-
حسابات الربح والخسارة في معركة فلسطين الأخيرة
لا شك بأنّ إسرائيل قد اهتزّت بعنف على وقع الأحداث الأخيرة، وأنّها ستشهد مراجعات كبيرة في استراتيجياتها، فالنتيجة هي خسارة إسرائيل المعنوية والأخلاقية وثقتها بنفسها وبحلفائها، والتي هي أكبر بكثير من خسائرها المادية الطفيفة.
ولا ينقص من خسائرها المعنوية الهائلة نصرها العسكري المحدود، بل يزيد من تلك الخسارة الربح الشعبي والتنظيمي الكبير الذي حققه تيار الإخوان المسلمين، في حشد وقيادة الحراك الشعبي العربي والإسلامي عبر العالم، وإحراجه معظم بل كل الحكومات العربية، والذي صب بكل تأكيد في مصلحة سياسة أردوغان الإخوانية بقوميتها التركمانية، ومصالح نظام الملالي الإخواني بنسخته الشيعية في إيران.
فاللعبة التي بدأها نتانياهو في حي الشيخ جراح لإفشال خصومه في تشكيل حكومة بضم بعض نواب العرب إليها، دخل عليها اللاعب الإيراني وحرك حماس عن بعد وحقق نتائج سياسية باهرة، تعتبر بحق نصراً استراتيجياً له، بنفسه الطويل وتخطيطه البعيد المدى، وقدرته على اختيار المكان والزمان والأداة التي تجعله مفاوضاً يفرض شروطه في النهاية، رغم علاقته المتدهورة مع شعبه ومشاكله الاقتصادية الجسيمة التي لم تؤثر سلباً على قدراته الجيوسياسية الهائلة في كل ربوع الشرق العربي المتداعي. نعم الرابح الأكبر من هذه المعركة، مادياً وسياسياً، هي إيران، التي لم تخسر شيئاً، وكسبت الكثير الكثير من حرب غزة.
والرابح الثاني هو تنظيم الإخوان العالمي، الذي أعاد تنظيم صفوفه وحشد ماكيناته وتوسيع قاعدته في كل العالم. والخاسر الأكبر استراتيجياً هو إسرائيل، والخاسر الثاني هو مشاريع السلام، بينما لم تتأثر الأنظمة العربية التي ركبت الموجة، ولا حماس التي تسببت معركتها بخسائر مادية جسيمة في صفوف الشعب الذي لم تحقق قضيته أي تقدم، بل سيحتاج وقتاً طويلاً قبل أن تلتئم جراحه، فكامل الاستراتيجية الإسرائيلية بنيت في هذه الجولة على إحداث خسائر ودمار تشغل الغزاويين طويلاً قبل أن يفكروا بجولة عنف ثانية.
لا شك أنّ الشعب الفلسطيني في الـ٤٨، وفي الضفة، بنضاله السلمي وتضامنه، قد قلص من حجم الانتصارات التي وهبها ترامب لنتانياهو، ورسخ إيمانه بقدرته على الصمود ومتابعة النضال، وأثبت فعالية النضال السلمي في كسب التأييد العالمي، وحتى في داخل المجتمع الإسرائيلي، ومع أنّ صواريخ حماس قد قلصت من هذا النصر، لكنها حققت هزّة عنيفة في الفكر السياسي الإسرائيلي، ستجبره على مراجعة استراتيجياته، ولكن المشكلة هي أنّ الفريق القديم الفاشل الذي خطط سابقاً، وأوصل الأمور إلى هذا الحال، هو ذات الفريق الذي سيجري المراجعة إذا لم تنتبه الإنتلجنسيا والدولة العميقة لضرورة تغيير الفاشلين الذين اقتصرت استراتيجيتهم على تحقيق المكاسب السريعة والحلول الرخيصة، ولم تمد نظرتها أبعد من فترة الانتخابات ومصالحها الانتخابية.
لقد فوتت إسرائيل فرصاً ذهبية لكسب الشعوب ودعم عملية السلام في المنطقة، وكسر شوكة إيران، عندما تساهلت في التمدد الإيراني، خاصة في سوريا، التي هي مفتاح المنطقة، ولها تأثير كبير على لبنان والأردن وفلسطين، عشر سنوات اكتفت إسرائيل في المراقبة والتردد حيال تقدم النفوذ الإيراني والإخواني، بل سلمت أمنها للروس ليقوموا بإبعاد أعدائها عنها فما كان منهم إلا أن قدموا سوريا على طبق من فضة لحزب الله وإيران.
وبينما كان نتانياهو يرفع صوته معادياً لإيران ويوجه الضربات الجوية قليلة الفعالية، كانت إيران تحكم الطوق حوله، ولو دخلت لبنان وسوريا الحرب مع حماس لكانت إسرائيل في وضع صعب عسكرياً، لكن إيران اكتفت بالحدث المحدود واستخدمته كرسالة قوة واستعراض قدرات، محتفظة بقدراتها الاستراتيجية سليمة لاستخدامها في تحصيل مكاسب تفاوضية مع الغرب الذي سيقدم المزيد والمزيد من التنازلات التي ستنتهي للمزيد من القوة والنفوذ لإيران ومحور المقاومة الذي يقوده الإخوان، أي الذي سيؤدي للمزيد من الضعف والانكفاء في إسرائيل، التي يجب أن تشعر بالتهديد الاستراتيجي والوجودي الذي يحيق بها، لكنه للأسف سيضر أيضاً بقضية الحرية والديموقراطية والسلام الذي تريده الشعوب لتخرج من معيشتها المأساوية.
ليفانت - د. كمال اللبواني
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!