-
حالات خطف تثير مخاوف اللاجئين السوريين في إسطنبول
لم يكن في حسبان "عامر" أن يتعرّض ابنه البالغ من العمر عشرة أعوام، لمحاولة اختطاف فاشلة في مدينة إسطنبول، وذلك في أوائل العام 2021، إذ وقعت هذه الحادثة في ساحة منطقة "أسنيورت"، بحسب ما روى والد الطفل، وهو لاجئ سوري مقيم في إسطنبول منذ حوالي الخمسة أعوام، حيث روى حول ذلك قائلاً:
"بينما كنت أسير مع طفلي "إبراهيم"، حاولت إحدى النساء اجتذاب الطفل إليها، وإذ بها تركض به في وسط الساحة، فقمت باللحاق بها على الفور، ويبدو أنها لمّا شعرت بأنّ الهروب مستحيل، تركت طفلي وفرّت هاربة، رأيتها بينما كانت تستقلّ فاناً سوداء، فدونت رقم الفان بسرعة، وتوجهت على الفور لمخفر المنطقة، وأخبرتهم بكل ما حدث".
في حين نجا "إبراهيم" ابن العشر سنوات من محاولة اختطاف فاشلة، لم تكتب النجاة للطفل "محمد " 12 عاماً، والذي كان قد فقد منذ بداية العام 2021، في المنطقة ذاتها "أسنيورت"، عقب خروجه من المدرسة، حيث علمت عائلته لاحقاً عبر أصدقاء الضحية، وشهود عيان آخرين، بأنّهم شاهدوا الطفل وهو يستقلّ سيارة سوداء اللون من نوع "بيجو"، كانت تستقلّها إحدى النساء برفقة آخرين، وروى حول ذلك قائلاً:
"على الفور قمنا بإبلاغ الشرطة التركية حول حادثة الخطف تلك، وقمنا بإعطائهم معلومات عن نوع السيارة ولونها، ووعدونا بالتحقيق حول الحادثة، لكن حتى الآن لم يستجد أي شيء، وحتى اليوم يعيش والدا الطفل حالة تخبط كبيرة، وخاصةً أنّ أحداً لم يتواصل معهم بخصوص فدية مالية، وهو ما يعزز مخاوفهم من أن يكون قد تمّ اختطافه لأغراض أخرى مثل تجارة الأعضاء البشرية".
طفل آخر كان ضحيةً لمحاولة اختطاف فاشلة في مدينة إسطنبول، وذلك في شهر كانون الثاني/ يناير 2021، حيث تداولت صفحات إخبارية مقطع فيديو يظهر شخصاً مجهولاً يحمل كيساً، بينما كان يحاول اختطاف طفل سوري يبلغ من العمر 5 سنوات، في أحد شوارع إسطنبول، وبحسب ما تمّ ذكره فقد كان الطفل برفقة شقيقه، ينتظر والدته أمام أحد المحلات في منطقة "سلطان غازي"، قبل أن يحاول الخاطف وضعه في كيس، لكن سرعان ما انتبه المارة إلى الحادثة، قبل أن يلوذ بالفرار، حيث تمكنت الشرطة التركية لاحقاً من التعرّف على المشتبه به وألقت القبض عليه بعد أن تصدّر هذا الفيديو مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها قررت الإفراج عنه لاحقاً بعد أن تبين بأنه شخص "مختل".
أثارت عمليات ومحاولات خطف الأطفال، مخاوف كثير من اللاجئين السوريين في مدينة إسطنبول خاصةً، الأمر الذي دفع بالعديد منهم لتوخي الحيطة والحذر، خاصةً بعدما تناقل العديد منهم، قصصاً لأطفال تمّ اختطافهم مقابل الحصول على فدية مالية، فيما روى آخرون قصصاً لأطفال تمّ اختطافهم لدوافع أخرى، مثل تجارة الأعضاء البشرية أو الإتجار بالبشر، حيث روى أحد اللاجئين السوريين، وهو متزوج وأب لثلاثة أطفال، ومقيم في إسطنبول مما يزيد على الخمس سنوات، بأنه بات يمنع أطفاله من الخروج بمفردهم، كما أصبح يتجنب التأخر إلى المنزل، وخاصةً أنه يقطن في منطقة "أسنيورت"، تلك المنطقة التي حدثت فيها عمليات ومحاولات خطف، على حد قوله.
في المقابل، بات اختفاء البعض من اللاجئين السوريين أو غيابهم الطويل غير المبرر، يفسرّ على أنها عمليات خطف في المقام الأول، مثل قصة الشاب "أحمد" من ريف دمشق، حيث كان قد ذهب لإجراء مقابلة عمل منذ أوائل تشرين الأول 2021، في منطقة "زيتون بورنو" بمدينة إسطنبول، ولم يعد من ذلك الحين، إذ رجّحت عائلته تعرّضه للخطف لدوافع غير معروفة، بحسب ما روى أحد أقارب الشاب:
"كان أحمد يسعى جاهداً لإيجاد أي مصدر رزق يعيل منه زوجته وأطفاله المتواجدين في محافظة إدلب، فقرأ إعلاناً للعمل عبر موقع فيس بوك، وذهب لإجراء مقابلة العمل في اليوم التالي، ومن وقتها لا تعلم عائلته شيئاً عن مصيره، رغم أنهم قاموا بإبلاغ الشرطة التركية حول حادثة اختفائه".
لم يكن قد مضى على وجود "أحمد" في إسطنبول سوى عام واحد، حيث كان قد أتى إليها من محافظة إدلب، عبر سلوك طرق التهريب المحفوفة بالمخاطر، وكان يأمل أن يبدأ حياة جديدة فيها على أمل التمام شمله بعائلته قريباً، لكنه اختفى لاحقاً وسط ظروف غامضة، بحسب ما أضاف قريب الضحية.
لم تقتصر عمليات الخطف على مدينة إسطنبول وحدها، بل تعدتها حتى مدينة أدرنة وأزمير التركية، حيث كان من ضمن هؤلاء "هبة" من محافظة إدلب، متزوجة ولديها طفلان، حيث كانت أحد اللواتي تعرّضن للخطف في منطقة "أدرنة" التركية، برفقة شقيقها البالغ من العمر 16 عاماً، ولم يفرج عنهما إلا بعد دفع فدية مالية تقدّر بـ 10 آلاف يورو، وذلك في أوائل شهر تشرين الثاني 2021، حيث روت حول ذلك قائلة:
"وصلت مدينة إسطنبول منذ عدّة أشهر برفقة شقيقي بعد سلوكي طرق التهريب المحفوفة بالمخاطر من محافظة إدلب، حيث كان في نيتي اللجوء إلى أوروبا عبر سلوك طرق التهريب من تركيا إلى اليونان، وخاصةً أنني اضطررت إلى ترك طفلاي لدى والدي في إدلب، على أمل نجاح رحلتنا والتمام شملنا عمّا قريب".
حاولت "هبة" وشقيقها عبور طرق التهريب البرية من منطقة "أدرنة" الحدودية التركية إلى اليونان، ثلاث مرات، إلا أنّ محاولاتها كانت تبوء بالفشل في كل مرة، وخاصةً أنّ الجندرما التركية كانت تلقي القبض عليهم، حيث تابعت في هذا الصدد قائلة:
"لم نيأس بل على العكس، كنا نعيد الكرّة مرة أخرى، وفي المرة الرابعة لمحاولتنا، كنا قد اتفقنا مع مهرب آخر، يدعى "أبو يوسف"، والذي أخبرني بأنّ مكان التجمّع سيكون في أحد المنازل، وبالفعل توجهنا لمنزل واقع في أحد الأراضي الزراعية في منطقة أدرنة الحدودية، وهنا كانت المفاجأة".
شعرت "هبة" بخوف كبير فور وصولها المنزل، وخاصةً أنها لم تجد أحداً آخر بانتظارهم، ليتبع ذلك، قيام المهرب بأخذ هاتفها المحمول، وتهديدها بالقتل مع شقيقها بالإضافة إلى احتجازها في إحدى غرف المنزل، حيث قام الخاطف بالتواصل مع شقيقها المقيم في ألمانيا من أجل المطالبة بالحصول على فدية مالية تقدّر بـ 100 ألف يورو، حيث تمّ الإفراج عنها لاحقاً بعد دفع هذه الفدية.
وفي بداية العام 2022، تناقلت وسائل إعلامية سورية، خبر اختطاف لاجئة سورية مع ابنتها البالغة من العمر عامين فقط، عندما أقدم ثلاثة مجهولين على اختطافهما من وسط منزلهما الكائن في مدينة أزمير التركية، بحسب إفادة زوج الضحية.
يشتكي البعض من اللاجئين السوريين من عدم تعامل الشرطة التركية معهم بجدية تامّة، الأمر الذي اضطرّ بعضهم للقبول بدفع فدية مالية مقابل إطلاق سراحهم، على حدّ تعبير "هبة" (الشاهدة السابقة) والتي تابعت:
"اضطرّ شقيقي المقيم في ألمانيا للسفر إلى تركيا من أجل البحث عنا، حيث قام بإبلاغ الشرطة التركية تفاصيل ما جرى، فأخبروه بدورهم أنهم سيقومون بملاحقة القضية، لكن كان قد مضى على اختطافنا حوالي ثلاثة أسابيع، ولم يحصل أي تقدّم، فاضطرت عائلتي آخر الأمر وبعد التفاوض مع الخاطف إلى دفع مبلغ 10 آلاف يورو مقابل إطلاق سراحنا لاحقاً، وذلك بعد إعطائه كل ما تملك عائلتي من أموال".
والد الطفل "إبراهيم" كان قد اشتكى هو الآخر بأنّ عناصر الشرطة التركية لم يظهروا كثيراً من الاهتمام بمحاولة اختطاف طفله، على الرغم من تزويدهم بنوع ورقم السيارة، إضافة لوصف المرأة التي حاولت اختطافه، إذ قال:
"لم يتعاون عناصر الشرطة التركية معي، بل كانوا غير مكترثين بما حدث، وحينما سألتهم عرض الكاميرات والتي لا بدّ أنها وثقت ما حدث، لم يستجيبوا لطلبي، لاحقاً وبعد مرور عدّة أشهر على الحادثة، شاهدت السيارة ذاتها بينما كانت مركونة بالقرب من ساحة أسنيورت، فقمت بإبلاغ الشرطة مرة أخرى لكن أحداً لم يكترث بذلك".
وفي أحدث الإحصائيات الصادرة عن حاكم ولاية إسطنبول حول نسبة الجرائم المرتكبة عام 2021، ذكر موقع "Sozu" التركي، نقلاً عن بيان صحفي صادر عن مكتب حاكم ولاية إسطنبول، حيث أورد على لسان حاكم ولاية إسطنبول "علي يرلي كايا" ما يلي:
"مقارنة بعام 2020، كان هناك انخفاض بنسبة 34.6٪ في جرائم الخطف، وانخفضت جرائم "النشل" بنسبة 34.6٪، وارتفعت جرائم الاحتيال، انخفضت السرقات من المنزل بنسبة 20.2٪، والسرقة من مكان العمل بنسبة 20٪، والسرقة بنسبة 37.4٪، وسرقة السيارات بنسبة 27٪، وسرقة الدراجات النارية بنسبة 12.4٪ في عام 2021."
على الجانب الآخر، ذكرت إحدى الناشطات التركيات العاملات في مجال حقوق الإنسان، بأنّ عمليات الخطف في مدينة إسطنبول لم تطل لاجئين سوريين فقط، بل طالت أيضاً آخرين من جنسيات أخرى عراقية وفلسطينية، لكن لوحظ ازدياد هذه الحوادث بحقّ اللاجئين بنسبة أكبر، لاعتبارها الفئة الأكثر ضعفاً، حيث قالت:
"بالمجمل تطال عمليات الخطف في مدينة إسطنبول، المواطنين الأتراك واللاجئين معاً، لكن يبدو أنها قد استهدفت فئة اللاجئين بدرجة أكبر إلى حد ما، باعتبارها الفئة الأكثر ضعفاً، حيث وقع ضحيتها لاجئون من جنسيات سورية وفلسطينية وعراقية، لكن ونتيجة لازدياد أعداد اللاجئين السوريين في إسطنبول، فقط طغت أخبار عمليات اختطافهم على غيرها، وفي الغالب فإنّ الجهات الخاطفة تفضّل خطف لاجئ على خطف سائح أجنبي على سبيل المثال، لأنه يدرك تماماً عواقب هذا الأمر".
وأضافت الشاهدة، بأنّه ونتيجة لكثرة أعداد سكان مدينة إسطنبول والزائرين إليها، كثيراً ما ترد شكاوى لمخافر الشرطة حول عمليات ومحاولات خطف، وقد تتعرض هذه الشكاوى للإهمال أو النسيان إذا ما تمّ ملاحقتها من قبل الشخص نفسه، وتابعت حول ذلك قائلة:
"أعتقد بأنّ عائق اللغة بالإضافة إلى عدم توافر أوراق قانونية، هو ما يجعل اللاجئين السوريين عرضة للإهمال أكثر من قبل الشرطة التركية، لذا يجب على أي لاجئ ممن أراد تقديم شكوى لدى مخفر الشرطة، أن يقوم باصطحاب مترجم معه على الأقل، وألا يخاف أبداً من عناصر الشرطة، فهنالك العديد من المنظمات التي قد تساعده أو تقوم بتوكيل محام له دون أتعاب، والمشكلة الأكبر بأنّ العديد من اللاجئين لا يعرفون حقوقهم تمام المعرفة".
لا تعتبر حوادث الخطف بالأمر الجديد في تركيا عامةً، وفي مدينة إسطنبول خاصةً، فقد سبق أن شهدت المدينة وقوع حوادث مشابهة بحقّ مواطنين أتراك في وضح النهار، بحسب ما تناقلته إحدى الوسائل الإعلامية التركية، والتي أوردت، في شهر أيلول/ سبتمبر 2021، خبر ضرب واختطاف أحد الشبان الأتراك بينما كان جالساً في المقهى أمام مرأى من المارة، في منطقة (Sancatepe)، حيث علّق الموقع على تلك الحادثة بالقول:
"حاول ثلاثة أشخاص جاؤوا بحافلة صغيرة، اختطاف شخص يدعى سرحات عنان بينما كان جالساً في المقهى بقوة، وبعد مقاومة المخطوف، أجبر الأفراد الشاب على الركوب في السيارة بالقوة وضربه، وهرب ثلاثة أشخاص وضعوا الشاب في الحافلة في وضح النهار، وبدأت الشرطة تحقيقاً في الحادثة".
في حادثة أخرى شهدتها المدينة ذاتها، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، وقعت محاولة اختطاف فاشلة، حيث أقدم ثلاثة أشخاص في منطقة (Beyoglu) على اختطاف شاب تركي بواسطة سيارة أجرة، حيث نجحت الشرطة لاحقاً بالقبض على عدد من المشتبه بهم، بحسب ما أوردت جهة إعلامية تركية أخرى، حيث ذكرت:
"قام الأفراد بضرب "محمود. ي" ثم أجبروه على ركوب سيارة أجرة وخطفوه. أبلغ أصدقاؤه فرق الشرطة. وفحصت فرق شرطة منطقة بيوغلو، التي حضرت إلى مكان الحادث بعد الإشعار. تمّ القبض على 2 من المشتبه بهم الخمسة الذين قبضت عليهم شرطة بيوغلو وتم إرسالهم إلى السجن".
وفي مدينة أضنة التركية، تعرّض شاب تركي آخر لمحاولة اختطاف من قبل ثلاثة آخرين، وذلك مقابل حصولهم على فدية مالية تقدّر بـ 50 ألف ليرة تركية، حيث نجحت الشرطة بإلقاء القبض على الفاعلين، بحسب ما تناقلت إحدى الوسائل الإعلامية التركية، حيث أوردت:
"قام 3 أشخاص بضرب وخطف "بلال. د" (34)، وسط الشارع. وبينما انعكست هذه اللحظات في الكاميرات الأمنية، اتصل المشتبه بهم بزوجة بلال. د، وطلبوا منه إحضار 50 ألف ليرة تركية أو ذهب. وأثناء تحييد المشتبه بهم في العملية الخاصة بالمنزل، تم إنقاذ الضحية، واعتقال المشتبه بهم من قبل الشرطة التركية".
بعد محاولاتنا التواصل مع عدد من المنظمات العاملة في مدينة إسطنبول، رفضوا الإدلاء بأي معلومات حول قضية الخطف، نتيجة حساسية القضية، كما رفضوا ذكر أسمائهم الحقيقية، واكتفوا بالقول إنهم يقدمون خدمات قانونية ونفسية للاجئين، وبعضهم قال بأنهم قدموا مساعدة قانونية للاجئين كانوا قد تعرّضوا للخطف سابقاً.
في العموم يعيش اللاجئون السوريون في مدينة إسطنبول، والتي تضم أكثر من 500 ألف سوري، (بحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن دائرة الهجرة التركية)، حالة من القلق المتزايد، وخاصة بعد انتشار حوادث الخطف الأخيرة، إضافة إلى تصاعد موجة العنصرية ضدهم، بحسب ما قاله العديد منهم، والسياسات الحكومية التركية غير المستقرّة.
ليفانت - أحمد ظاظا
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!