-
دافوس 2022 "نقطة تحول".. السعودية حضورٌ قوي وروسيا خارجاً
بعد عامين ونصف تقريباً من الغياب، يعود قادة العالم والنخب السياسية والمالية العالمية للاجتماع مجدداً وجهاً لوجه في المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في جبال الألب بسويسرا تحت عنوان "التاريخ عند نقطة تحول"، والذي يجري بمشاركة ما يقرب 2500 من القادة والخبراء من جميع أنحاء العالم في الفترة 22 إلى 26 مايو.
لم يكن من السهل أبداً تحديد نقاط التحول أو معرفة ما تنبأ به إلا بعد حدوثها، والإجابة على هكذا شعار ليست محددة مسبقاً على الإطلاق، مع أنه تتوافر لدى النخب السياسية والمالية العالمية القدرة على تشكيلها، وطرح الأسئلة الصعبة حول كيفية الوصول إلى الحلول، طبعاً في حال توافر الرغبة والإرادة.
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى أن يسعى المنتدى الاقتصادي العالمي للتركيز في اللقاءات، على رفض مثل هذه الأفعال، مع حظر الشركات والمسؤولين الروس من دافوس هذا العام. ويقول رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورج بريندي في هذه القضية "مع النهج الحالي، لا أرى أي نوع من التقارب العالمي المحتمل في السنوات القادمة، لسوء الحظ ".
إن وقوع الأزمات العالمية أمر كارثي على الحكومات والشعوب، ويجب على الجميع محاربتها والتعاون من أجل مكافحتها. ومع ذلك فإن سجل الإنجازات العالمي على مدى السنوات القليلة الماضية ليس مشجعاً.
كانت الزيادة في انبعاثات الكربون العالمية، التي تجاوزت 2 مليار طن في عام 2021، هي الأكبر على الإطلاق، حيث قضت بسهولة على الانخفاضات التي شوهدت في عام 2020 وسط عمليات الإغلاق الوبائي. كما أن عدم المساواة، الذي كان كبيراً جداً حتى قبل انتشار الوباء، قد ازداد عمقاً.
ازداد الفقر العالمي لأول مرة منذ 20 عاماً، وتضاعفت أعداد الأشخاص الذين "يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد" ليصل إلى 276 مليون شخص.فيما يبدو أنه حتى الدروس الوقائية للوباء نفسه قد ضاعت، فبينما يتم تطعيم 80٪ من الأشخاص في البلدان ذات الدخل المرتفع، فإن 16٪ فقط من أولئك الذين يعيشون في البلدان منخفضة الدخل حصلوا على فرصة.
وهذا العام، هو المرة الأولى للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يُحظر فيه حضور أي مسؤول روسي أو رجل أعمال روسي لأعمال المؤتمر منذ سقوط الشيوعية، حيث استُبعدت الشركات الروسية بوصفها شركاء استراتيجيين في الحرب الدائرة في أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: مباحثات بين وزيري الخارجية المصري والأردني على هامش " دافوس"
فيما تتصدر السعودية واجهة أعمال المؤتمر من خلال وفدها "القوي" والذي يضم سبعة وزراء من بينهم وزيرا الخارجية والمالية. إضافةً لرصد التغيرات الهائلة التي تشهدها السعودية، نتيجة الاستثمارات الحاصلة في مجال تنويع الاقتصاد والتكنولوجيات الحديثة والتعليم والمهارات وسعي المملكة القوي للتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
النقد الدولي يدافع عن العولمة
في ظل مواجهة النظام الاقتصادي العالمي للكوارث، سيدافع صندوق النقد الدولي في منتدى دافوس عن العولمة ويحث الدول على عدم الاستسلام لمغريات الأنظمة الحمائية.
وكتبت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا في مدوّنة مشتركة مع مسؤولين في الصندوق: "بينما يتوجه صنّاع القرار السياسيّ وأصحاب الشركات إلى دافوس، يواجه الاقتصاد العالمي على الأرجح أكبر اختبار له منذ الحرب العالميّة الثانية".
وشدّد مسؤولو صندوق النقد الدولي على "تنامي خطر التفتت الجغرافي-الاقتصاديّ" مؤكدين في المقابل على فوائد العولمة.
ولفت مسؤولو صندوق النقد الدولي في مدوّنتهم إلى التغيّر في تدفّق رأس المال والسلع والخدمات على مدى العقود الثلاثة الماضية مدفوعاً بانتشار التكنولوجيا الحديثة، "لقد عززت قوى التكامل هذه مستوى المعيشة والانتاجيّة وضاعفت حجم الاقتصاد العالمي ثلاث مرّات وانتشلت 1.3مليار شخص من الفقر المدقع".
إلا أنّ هذا التقدّم مهدّد اليوم بفعل الحرب في أوكرانيا وما صاحبها من عقوبات وقيود، إذ فرضت قيودٌ على تجارة الأغذية والطاقة والمواد الخام الأخرى في حوالى 30 بلداً، بحسب الصندوق. ومع ذلك من الضروريّ "تعزيز الحركة التجاريّة لزيادة القدرة على التكيّف".
اقرأ أيضاً: منتدى دافوس محرّمٌ على الروس
ومن شأن تقليص العوائق التجاريّة أن يساعد في تخفيف النقص في الإمدادات وخفض أسعار المواد الغذائيّة والمنتجات الأخرى.
ونصح صندوق النقد الدولي الدول والشركات بتنويع وارداتها لضمان تدفّق الإمدادات و"الاستفادة من فوائد التكامل العالميّ للشركات". وقد أظهرت دراسة أجراها الصندوق أنّ التنويع يمكن أن يخفّص نصف الخسائر المحتملة المرتبطة بمشاكل العرض.
روسيا خارج المنتدى
لأول مرة، وبعد أكثر من عامين من التوقف المرتبط بانتشار فيروس كورونا في العالم، يبدأ المنتدى الاقتصادي العالمي في جبال الألب السويسرية، من دون أن يكون رجال الساسة والأثرياء الروس حاضرين في قمة دافوس الحالية.
يختلف المنتدى هذا العام، الذي تأخر عن جدوله الزمني المعتاد في أواخر يناير، عن سابقاته من نواحٍ عديدة. إذ تخيّم حقيقة الحرب المستعرة على بُعد مئات الأميال على الاجتماعات، بعدما وضع قرار الرئيس فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا نهاية مفاجئة لعقود من الوجود والنفوذ الروسي في دافوس. مع حضور مجموعة من المسؤولين الأوكرانيين، الذين يسعون إلى إبقاء الاهتمام العالمي بمحنتهم مع دخول الحرب شهرها الثالث.
شهدت الحرب الروسية على أوكرانيا عقوبات غير مسبوقة على روسيا، بدءاً من قادتها السياسيين إلى الأوليغارشية والشركات الكبرى، وانسحبت الشركات الدولية بشكل جماعي من البلاد، وتبخرت التجارة والاستثمار من أوروبا والولايات المتحدة مع روسيا.
في الاجتماع الأخير في دافوس في عام 2020، كان كبار رجال الأعمال الروس يحتلون ثالث أفضل تمثيل من حيث عدد المليارديرات، لكن مستقبلهم في دافوس بدأ في الانهيار بعد ثلاثة أيام فقط من هجوم موسكو على أوكرانيا، عندما أصدر مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، كلاوس شواب، والرئيس بورج بريندي، بياناً يُدين "عدوان روسيا على أوكرانيا، والهجمات والفظائع".
بالنسبة إلى تاريخ روسيا بعد الشيوعية، لعب المنتدى الاقتصادي العالمي دوراً مهماً للغاية. ورسَّخ المؤتمر سمعته بوصفه حدثاً أساسياً للنخبة الروسية في عام 1996، عندما وافق عدد من كبار رجال الأعمال على حشد مواردهم الإعلامية وقوّتهم المالية لدعم الحملة المتعثرة لإعادة انتخاب بوريس يلتسين، في ما أصبح يُعرف باسم "ميثاق دافوس".
زاد الوفد الروسي من حيث الحجم والظهور على مدى ما يقرب من عقدين، وجذب شخصيات ذات ثقل كبير مثل الرئيس آنذاك، ديمتري ميدفيديف، وفي عام 2009 خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء.
في عام 2018 هددت روسيا بالمقاطعة بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على رجال الأعمال فيكتور فيكسيلبرج وديريباسكا وكوستين، وقال الكرملين إنّ منظمي المنتدى تراجعوا عن خطة لمنعهم من الحضور.
اقرأ أيضاً: زيلينسكي: مؤتمر دافوس وجهتنا
ألقى بوتين كلمة في المنتدى الافتراضي المحدود في عصر "كوفيد" العام الماضي، وقال إنّ بين التوترات الدولية الحالية وثلاثينيات القرن الماضي في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية أوجه تشابه، واستخدم خطابه لتحذير العالم من خطر الانزلاق إلى صراع "الكل ضد الكل".
الآن، أدى هجومه على أوكرانيا إلى نقل الصراع إلى حدود الاتحاد الأوروبي، وقتل الآلاف ونزوح الملايين من ديارهم. وأيَّد بعض أباطرة المال الروس موقف الكرملين، فيما سعى آخرون إلى النأي بأنفسهم عن دعاية الرئيس للحرب.
المملكة السعودية تتصدر المشهد الاقتصادي
برز الوفد السعودي "القوي" في اجتماعات دافوس الحالية، ورحب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي بورج بريندي بالوفد، وأشاد بالإصلاحات الجارية في المملكة.
كما تدرس المنظمة التي تتخذ من جنيف مقراً لها تدرس نقل القمة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الرياض، حسب بريندي. الذي قال: نحن نقدر حقاً الوفد القوي الذي لدينا من المملكة العربية السعودية في دافوس. لدينا سبعة وزراء رئيسيين، بمن فيهم وزير الخارجية ووزير المالية، معنا في دافوس.
كزائر منتظم للمملكة، أوضح بريندي، وزير خارجية النرويج السابق، التغييرات الرئيسية التي شهدها خلال زياراته. وقال لعرب نيوز: "مقارنة بما حدث عندما زرت المملكة لأول مرة منذ عقود فإن وضع المرأة الآن في المملكة العربية السعودية مختلف تماماً".
من بين التغييرات الهامة الأخرى الجارية في المملكة العربية السعودية، وصف بريندي "الاستثمارات في تنويع الاقتصاد، والتقنيات الجديدة، والتعليم والمهارات" بأنها مهمة.
وقال "أرى استعداداً لأن أكون جاداً للغاية في استثمار الموارد الإضافية والعائدات القادمة من قطاع الطاقة في تنويع الاقتصاد، وكذلك بناء صندوق ثروة سيادي قوي للغاية".
ويرى بريندي أوجه تشابه بين ما يحدث في المملكة وتجربة بلده الأم، النرويج، التي استخدمت صندوق ثروتها السيادية للاستثمار في التعليم وظروف أفضل للصناعات.
سيعطي هذا أساساً متيناً للغاية للسنوات القادمة عندما تصل عائدات النفط والغاز إلى ذروتها. وقال إنه ينبغي استثمار تلك الأموال في التنويع والتعليم والمهارات والبنية التحتية وفي التحول الأخضر الذي سنشهد حدوثه في المملكة العربية السعودية، مضيفاً أن "الاستثمار الضخم الآن في مصادر الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية لا مثيل له".
وأشار بريندي، إلى أنه: "لقد حان الوقت أيضاً للذهاب إلى المملكة. إذا استأنفنا الاجتماعات الإقليمية كما عقدناها في الماضي، فسنرى ذلك. نتطلع بشدة للعودة إلى الرياض".
كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أعلن في أكتوبر عن مبادرة "السعودية الخضراء" متعهداً بوصول المملكة للحياد الصفري لانبعاثات الكربون عام 2060.
وتابع برندي: "هناك مجالات يمكن للسعودية أن تحقق تحسناً إضافياً فيها، كالنظام الضريبي، ومعالجة الإفراط في الضوابط الحكومية.. وأعلم أنَّ وزير المالية جدّي جداً بما يخص هذه المسألة، ونودّ أن نذهب إلى أبعد من ذلك".
اقرأ أيضاً: أوكرانيا ضيفة شرف في "منتدى دافوس" الاقتصادي
يشكل تواصل الجائحة وتصاعد معدلات التضخم وتراجع أسواق الأسهم والحرب في أوكرانيا، خلفية قاتمة للفعالية التي ستستمر على مدى 5 أيام.
وسط هذا كله تبدو التوقعات متفائلة فيما يخص السعودية التي من المنتظر أن تكون أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نمواً هذا العام بعد الهند، بحسب استطلاع أجرته "بلومبرغ" لآراء المحللين، حيث ارتفع النفط بنسبة 50٪ تقريباً منذ نهاية العام 2021 إلى 110 دولارات للبرميل.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمملكة تريليون دولار لأول مرة، وتخطط المملكة العربية السعودية لاستغلال المكاسب النفطية غير المتوقعة لهذا العام، لتسريع تنويع الاقتصاد، بعيداً عن الوقود الأحفوري.
ليفانت نيوز_ خاص
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!