الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ثقافة بديلة تنتظر العلاج
سعد الساعدي

الأرواح تمرض كما يمرض الجسد، مقولة ومثل قديم متعارف عليه في مجتمعنا، ولكن بعد منتصف عام ٢٠٠٣ بدأت مختبرات صناعة الفيروسات بإنبات أنواع جديدة من فيروسات متطورةَ الجينات ولها مقاومة شديدة ضد أية لقاحات أو مصولات، لم يكن القصد منها الإعداد لحرب بيولوجية أو سلاح ردع شامل في حرب نفسية ضد عدو محتمل أو افتراضي.. إنها فيروسات ثقافة الفساد التي أصبحت أكثر من ظاهرة منتشرة في العراق بلد الديمقراطية المفترض.

هناك عشرات الآلاف من الخريجين العاطلين عن العمل وحين تتوفر درجات وظيفية للتّعيين ويتقدم أصحاب الشهادات المرموقة والمعدلات العالية يصابوا بخيبة أمل في كل مرة ومنذ سنين طويلة بعدم تعيينهم حتى بات اليأس حليفهم والصديق الحميم لهم، لماذا كل ذلك يحصل؟

والذي يريد معرفة كيفية تعيينه على أقل وظيفة يقال له:

ادفع (٦٠ورقة أو ٨٠ ورقة) والمقصود دفع رشوة قيمتها تصل ربما إلى عشرة آلاف دولار، أي ما يقارب خمسة عشر مليون دينار عراقي، وحسب سعر صرف الدولار في ذلك اليوم، هذا بالنسبة لأبسط حق طبيعي للمواطن الراغب في التعيين بإحدى دوائر الدولة التي يفترض بالحكومة تبنّي قانون الخدمة المدنية وتعيين الأشخاص كل حسب خبرته وشهادته وإمكانياته بعد تجاوز اختبار التعيين الخاص، لكن القانون الحالي هو قانون هيمنة الأحزاب ومافياتها.

وبمناسبة ذكر الأحزاب فإن كثيراً من المشاريع لا يتم الموافقة عليها إذا لم تدخل مطابخ الأحزاب وسماسرة الفساد حتى أصبح الحديث واضحاً وضوح الشمس عندما يقول هؤلاء السماسرة بأن أحزابهم بحاجة إلى تمويل مالي، وهذه خير وسيلة للتمويل وكأنه حق شرعي ثابت، والعجيب أن من يحكم الآن في العراق هي أحزاب دينية ينبغي عليها مخافة الله أولاً ومحاربة المفسدين، والسعي لإسعاد الإنسان العراقي التي طالما نادت بتحريره من الدكتاتورية والظلم والاستبداد.

لكن الأمر اختلف؛ فبعد أن كان من يدّعي محاربة الفساد حسب نظريته وعقيدته هو الآن الفاسد بامتياز، وأخيراً أطلق عليهم الحيتان لما يتمتعون به من سلطة وقوة في إفراغ أموال البلد في خزائنهم ومن كل الاتجاهات وليس النفط فقط، بل حتى المزارع والبساتين التي أصبحت أراض سكنية بعد أن كانت محرّمة الاّ لغرض الزراعة فقط، وصرنا نستورد البصل والثوم من إيران وتركيا، وأخيراً نستورد الأسماك الحية بأسعار خيالية بخيسة الأثمان أماتت أسماكنا في بحيراتها، وانعدمت ثروتنا السمكية ذات الطعم المميز، واختفى ما كان يُعرف بـ الشبوط والگطان والبني.

الثقافة البديلة هي ثقافة الفساد الآن؛ فعلاً هي فيروسات شديدة العدوى تنتشر بسرعة مذهلة، والكل يتفرج وخاضع لها إلاّ قلة من الشرفاء التي تشجب تارة وتتظاهر ضد الفساد تارة أخرى، والنتيجة هي تهميش وإقصاء أصحاب الخبرة والكفاءة والاعتماد على (الدمج) في كل شيء.

والدمج هو مصطلح جديد ظهر بعد عام ٢٠٠٣ أيضاً، يقصد منه منح شهادة وهمية من جامعة عابرة الحدود لمن لا شهادة له وتنصيبه مديراً أو وزيراً. ومنح رتبة عسكرية لمن لم يدخل الكلية العسكرية أو كلية الشرطة، وبما يشاء من الرتب ليكون قائداً عسكرياً ومعه مجموعة من الفضائيين، وأيضاً هذا مصطلح جديد في الثقافة العراقية جلبته ثقافة الفساد.

التساؤل الآن هو: أما آنَ الأوان من المتنفذين وأحزابهم أن يعودوا للعمل بإخلاص ونزاهة وينتموا للروح الوطنية من جديد من خلال ثقافة هي ليست ثقافة الفساد، ولنقل ثقافة العودة إلى الوطن وطلب المغفرة منه والعمل بأمانة؟

مع أن الأمل باقٍ يتجدد بالخير والصلاح بوجود ثلة المصلحين، لكن المتابع يقلق حين يرى تسريب فيديو يُظهر أحد الوزراء يقسم بالولاء لحزبه وهو يضع يده على المصحف، ولا يقسم بالإخلاص والوفاء للوطن والشعب، فأية أرواح مصابة بتلك الفيروسات وصلت إلى هذا الحد، وإلى أي مآل ستؤول أمور العراق إن لم يظهر للعلن المضاد الفعال والنهائي لأصل الفساد وفيروساته؟

 

ليفانت - سعد الساعدي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!