-
تلوث المياه في البصرة وتقاعس الحكومة العراقية عن حل المشكلة
تستمر معاناة أهالي البصرة في العراق بسبب تلوث المياه في مناطقهم بالتزامن مع عدم حصولهم على كفايتهم من مياه الشرب، وغياب تام لمؤسسات الدولة بمعالجة التلوث الحاصل في المياه منذ عشرات الأعوام.
وأصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد لها أن السلطات العراقية لم تضمن على مدى نحو 30 عاماً حصول سكان البصرة على كفايتهم من مياه الشرب المأمونة، مما أدى إلى استمرار المخاوف الصحية. وصل هذا الوضع إلى ذروته مع أزمة مياه حادة تسببت بدخول 118 ألف شخص على الأقل إلى المستشفى في 2018 وأدت إلى احتجاجات عنيفة.
"البصرة عطشانة: تقاعس العراق عن مُعالجة أزمة المياه"، عنوان جديد للمنظمة تطرق فيه إلى مشكلة تلوث المياه في البصرة، وعدم معجالتها من قبل الحكومات المتعاقبة، حيث يقول التقرير: "أن الأزمة هي نتيجة لعوامل معقّدة والتي، إذا تُركت دون معالجة، ستؤدي على الأرجح إلى تفشي الأمراض المنقولة بالمياه في المستقبل واستمرار المصاعب الاقتصادية. لم تقم السلطات على المستويين المحلي والاتحادي بما يكفي لمعالجة الظروف الكامنة التي تسببت في هذا الوضع".
فيما تقول لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: "يتخذ السياسيون قصيرو النظر من زيادة هطول الأمطار سبباً لعدم حاجتهم للتعامل بشكل عاجل مع أزمة البصرة المستمرة. لكن البصرة ستستمر في مواجهة نقص حاد في المياه وأزمات تلوّث في السنوات المقبلة، مع عواقب وخيمة، إذا لم تستثمر الحكومة الآن في تحسينات مُستهدَفة وطويلة الأجل ومطلوبة بشدة".
هيومن رايتس ووتش قابلت العشرات من سكان البصرة، ومن عاملين في مرافق المياه الخاصة والعامة، واختصاصيين في الرعاية الصحية، وراجعت اختبارات عينات المياه من نهر شط العرب، ومحطات المعالجة والصنابير في المنازل.
كما قابلت هيومن رايتس ووتش ممثلين من مجلس محافظة البصرة، ومكتب المحافظ، ووزارة الموارد المائية، ومديريات المياه والمجاري التابعة لوزارة البلديات والأشغال العامة، ووزارة الصحة والبيئة ووزارة الزراعة، وحللت البيانات الأكاديمية وبيانات الصحة العامة وصور الأقمار الصناعية العلمية والتجارية للمنطقة على مدى أكثر من 20 عاماً لإثبات العديد من النتائج.
هذا ووجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات العراقية تقاعست عن إدارة وتنظيم الموارد المائية في العراق بشكل صحيح، مما حرم الناس في محافظة البصرة بجنوب العراق – عددهم 4 ملايين نسمة – من حقهم في الحصول على مياه شرب مأمونة لعقود من الزمن، بما في ذلك خلال فترة الاحتلال من السلطة المؤقتة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن الإخفاقات الحكومية المتعددة منذ الثمانينات، بما في ذلك الإدارة السيئة لمنابع المياه في أعلى النهر، وعدم كفاية التنظيم المُطبّق على التلوّث والصرف الصحي، والإهمال المُزمن وسوء إدارة البنية التحتية للمياه، تسببت في تدهور نوعية هذه المجاري المائية.
وتقول المنظمة: "لمواجهة نقص المياه وتلوّثها، اضطر سكان البصرة للاعتماد على شراء المياه. تقع التكلفة المرتفعة، لا سيما خلال الأزمة، على عاتق السكان الأكثر فقراً، وتجعلهم قابلين على نحو خاص للتعرض لمياه الصنبور غير المأمونة".
تفاقمت الأزمة بحسب المنظمة: "بسبب انخفاض معدلات تدفق المياه العذبة في الأنهار والذي يُعزى إلى بناء سدود في المنبع متصلة بمزارع السكر وغيرها من المشاريع الزراعية، وخاصة في إيران، وانخفاض هطول الأمطار في العقود الأخيرة. نتيجة لارتفاع درجات الحرارة بسبب تغيّر المناخ، من المتوقع أن تزداد ندرة المياه في المنطقة. مع ذلك، لا توجد سياسات كافية لتقليل الآثار الضارة. تفاقم هذا بسبب الاستخدام غير المستدام للمياه في الزراعة وللأغراض المنزلية. أدى نقص المياه الكافية إلى تسرّب مياه البحر إلى شط العرب، مما جعل المياه غير مناسبة للاستهلاك البشري وري العديد من المحاصيل".
كما عثرت هيومن رايتس ووتش على أدلة على تكاثر كبير محتمل للطحالب في شط العرب أثناء تفشي المرض. يمكن أن تساهم النفايات في المياه وارتفاع درجات الحرارة المرتبطة بتغيّر المناخ في هذا الوضع، لكن يبدو أن الحكومة لم تنظر فيه. المختبرات التي اختبرت عينات المياه في ذلك الوقت لم تقم أبدا بفحوص بحثا عن الطحالب الضارة.
كما ظهر صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها هيومن رايتس ما يبدو أنه تسرّب نفطي محتمل إلى شط العرب بالقرب من حقل نهر بن عمر النفطي، وهو موقع تديره “شركة نفط البصرة” الحكومية، على بعد حوالي 25 كيلومتر من مدينة البصرة. استمر التسرب 10 أيام على الأقل.
وتقول هيومن رايتس: "لم تُنجَز المشاريع الهندسية الحكومية لتحسين نوعية المياه بسبب سوء الإدارة والفساد. لسنوات، كان المزارعون والشركات يستغلون قنوات المياه العذبة ولا يتركون ما يكفي من المياه لمحطات معالجة المياه العامة في البصرة لتأمين مياه الشرب. وهذه الإخفاقات مجتمعة تنتهك حقوق سكان البصرة في المياه، والصرف الصحي، والصحة، والمعلومات والملكية (الأراضي والمحاصيل) التي يكفلها القانون الدولي والوطني".
في حين دعت هيومن راتيس ووتش السلطات في العراق بأن تضع على الفور نظاماً تحذيرياً للصحة العامة يسمح للسلطات بإبلاغ السكان عندما تكون مياه الشرب في مجتمع ما ملوّثة أو يُشتبه بتلوّثها، والخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف الضرر، ووضع بروتوكولات للمسؤولين الحكوميين للاستجابة للتحذيرات ورفعها.
كما أكد أنه على السلطات المحلية والاتحادية أن تشكل فرقة عمل متعددة الاختصاصات ومستقلة للمياه والبيئة لمراقبة الوضع وتنسيق الإجراءات من جانب مختلف السلطات والتشاور مع السكان المتضررين. ينبغي أن تُعلن نتائج التقارير التي أُجريت خلال الأزمة الصحية في 2018 والخطط الطويلة الأجل لمنع حدوث أزمات مائية في المستقبل وللاستجابة للأزمات المحتملة. عليها أن تضمن التعويض لأولئك الذين تتأثر سبل عيشهم.
وقالت فقيه في نهاية التقرير: "الحصول على مياه الشرب المأمونة ليس ضرورياً لبقائنا فحسب، بل هو حق أساسي للجميع. بينما سيتطلب حل أزمة المياه في البصرة الكثير من التخطيط والوقت والمال، من الممكن معالجتها ما دامت السلطات تأخذ مسؤولياتها جديا. البديل قاتل".
ليفانت - هيومن رايتس ووتش
تلوث المياه في البصرة وتقاعس الحكومة العراقية عن حل المشكلة
تلوث المياه في البصرة وتقاعس الحكومة العراقية عن حل المشكلة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!