-
حلا رجب.. ولوحات مسرحية مستدامة بالحب والسلام
من المدهش أن تتابع صيرورة الفنون وتحولاتها الجوهرية المرتبطة بالقضايا وطرحها عبر أدوات معاصرة، كيف لا وإن كان من تلك الفنون المسرح، حيث الدمج بين الواقع والفلسفة، وتحويل آليات التفكير والتقديم تلك إلى حياة واقعية على المسرح وأمام الجمهور، لخلق لوحات مسرحية مستدامة، ومليئة بالحب والسلام.
كل تلك الصور استمتعت بمشاهدتها خلال الأسبوع الفائت في مسرحية معاصرة تحت اسم "راديو لايف"، فاللاجدوى هناك تحول إلى حلم وسلم نجاحٍ في المسرحية التي قدمت على إحدى المسارح في باريس الفرنسية. مسرحية واقعية كانت إحدى بطلاتها، سينمائية سورية الأصل والهوية، تدرّجت إلى المسرح بهدوء، وبدأت تسرد مكنوناتها تلك، وكأنها تتحدث عن الكثيرين منا ممن ظلمهم الانتماء والهوية.
فكرة المسرحية هي راديو لايف، سلسلة إذاعية عن شباب من لقاءاتهم مع النشطاء الشباب حول العالم، حيث يجتمعون في مكان واحد لعرض حوار مسرحي مليء بالأصوات والصور والموسيقا المرافقة، وكل ذلك على الهواء مباشرة.
يحاول راديو لايف إعطاء المساحة الفنية والإبداعية، الإنسانية للفرد المشارك، حيث يدار حديث عن أسئلة تسكنه تخص الالتزام والهوية والتصميم لصنع مستقبل أجمل، بالتزامن من كل ذلك يذهب المشروع بكاميراته إلى منازل الناشطين لتصويرهم واللقاء بهم ومع ذويهم قدر المستطاع، وإحضار تلك الروح المتعلقة بملامحهم وكلامهم إلى المسرح نفسه.
نعم، هذه المرة كانت ضيفة مسرح راديو لايف، حلا رجب، وهي سينمائية سورية شابة، ولدت في عائلة شيوعية معارضة للنظام السوري، درست الحقوق في سوريا، قرأت الكثير عن الأدب والسينما والموسيقا، وفرّت من بلادها سوريا لتصل إلى ليون الفرنسية في عام 2015.
بين الصور المصوّرة، والصوت الخافت الذي بدأ يعلو من حنجرة حلا، تشكلت لوحة كبيرة عن سوريا، تتحدّث عن ذكريات حلا مع والدها السياسي المتوفي عدي رجب، ووالدتها، وشقيقاتها، سوريا التي تكتظّ بالصور، حيث دمرت الهوية وزرعت عوضاً عن الأشجار قنابلاً وصواريخ عشوائية، عن الحرب، الحب، الظلم، الظلام، كما السجن والاعتقال، عن الصور المتحركة في اللاوعي، وسعي نظام الحكم هناك بتدمير ما يمكن أن يكون وطناً مليئاً بالورود.
حاولت حلا أن تجسد قضيتها/نا الروحية والشخصية الإبداعية عبر وقائع حالمة، وقائع لا تستسلم للظروف ولا القيود، بل تكافح لتعطي تلك الروح المزيد من الحب والجمال والسلام، دوافع مليئة بالحياة وصوت موج البحر المتزامن مع أصوات النوارس، كما إحساس حلا الذي كان يتجوّل بين الفرنسيين المتلقين لتلك المشاعر، مشاعرٌ لا يمكن أن تترجم بلغة غير مباشرة، كما لغة "راديو لايف" لخلق مسرحٍ يتعمد الحوار البنّاء والهادف لإيصال القضايا الشخصيّة والعامة للجيل الجديد حول العالم، وبطرق وأساليب معاصرة.
استطاعت حلا برشاقتها، ونظراتها الثاقبة التي خاطبت الجمهور، أنّ ترسم لنا لوحة تراجيدية على شكل حوارٍ حقيقي بينها وبين أرواحنا التي كانت ترافق موسيقا الأوتار وموسيقاها المتنقلة مع تقلب الصور على شاشة العرض الكبيرة، كما استطاعت أن تدوّن على خشبة المسرح ومن حضروها، أن الأرواح تتناقل وترسم معها ذكريات لا تمحى، بل تُرسم يوماً على شكل لوحة إبداعية مكتظّة بالحب والسلام.
ليفانت - خاص
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!