يتكرر سيناريو الاستفزازت بين روسيا وحلف الناتو كل فترة. ومنذ الاجتياح العسكري الروسي لجزيرة القرم وضمها في مارس 2014 بشكل نهائي إلى جمهورية روسيا الاتحادية، زاد منسوب التوتر بين وريثة الاتحاد السوفياتي ودول الجوار المحسوبة على الغرب ولاسيما أوكرانيا بعد ثورة 2014.

منذ ضم جزيرة القرم زادت المشاحنات في ملفات الأمن الاستراتيجي، عراقل وثم حلول في اتفاقيات ستارت المتعلقة بالأسلحة النووية الاستراتيجية، تحركات الناتو على الحدود الروسية وفي المجال الحيوي الروسي، رد الكرملين بنشر صواريخ أس 400 في دول جوار كروسيا البيضاء، وجود عسكري أمريكي جوي وبحري في البحر الأسود وفي الدول المتشاطئة على قزوين.

كباش سياسي مع تركيا في مِلَفّ منظومات أس 300 المضادة للطائرات التي استوردتها الأخيرة من تركيا رداً على تعطيل برنامَج أف 16 الصناعي المشترك و أف 35. حيث دخلت روسيا بثقل مع الجار والعدو التاريخي تركيا العضو في الناتو التي تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية (أنجيرليك) تحتوي قنابل نووية أمريكية، في علاقات صداقة تتوجت بميزان تجاري صاعد بين الجانبين ولاسيما السياحة، بين يجري كباش آخر على النفوذ في دول البلقان.

في 10 أكتوبر المنصرم، وافق وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي "الناتو" الخميس (21 تشرين الأول/أكتوبر 2021) على خُطَّة رئيسة جديدة لردع روسيا. وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ بعد الاجتماع: "إننا نعزز تحالفنا بخطط أفضل وأحدث". وتهدف استراتيجية الناتو إلى الاستعداد لهجمات متزامنة من قبل روسيا في دول البلطيق ومنطقة البحر الأسود. بينما ترفض موسكو جميع الاتهامات المتعلقة بكونها تتصرف "بعدوانية"، متهمة الناتو بـ"زعزعة استقرار أوروبا" من خلال استعداداته الاستراتيجية.

لا ينفك الجانبان على استعراضات القوة وتوجيه الرسائل، أيا تكن توافقات القوتين العالميتين على ملفات عدة في العالم، بينما يبحث الكرملين مضحياً على حساب التنمية المستدامة داخل البلاد بتصدير روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي كقوة رئيسة صاعدة ووازنة في المشهد المستقبلي لعالم متعدد الأقطاب حيث يبرز دور قيادة بوتين في هذه الجزئية بالذات فيتجاهل الروس عموماً إخفاقات وأخطاء القيادة الحالية.

سبق هذه التحركات العسكرية من الجانب الروسي على الأقل ولاسيما مشهد فتح الحدود البيلاروسية وتصعيد الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي، تعطيل أمريكي لمشروع نورد ستريم2  الذي انتهى تماماً في 10 سبتمبر المنصرم  كما أعلن ألكسي ميلر مدير غاز بروم، وكان جاهزاً للتشغيل، ليتعطل مؤقتاً ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عن طريق ألمانيا بضغط أمريكي بينما كان الكرملين مستعجلاً لبدء عمليات الضخ.

⚡️ During a morning briefing at Gazprom, Alexey Miller, Chairman of the Management Committee, announced that the construction of the Nord Stream 2 gas pipeline was fully completed at 8:45 am (Moscow time) earlier this morning.@NordStream2

— Gazprom (@GazpromEN) September 10, 2021

قاذفات نووية فوق بيلاروسيا

في آخر المشاهد العسكرية الاستعراضية غير الضرورية لجهة مكان تنفيذها الجغرافي فوق بيلاروسيا توجّهت طائرتان قاذفتان روسيتان في مهمة تدريبية في طلعتين متتاليتين خلال يومين نهاية الأسبوع الماضي. وبينما لم تؤكد الأنباء أن القاذفتين هما من رافقتها طائرات مقاتلة بريطانية من طراز تايفون  Tu-160 أمسِ الجمعة، وفقاً لبيان نشرته القوات الجوية الملكية.

لقد أطلقت طائرة تايفون للإنذار السريع (QRA) تابعة لسلاح الجو الملكي اليوم من (قاعدة لوسيماوث وكونينغسبي الجويتين). كان هذا رداً على اقتراب طائرة روسية من طراز TU-160 بلاك جاك من المجال الجوي للمملكة المتحدة، ونُسّق مع العديد من حلفاء <الناتو>."تاس1"

وفقا لوزارة الدفاع البريطانية، كانت هناك طائرتان روسيتان لم تدخلتا المجال الجوي البريطاني. وفي وقت سابق يوم الجمعة، ذكرت وزارة الدفاع الهولندية أن مقاتلات بلجيكية من طراز F-16 رافقت قاذفات روسية من طراز Tu-160.

كانت الرسالة الجوهرية للكرملين بإرساله قاذفتين استراتيجيتين قادرتين على حمل السلاح النووي في مهمة تدريبية فوق بيلاروسيا لمرتين متتاليتين، عرض قوي لدعم موسكو حليفتها بيلاروسيا بزعامة الديكتاتور لوكاشينكو التي تخضع لعقوبات غربية ولاسيما بعد مسرحية الانتخابات الرئاسية والاتهامات الأخيرة حول الهجرة تسهيل الهجرة غير الشرعية عبر أراضيها.

وكانت المهمات هي المرة الثانية خلال يومين، ترسل فيها روسيا قاذفاتها النووية في سماء بيلاروسيا. وحلقت قاذفتان روسيتان بعيدتان المدى من طراز Tu-22M3 في دورية مماثلة يوم الأربعاء، وتدربت أصول الدفاع الجوي البيلاروسية على اعتراضها.

تبريرات

أشارت السِّفَارة الروسية في المملكة المتحدة مراراً وتكراراً إلى أن السياسيين والعسكريين البريطانيين في الآونة الأخيرة يستشهدون في كثير من الأحيان بالتهديد الروسي المزعوم من أجل تبرير زيادة ميزانية الدفاع والوجود العسكري البريطاني في مناطق أخرى.

وأشار الدبلوماسيون الروس أيضاً إلى أن الطلعات الجوية العدّة التي قامت بها الطائرات المقاتلة البريطانية لمرافقة الطائرات الروسية هي إنفاق غير مبرر للموارد المادية والبشرية مما يخلق مخاطر إضافية على الطيران المدني.

نقلت وكالة إنترفاكس، عن وزارة الدفاع الروسية، القول إن مقاتلات بريطانية رافقت قاذفتي قنابل روسيتين من طراز "توبوليف تو-160" ذات القدرات النووية خلال دورية استمرت لساعات.

وذكرت إنترفاكس نقلاً عن الوزارة "أجرت اثنتان من حاملات الصواريخ الاستراتيجية طويلة المدى من طراز تو-160 تحليقاً دورياً في المجال الجوي فوق مياه بحر بارنتس المحايدة، والمياه النرويجية وبحر الشمال".

مناورات "العم سام" وشركائه

في يوليو المنصرم انتهت مناورات "نسيم البحر" التي استضافتها القوات البحرية الأميركية والأوكرانية، في البحر الأسود بمشاركة 32 دولة، ووصفت بأنها الأكبر من نوعها في المنطقة منذ عام 1997. شارك في هذه المناورات البحرية التي انطلقت منذ 28 يونيو الماضي، 5 آلاف عسكري إضافة إلى 32 سفينة و40 طائرة و18 فريق كوماندوز، مما جعل منها أكبر تدريبات مشتركة منذ سنوات. لقد كانت عرضاً دفاعياً كبيراً ورسالة لروسيا بعزم أمريكا دعم حلفائها، فضلا عن مساعِ لإعادة توازن في المنطقة.

ويرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه من غير المناسب لروسيا تنفيذ مناوراتها في البحر الأسود رداً على مناورات الناتو هناك التي شارك فيها دول رومانيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا وبلغاريا، فلا داعي لتصعيد الموقف. قال ذلك في مقابلة مع بافل زاروبين.

وأضاف: "يجب أن أقول إن وزارة الدفاع لدينا قدمت أيضا اقتراحاً لإجراء مناورات غير مخطط لها في هذه المنطقة المائية، لكنني اعتقد أن هذا غير مناسب ولا داعي لمزيد من تصعيد الموقف هناك."

ولفت الانتباه إلى حقيقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو يجرون الآن تدريبات غير مخطط لها في البحر الأسود، ولم يشكّلوا مجموعة بحرية قوية إلى حد ما هناك، ولكنهم يستخدمون الطيران، بما في ذلك الطيران الاستراتيجي، في سياق هذه التدريبات". "تاس"

وأشار بوتين إلى أن "B-51 المستخدمة، هي طائرات قديمة نوعا ما، لكن ليس الناقلات هي الأهم، المسألة هي أنها تحمل أسلحة استراتيجية. هذا تحد خطر لنا". واعتبر اليوم السبت، أن المناورات الأميركية غير المجدولة في البحر الأسود تمثل "تحدياً خطراً" لبلاده، ولاسيما استخدام حلف شمال الأطلسي (الناتو) للطائرات المتطورة.

تحرك روسي على الحدود... وأزمة هجرة "بشراكة روسية"

سبق مناورات العم سام المشتركة، تحركات روسية على الحدود الأوكرانية. لقد حُشد حوالي 100 ألف جندي روسي على الحدود مع أوكرانيا في أيار/مايو الماضي، وهو عدد أكبر مما جرى حشده منذ ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014.

في الآونة الأخيرة، هددت روسيا الناتو بعواقب إذا اتخذ مزيداً من الخطوات لقبول أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو، ما استدعى من المسؤولين الأمريكيين دق أجراس الإنذار الأسبوع الماضي بشأن الأنشطة الروسية بالقرب من أوكرانيا، حيث يسيطر الانفصاليون الذين تدعمهم موسكو على مساحات من الأراضي في صراع مستمر منذ سبع سنوات.

آنذاك، حذر وزير الخارجية أنطوني بلينكين روسيا من ارتكاب "خطأ فادح" آخر تجاه أوكرانيا حيث سعت واشنطن للحصول على معلومات حول تحرك مزعوم للقوات الروسية بالقرب من الحدود وصفها البنتاغون بأنها "غير عادية في حجمها ونطاقها".

وكرر مسؤولو الاتحاد الأوروبي المخاوف الأمريكية في 12 نوفمبر / تشرين الثاني الجاري، وقالوا إنهم يراقبون الوضع إلى جانب حلفائهم الأمريكيين والبريطانيين. وتتهم بولندا ودول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا، حليفة روسيا، بتشجيع المهاجرين من الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا على اجتياز الحدود إلى الاتحاد الأوروبي.

اقرأ المزيد: قاذفات نووية روسية في مهمة فوق بيلاروسيا

لقد تراجعت عَلاقة روسيا بالغرب منذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014 من أوكرانيا ودعمها للانفصاليين الموالين لروسيا في شرقي البلاد. وفرضت الدول الغربية سلة من العقوبات في السنوات الأخيرة على روسيا بسبب التدخل المزعوم في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، والهجمات الإلكترونية، وتسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني. بيد أن موسكو اتهمت الغرب بالتدخل في انتخاباتها ودعم القُوَى المناهضة للكرملين في دول مثل أوكرانيا وجورجيا، التي تعتبرها روسيا جزءاً من مجال نفوذها التقليدي. كل شيء لدى روسيا قابل للتفاوض والمساومة وإجراء الصفقات إلا ما يخص أمن القومي ومجالها الحيوي. لطالما كانت روسيا مسكونة بهذا الهاجس، حيث الجغرافيا الهينة(السهول) مع جيرانها من الغرب تخنقها وأيضا تلك الموجودة في جَنُوب شرقها في أسيا الوسطى، هو جيوبولتيك دموي لا يتهاون معه الروس مشحون بتاريخ مرير.

إعداد وتحرير: وائل سليمان