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط إن كانت تسير في نفس المنحى، والتي انتهجتها الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب.


كيف تنظر الإدارة الأمريكية الجديدة للعلاقة مع الفلسطينيين؟


من المرجّح أن تعود الإدارة الأمريكية الجديدة إلى مخطط أوباما كلينتون، أي حلّ الدولتين على أساس حدود 67 وترتيب علاقاتها مع الأطراف المعنية، الإسرائيليين والفلسطينيين، بطريقة قد تختلف عن الإدارة الأمريكية السابقة، وخاصة أنّه رشحت الكثير من التسريبات، أنّ إدارة بايدن تستنكر خطة القرن، إلا أنّه في هذه النقطة تحديداً، من السابق لأوانه الجزم كيف ستكون شكل العلاقة بين أمريكا وحليفتها إسرائيل، وخاصة أنّ الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من المؤيدين لإسرائيل وملتزم بالحلف الاستراتيجي معها، كما أنّ نائبة الرئيس، كاميلا هاريس، تسلك ذات نهج الرئيس، لذلك يستبعد الكثير من المحللين والسياسيين الفلسطينيين أن يؤدي تسلّم جو بايدن مقاليد الحكم في أمريكا إلى تغيير السياسة الأمريكية “التقليدية” الداعمة لإسرائيل، في ظل الاستمرار للتشتت والانقسامات الفلسطينية وغياب الاستراتيجية الفلسطينية على الحلبة الدولية، فما الذي يحتاجه الفلسطينيون في هذه المرحلة؟


من المؤكد أنّهم يحتاجون إلى خطاب سياسي فلسطيني متماسك وموحد وتصورات فلسطينية مشتركة تحدّد ما يريده الفلسطينيون من إدارة بايدن. بالمقابل أين ستكون حركة حماس من هكذا خطاب موحد يجمع الفلسطينيين؟ فكثيراً ما كانت تغرّد حماس خارج السرب بتحالفاتها المتبدلة مع دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، علاوة للجوئها إلى إيران بعد مقاطعة السعودية لها، كما أشرنا سابقاً، فهل الإدارة الأمريكية الجديدة ستدعم الموقف السعودي في مقاطعة الحركة والتضييق عليها أكثر لفك ارتباطاتها مع إيران؟ ربما لا يمكن الجزم في تحديد شكل العلاقة التي ستتعاطى بها إدارة بايدن مع حركة حماس.     


ما موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من حركة حماس؟


يرجَّح أنْ تتبنى الإدارة الأمريكية الموقف التقليدي لسياساتها السابقة، في مواصلة التعامل مع الحركة على المستوى الرسمي، كـ«حركة إرهابية» تستخدم العنف لتحقيق أهدافها السياسية، مع السماح بالتواصل معها سياسياً بعيداً عن الجانب الرسمي، إضافة إلى النظر للحركة كطرف مُعيق لمسار المفاوضات والتسوية؛ نتيجة تمسكها بخيار المقاومة ورفضها الاعتراف بـ«إسرائيل»، غير أنّ المرونة التي أظهرتها الحركة في وثيقتها السياسية، والتي تعبِّر عن استعداد للتعاطي بواقعية أكبر مع المعطيات السياسية، ربما تلعب دوراً في تشجيع إدارة بايدن على اختبار إمكانية التأثير في الموقف السياسي للحركة، رغم أنّ الحركة تعتبر كجزء من تيار الإسلام السياسي الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، وهذه النقطة بالذات تثير حفيظة السعودية، ويقلقها في طريقة التعامل مع حركة حماس أو فتح قنوات جديدة معها، كما أنّ الإدارة الأمريكية تتفق في هذا الجانب مع السعودية في تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية، وليس كطرف فلسطيني، يمثّل الشعب الفلسطيني. 


هل تستطيع حماس أن توفق ما بين علاقتها بإيران والسعودية؟


إنّ من مصلحة حماس أن تفتح خطاً مع السعودية، لكن على ما يبدو أنّ الرياض لا تثق بها حتى الآن، وخاصة أنّ السعودية، في وقت سابق، قد عمدت على إدراج «حماس» على «قوائم الإرهاب»، إلا أنّ ابتعاد حماس عن المحور الإيراني ربما يكون أمراً طبيعياً ومتوقعاً في المستقبل القريب، لأنّ العلاقة بين حماس وإيران كانت مجرد علاقة "استثنائية، اقتضتها المصلحة ولم تكن أبداً علاقة أصيلة قائمة على تكامل فكري أو أيديولوجي".


ويرى مراقبون أنّ حماس تريد بتقاربها مع السعودية حشد دعم المملكة لإنهاء حصار غزة، والتصالح مع حركة فتح، وترميم العلاقة مع مصر، لذلك فإنّ التقارب مع السعودية يمثّل بديلاً لها عن إيران، فما هي المحفزات التي ستدفع الرياض إلى هذ الاتجاه؟ ربما السعودية في حال أرادت عودة العلاقة مع حماس في محاولة لاستقطابها، فإنّ الهدف الرئيس ينصبّ في تعزيز جبهة عزل إيران وتكوين حلف سني قوي يقف بمواجهتها، وفي أكثر من مناسبة، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ثمة علاقات جيدة تربطهم بقيادة الرياض لكنها تحتاج إلى تطوير، وفور توقيع "بيان العلا" سارعت حماس وانتهزت الفرصة لتطوير علاقاتها مع السعودية، والاستفادة من المصالحة الخليجية بتحقيق مكاسب بعدما تأثرت طوال السنوات الماضية. 


التوقعات


على الأرجح أنّ الحديث عن رعاية السعودية للعلاقات مع حماس، يحتاج إلى المزيد من الوقت، كي تتكشف الرؤية بشكل أوضح، وخاصة أنّ الرياض لم تردّ بعد على رسالة هنية، مما يفتح المجال للكثير من الاحتمالات المتعددة، سواء في حال فتح صفحة جديدة، فهل السعودية قادرة أن تمرر دور حماس في لعبها على وتر الخلافات الخليجية وانحيازها إلى إيران، أم أنّها تتغاضى على أنّ الحركة تعتبر كجزء من تيار الإسلام السياسي الذي تمثّله جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة؟ وعليه، تحتاج حماس وقياداتها فعلاً إلى «ميزان الذهب» فيما يتعلّق بالخطاب ومفرداته والحضور الإعلامي وتحديد ارتباطها، سواء مع دول الخليج الذي تتزعمه السعودية، أو مع إيران، لتتجنب قدر الإمكان الخسائر أو الأضرار الجانبية غير المرغوب بها.



محمد مصطفى عيد


ليفانت - محمد عيد

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!