الوضع المظلم
السبت ١١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
داعش ونساؤها
ليلى قمر

إن أكثر ما يدعو للسخرية والشك المشوب بالحيرة أيضاً، ظاهرة داعش وما مارسته وبمنهجية فظة، سيما وهي ما عليه من تطرّف وإرهاب، لكن (وهذا ما يستوجب هنا كبداهة الإقرار به) استطاعت أن تتغلغل في ثنايا الفئات المجتمعية وتستدرج إلى صفوفها شرائح مختلفة، والأهم كانت النسوة من مختلف بيئات الشعوب والثقافات، ومن شتى الدول والقارات.

وأضحت كظاهرة دفعت بكثير من علماء الاجتماع والنفس ومختصين في مجالات علمية متعددة إلى دراستها، ومن الطبيعي هنا أن تتعدد الجوانب ومعها الأبواب مفتوحة على سيل من التحليلات والاستقراءات قد تتقاطع أو تتفق أو تختلف أيضاً، ولكن وبالرغم من كل التفسيرات والمسوّغات، توافقاً أو تناقضاً، سيبقى هناك أمر جوهري وأساسي في هذا الأمر، ولا بد لها أن تمهد السبل لاكتشاف بعض مما كنا نعده استغراباً، وهي لحظة البت في أهم المسببات والدوافع المحفزة لذلك.

أسئلة عديدة ستتوارد وستفرض صيغها، واجتهادات متنوعة ستتكامل كلها، وربما ستحتاج البشرية لوقت طويل حتى تتوضح بعض من تلك التصورات، خاصة أن المسألة لم تبتدئ كظاهرة، بل تدرجت من صيغ فردية مع بداية ظهور التنظيمات الدينية، وخاصة منها التي ادّعت زعماً بأنها تطبق الشريعة الإسلامية الصحيحة، وكان ملاحظاً في البدايات قلة انخراط النساء في صفوفها، وبشكل خاص، في هيكلياتها العسكرية المسلحة منها، حيث لوحظ في البداية أن نسبة الملتحقات كانت قليلة جداً، وأوعز ذلك بداية إلى القوانين الصارمة التي اتبعتها تلك التنظيمات وتطبيقها على نسائها، وعليه فقد كان واضحاً تقلص مشاركتهن في الحدود الأضيق، وتأطر، بشكل خاص، ضمن نطاق عائلي كزوجة -ذي رقم- على سبيل المثال.

وبالرغم من الفسحة التي منحت لها ظاهراً، وبالتوافق مع الصفة الاجتماعية، إلا أنّ الموقف بقي كما هو، ونقصد هنا جوهر المسألة والموقف من المرأة، حيث إنها بقيت هي ذاتها العورة والضلع المكسور يتوجب مواراتها عن كل شيء، وخير مثال يمكننا أن نسوقه هنا: ما مارسه وطبقه تنظيم طالبان مؤخراً في أفغانستان، وبتلك الهيمنة والسطوة، لا بل مارس الجبروت وبأقصى تجلياته على المرأة، وسخّر كل أدوات الجهل ووصل إلى حد التسويف حتى في التلاعب بالمفردات الدينية وقدسيتها وتفسيرها بمنهجية محرفة، سخرها كلها فقط لتحويل المرأة إلى مجرد كائن تابع ذليل أشبه ما تكون كالسبية والأسيرة، وطوقها بقيود مزعومة ومشوهة وبزعم شرعي كاذب للدين.

وعليه لن يكون من المستغرب إطلاقاً ملاحظة أن معظم التنظيمات التي اعتمدت الدين شكلاً، نحت صوب تجنيد المرأة في بعض منها، مثل حزب الله، الذي أراد أن يبدو بشكل أكثر حضاري، فأظهر المرأة، الأم أو الزوجة، الابنة أوالأخت.. ولكن من حيث الجوهر، بقي الموقف هو عينه من المرأة، فهي الحاضنة والولادة كمفرخة، لضمان زيادة النسل وسد النقص، ووفق مفهوم وتوجهات حزب يدعي بأنه يطبق شرائع الله، لكنه في الحقيقة لم يرتقِ في رؤيته للمرأة عن تلك النظرة التقليدية البائسة التي لم تسعى مطلقاً وبزعم تطبيق شريعة الله وفي لحظة مصيرية كانت وظلت تلك الشريحة هي الأبعد مطلقاً في فهم واستيعاب تلك الشريعة الربانية، فكيف بتطبيقها؟ وإن سعى بكل جهده وكمنظومة تستهدف غايات أخرى، أن يبقيها في إطار صورة الخنساء الشهيدة، كهدف رئيس لخدمة مآرب الحزب لا أكثر.

ولعله هنا، ومع الإقرار بنمطية الخلاف والاختلاف، ومظاهر التباينات التي "تتشرعن" في هكذا حالات، تحت يافطة الاجتهاد والتعليلات، ضمن كل الأطر التنظيمية، لا بل حتى داخل كل تنظيم أو حركة اعتمدت الإسلام نهجاً، فقد جاء ما يسمى (بدولة الشام والعراق) والمختصرة بتنظيم "داعش"، ورغم كل تطرفه وإرهابه وساديته، أخذ يتبلور كسلوك وممارسات تقترب، لا بل تتقمص العهر بكل تجلياته، وليتفاجأ العالم بذلك الكم الهائل من النساء اللاتي التحقن بصفوفه، كما أسلفنا، ومن مختلف دول العالم، على الرغم من أن هذا التنظيم الإرهابي أحيا مفهوم النسوة السبايا ونشط سوق النخاسة وشرّع الاغتصاب المتعدد والمتكرر بفتاوى نسبت إلى الدين وتحت بند ومسمى صارخ "ما ملكت أيمانكم"، كل ذلك دون مراعاة لذمة أو حرمة لأبسط مفاهيم وأصول التعايش الإنساني.

ومع هذا، ازداد توافد النساء إلى المناطق التي سيطروا عليها، وذلك من مختلف دول العالم، نساء كانت لكل منهن حياتهن وأسبابهن الغريبة والخاصة للالتحاق بتنظيم إرهابي جند المرأة وجلبها فقط تحت مسمى بشع وعنوان صارخ وهو (جهاد النكاح)، الذي أسس لثقافة احتوت آلاف القصص والروايات الفظيعة، والتي بدورها تعرضت لعمليات تجميلية سال لها لعاب الكثيرات كنوع، إن للرغبات الخاصة، وإن زنرت أيضاً بخزعبلات دينية، ولعله هنا سيكمن سؤالنا المشروع بكثير من السخرية، كيف استطاع تنظيم مثل داعش، والذي مارس سياسة الحرق والسبي، واغتصب النساء بلا هوادة، أن يمتلك هذه الأعداد المهولة لنسخ جئن من مختلف دول العالم لتجتمعن على سرائر المجاهدين في التنظيم، وتشاركن معهم بتلك الأعمال المخزية وبخلاف ما تعلمته كل واحدة، أو تعرفه عن الدين؟

إن داعش كمنهج، وتحت مسمى تنظيم الدولة، استحوذ على عقول تلك النسوة وجعلهن جنديات مخلصات له ولفكره الجهنمي، وبات من المؤكد أن ذلك جاء لأسباب كثيرة، خاصة القادمات من الدول الأوربية، حيث إن الكثيرات منهن استهوتهن فكرة المعاشرة الجنسية العنيفة مع أكثر من شخص، ومنهن من تباهين بممارسة جهاد النكاح مع أكثر من مئة شخص، وهن بكامل إرادتهن، وظلت بعضهن تتنقلن بين المجاهدين في استمتاع حقيقي ومشرع، ولم يخلُ الأمر من حالات ندم عديدة، خاصة بعد أن أصبحن شاهدات على حالات عديدة من سبي واغتصاب وتعذيب. وبعضهن أخذن المسألة كفكرة، وأردن التلذذ وتطبيقها عملياً كنوع من المماهاة، وإن كن التحقن كردة فعل، أو انعكاس وهروب من نمطية حياة كئيبة رتيبة، أو كسر لروتين وربما لحالة نفسية معقدة، ولتجتمع كل تلك الحالات، وعلى أرضيتها، ولد آلاف الأطفال، ونتيجة لطبيعة المعارك وحالات القتل لعناصر التنظيم، كانت المرأة الواحدة تتزوج وتعاشر أكثر من رجل، وتنجب أيضاً أطفالاً من رجال عدة.

هؤلاء الأطفال وأمهاتهم أصبحوا كقنابل موقوتة تعيش وتتكاثر وهي تحمل فكر التطرّف الذي يشرّع لهم تحت مسمى توصيف (إسلام القتل والسبي والاغتصاب)، ولينتج من جهاد النكاح جينات مشوهة تظهر بوضوح من خلال ما تصرح به تلك النسوة وأبنائهن، والذين أصبحوا ملفاً شائكاً، تسعى غالبية دول العالم إلى تهميشه حالياً، وليستقر بهم المقام في المنطقة الكردية، أمراً وليس اختياراً، وهذه الأخيرة، وتحت اسم الإدارة الذاتية، تستقبلهن مع أبنائهن في ظنّ غير معلن منها، على أنها قد تستفيد منهم كورقة متعددة الأوجه وستلعب فيها ساعة يحين الأوان.

ليفانت - ليلى قمر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!