الوضع المظلم
الخميس ٠٢ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
جدلية الهوية الكُردية بين الوطني والقومي
شفان إبراهيم

يتبلور مفهوم الهوية من خلال مثلث قاعدته الفرد وضلعاه المجتمع والزمرة "المجموعة" وهذه الأخيرة تحديداً/الأحزاب، المنظمات، المراكز البحثية نوعاً ما/ تختص بالتفاف الجماهير حول كيان أو تكتل سياسي يشتركون بصفة مطلبية عابرة أو مؤقتة، وهو ما يُفسر النجاح النسبي للحركات السياسية الكوردية عبر الاستناد على المفهوم القومي كوردياً في استقطاب الشارع الكُردي والحفاظ على تلك النسب سواء المنتسبة والمُلتزمة تنظيمياً أو المؤيدة لحالة الدفاع عن الهوية الكوردية –بغض النظر عن مدى نجاح تلك الأحزاب في تأمين خطط وتطبيقات لأجل تلك الهوية-.




ويُستشعر مدى عُمق العصبية "الشعبية" كوردياً حول مفهوم الهوية القومية للشعب الكوردي. ما يشي أن الهوية كجوهر لم يعد خاصية يُمكن التحكم بها عبر فرض مسارات جديدة مُغايرة لها، بل أن الهوية الفردية، والهويات السياسية ومدى تقديرها، أصبحت تخضع أكثر للإعداد من جديد، أو تستمر في تذمرها وتشبثها بأفكارها؛ نتيجة المدخلات والتفاعلات بين الأفراد والزمر وبين إيديولوجياتهم.




الجديد والملاحظ في الحدث السوري في الطرح الهوياتي، تجلى بالطرح على مستوى الدولة والمعارضة والفصائل المُسلحة، وكان الهدف هو الحفاظ على الخصوصية الفردية والقومية، والدينية، والطائفية، والمذهبية، لكل فئة تطرح هويتها على صعيد الدولة السورية ككل والدعوة لجعلها هوية وطنية وهو ما كان جدّة التحول في الحدث السوري، لكن هويات القوميات المغايرة وحدهاـ كانت تصدم باستحضار مفاهيم العروبة والإسلام السياسي، وضرورة الحفاظ على الصبغة العربية لكل سوريا!




عانت الهوية السورية من التشتت والتمزق بفعل الافتقاد إلى هوية واحدة تجمع الكل منذ التواجد الفرنسي في سوريا. ولا تحتاج اللوحة السورية إلى كثير من البحث لمعرفة إن الدولة السورية، والإخوان المسلمين، والكتائب المسلحة المعتدلة منها والمتطرفة، (داعش، جبهة النصرة، أحرار الشام، جيش الإسلام)، كلهم يسعون إلى فرض هوياتهم. أو على أقل تقدير ثمة جهات أخرى تسعى للحفاظ على خصوصية هوياتهم /كورد –أشور سريان/ وكلٌ من المتصارعين يحظون بخزان بشري متفاوت الحجم يوفرون لتلك التنظيمات أو الأطراف إمكانية الحركة المرنة ويضعون مؤيديهم في خدمة أهداف تلك الهويات المتصارعة، لكنهم يعودون للاتفاق ما أن تطلَّ الهويات الفرعية للقوميات برأسها بحثاً عن أماناً غاب عنها لقرابة القرن.


فالكتل السياسية والدينية والقومية تطالب كلٌ منها مرفودة بخزانها السكاني، تطالب بهويتها الخاصة ضمن حدود واسعة، وفرضها وصبغها على كل سوريا تالياً. ما يجعل من ثبات الحدود الجغرافية المركزية السورية أمراً صعب المنال، وكان يمكن الجعل من تلك الخطوط والحدود الجغرافية القائمة اليوم حدوداً إدارية ينظر إليها كجزء من وطن واحد بهوية جامعة. وحتى الفئات التي هاجرت والتي بلغت حوالي أكثر من ربع عدد سكان سوريا فإنهم هم أيضاً ينقلون مشاكل هوياتهم المثقلة بأوجاع فقدانها، إلى البلدان المستضيفة لتنقل مشاكل اللاجئين إلى مستوى المشاكل على صعيد الهوية.




مجمل هذه التحديات من صراع على هوية سورية المستقبلية إلى صراع هوياتي سوري خارج حدود القطر الجغرافي، إلى إمكانية انسلاخ المهاجر عن هويته أو يذوب وسط مجمّعات سكانية خليطة كما في أوربا أو تغيب هويته الخاصة كما في بعض الدول الإقليمية..هي انسلاخ عن الهوية الوطنية الهشة وغير المحمية بمفهوم العيش المشترك والشراكة السياسية، وتهديد قوي مباشر على الهوية الفردية في الوقت عينه.




المضحك المبكي في كل هذا الصراع الهوياتي إنه يأتي تحت يافطة الحفاظ على الدولة السورية وفي الوقت عينه فإنه يدفع نحو الانكماش والتقوقع حول الذات الهوياتية الخاصة والاحتياط من الأخر الذي أصبح غريباً منبوذاً. علماً أن لُبّ تعرفه ذاك الصراع يتحدد من خلال معرفة الأنا نفسها عبر الأخر المخطئ دوماً، وهو ما استمر حتى بعد بداية الحراك الشعبي 2011، بمعنى أن التغيير لم يكن سوى على مستوى المطاليب بنقل السلطة والإدارات وشاكلاتها، لكن الطروحات حول كيفية العيش معاً، والبحث في ما يُطمئن البقية، وإمكانية شمول جمهور الطرفين من مؤيدين ومعارضين في حدود واحدة، لم تكن لتنمو فحسب، وبل راحت تُبتر ويُقضى عليها أيضاً.




هذا التعرف يصنّف تحت يافطة "الآخر الغريب" الذي أصبح واقعاً يجب التخلص منه، وهو وضع إشكالي لم تستطع الكتل والجماعات المتحاربة فيما بينها من تجاوزه رغم جميع شعارات الوطنية/القومية/الوطن الواحد....إلخ، ويكفي التدليل على إصرارهم على عروبة سورية كدليل بؤسهم. لكن في الوقت نفسه، لماذا لا تتم إدارة مناطق مثل عفرين، كريسبي، سري كانيه، ومناطق درع الفرات من قبل السوريين وحدهم. ليس من الحكمة عِداء تُركيا لما لها من أوراق ضغط تفوق حجم كُل السوريين، وما للحدود المشتركة من أهمية العيش بحسن الجوار، أو لنقل أيضاً لما لهياكل الحكم في تلك المناطق من حاجة إلى من يمدها، لكن المشكلة بمن أرتضى العيش بهوية غير هويته العربية، لكنه يُجاهد في سبيل استحضار هويته العربية حين تكون القضية متعلقة بمثيلتها الكُردية.


شفان إبراهيم - كاتب وصحفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!