الوضع المظلم
الأحد ١٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
حافظ الأسد المحبوب من قبل الباحثين الغربيين
مصطفى عباس


وأنت تقرأ للكتّاب والمستشرقين والباحثين الغربيين المعنيين في الشأن السوري، ستجد أنّ لديهم شبه إجماع على إصباغ الكثير من صفات العبقرية والأمانة والتمسك بالمبادئ لدى حافظ الأسد.


لا أدري إن كانت هذه الكتابات نابعة من قناعات شخصية أم توجيهات من مراكز البحوث التي يعملون لها، أم أنّها تناقل للمعلومات فيما بينهم دون تمحيص.


راسب بالثانوية


قبل أيام كتب الصديق محمد منصور منشوراً على صفحته في فيسبوك، ذكر فيه أنّ حافظ الأسد رسب في الشهادة الثانوية وأعادها مرة ثانية. الحقيقة أنّني تفاجأت بهذه المعلومة، لأنّ ما ترسّخ لدي في اللاشعور بعد قراءة العديد من الكتب التي كتبها باحثون غربيون حول تاريخ سوريا المعاصر، وما تضمنته من تناول لشخصية الأسد، أنّه كان مجدّاً ومعجباً بشخصية الطبيب “وهيب الغانم”، الذي نسَّبه إلى حزب البعث، وأنّه كان بعد نجاحه بتفوق في الثانوية يريد دراسة الطب، ولكن فقر عائلته حال دون ذلك، ففضل الدخول إلى الكلية العسكرية في حمص، وأنّه كان ناشطاً وطنياً منذ صباه، فكان رئيسَ اتحاد الطلبة في اللاذقية.


هينبوش معجب بالأسد


وأنا اقرأ كتاب “سوريا الثورة من فوق”، للباحث الأمريكي “رايموند هينبوش”، الصادر عن دار نجيب الريس عام 2011، بترجمة حازم نهار، تفاجأت كذلك بأنّ هذا الكاتب الرصين معجب بشخصية حافظ الأسد، ورغم أنّ الكتاب هو نقد للدكتاتورية والطائفية وثورة آذار التي تم فرضها من أعلى عبر العسكر، ولم يكن لها أساسات متينة على الأرض، حتى إنّه أسماه “نظام الفاشيستة الشعبي” الذي يتبع نظاماً اقتصادياً لا هو رأسمالي ولا هو شيوعي، إنما هو “نظام ماركنتلي” شبيه بإدارة الاقتصاد في أوروبا بالقرون الوسطى، إلا أنّ الباحث في سياق كلامه يبدو معجباً بشخصية ذلك الدكتاتور الدموي.


استرداد الجولان


يقول في سياق حديثه عن الأسد بعد انقلابه على رفاق دربه وإيداعهم السجن، وبعد أن أصبح في السلطة “أصبح هاجسه استرداد أرض سوريا وكرامتها”، رغم أنّه هو من كان وزيراً للدفاع عند سقوط الجولان، وهو الذي أصدر أوامر بالانسحاب الكيفي من تلك المرتفعات الوعرة، وهو من أمر بإذاعة خبر السقوط قبل يوم من سقوطها، رغم أنّها مرتفعات وعرة ولا يمكن الاستيلاء عليها بسهولة، وقد كلف تحصينها نحو 300 مليون دولار، وبأحدث المعدّات. وحتى عندما اجتمعت القيادة القطرية لحزب البعث لتحميل حافظ أسد مسؤولية سقوط الجولان، انقلب عليهم وأودعهم السجن، في انقلاب أسماه “الحركة التصحيحية”، ما يعني أنّ الجولان قد سُلّم تسليماً، مقابل وصول حافظ الأسد إلى الحكم، والدليل هو أنّ أهدأ جبهة على طول حدود إسرائيل هي جبهة الجولان، فمن جهة الأردن أو مصر أو حتى جنوب لبنان، لطالما سمعنا عن عمليات أو تسللات، ولكن جبهة الجولان لم يطلق منها حتى رصاصة طوال نصف قرن.. فلماذا لا يبحث الكُتّاب الغربيون بهذه الفرضيات؟


الأمين حافظ الأسد



في موضع آخر يقول هينبوش: “إن الأسد لم يطوّر كاريزما عبد الناصر بسبب الخلفية السرية الاعتيادية لمشاهد قائد غير مريح بالأسلوب الشعبي، ولكنه كسب الاحترام لأمانته”. وهذه الأمانة أضع تحتها الكثير من الخطوط وإشارات الاستفهام، لا أدري من أين تأتي الأمانة إذا كانت كل مقدرات الدولة بين يديه يتصرّف بها كيفما يشاء، وهو كان منذ الثمانينات مريضاً، ولكنه قادر فقط على التخطيط لكيفية البقاء في السلطة، عبر الملفات الخارجية، وترك لابنه باسل إدارة أموال النفط السوري كملك شخصي، وترك الحبل على غاربه لجميع من التفّ حوله للإثراء من مال الدولة، واستغلال المناصب وعقد الصفقات، وهذا ما يقوله أيضاً هينبوش.


شخصيات كواجهات



النقطة الثالثة، يقول الباحث الأمريكي إنّ النخبة العليا في سوريا كانت ائتلافاً من كل الطوائف، ولكنه لا يذكر أنّ جميع الذين كانوا في المناصب العسكرية أو حتى المدنية، كانوا واجهات ولم يكونوا أصحاب قرار، وكل ضابط سني كان لا يستطيع اتخاذ قرار لأنّ نائبه الأدنى رتبة، أهم منه في المنصب، والقرار بيد الأخير طبعاً، وهذا ماقاله “حنا بطاطو” في كتابه الشهير “فلاحو سوريا”. ويلفت هينبوش إلى أنّ النخبة العليا كانت مؤلفة من الضباط العلويين والتجار الدمشقيين، ولكن الحقيقة أنّ هذه الطبقة البرجوازية قد تم إضعافها كثيراً منذ الاحتلال الفرنسي وصولاً إلى التأميم والإصلاح الزراعي، على مدى نصف قرن، فما جرى هو مشاركة الضباط لهؤلاء التجار بأموالهم، عبر السماح لهم بالعمل، مقابل دفعهم “الخوّة”، وهؤلاء التجار لم يكونوا بحال من الأحوال شركاء في الحكم، والكاتب يشير للتناقض في تعامل الضباط مع التجار في مكان آخر من الكتاب، “وأصبح النظام الذي بدأ كتمرد على المؤسسة التجارية شريكاً مع عائلات ذات ثروة تجارية قديمة وحديثة في العاصمة من خلال الصلات الدمشقية”، وفي ذات الوقت يقرّ هينبوش أنّ الصف الثاني من النخبة كان طائفياً بامتياز. 


الثبات على المبدأ


في حديثه عن صفات السياسة الخارجية بعهد الأسد الأب، يذكر من صفات الأب “الثبات على المبدأ”، ويذكر أنّ الأسد رفض السلام مع إسرائيل دون الانسحاب الكامل من الجولان لمدة ربع قرن، وأنّه رفض السلام مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، وهذا الكلام كله يحتاج إلى مراجعة تاريخية، فلو وقّع الأسد سلاماً مع إسرائيل لن يعود هناك داعٍ للجيش، الذي هو عماد سلطة الأسد، والغالبية الكبرى من أعوانه وحاضنته الشعبية ضباط وصف ضباط وعناصر يعتاشون من هذا الجيش، ما يعني خلخلة أحد أهم ركائز الأسد، ثم إنّ الصراع مع إسرائيل كان علة وجود النظام، فلو زالت هذه العلة، فإنّ المعلول سيزول قريباً.


القضية الفلسطينية


أما بخصوص القضية الفلسطينية، فإنّ من دفع ياسر عرفات ومنظمة التحرير لتوقيع أوسلو هو نظام حافظ الأسد الذي قاتلهم في لبنان، بيروت وطرابلس وحرب المخيمات، وغيرها، واجتمعت إرادة النظام مع الإرادة الإسرائيلية على إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، وحتى إنّ عرفات كان في آخر أيامه يشتم الأسد كثيراً، لأنّه السبب فيما وصلت إليه القضية الفلسطينية.


بكل الأحوال، تبقى شخصية حافظ الأسد معقدة وفيها الكثير من الجوانب المبهمة، وسيرته الشخصية فيها العديد من حالات القطع، ما يعني أنّ إعادة رسم الصورة كاملة مع ملأ الفراغات بالحقائق، ستنتج شخصية غير تلك التي يصوّرها الباحثون الغربيون.


ليفانت – مصطفى عباس  








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!