الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
تسقط المعارضة السورية
تسقط المعارضة السورية

ثائر الزعزوع


ينشط عشرات آلاف السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي لإثبات حقهم في استمرار الثورة، بل إثبات أن الثورة ما زالت مستمرة وباقية، وأن كل ما طرأ عليها في مسيرتها الممتدة على مدى ثماني سنوات وبضعة أشهر، لم يكن إلا بسبب تخاذل المجتمع الدولي، و وحشية النظام، كذا إلى آخره من قائمة تبريرات، تبدو محقة وحقيقية، لكن يغيب عن أذهاننا أحياناً أن الثورة أصلاً كانت “قيامة شعبية” تحدت حاجز خوف امتد على مدى نصف قرن من الزمان تقريباً، وأن عودتها إلى الشعب هي فقط ما سوف يجعلها قادرة على الاستمرار، والبقاء وصولاً إلى الانتصار، طبعاً مفهوم الانتصار هو مفهوم عسكري لا ثوري، والثورات لا تسير إلى النصر بل إلى تحقيق الغاية، أي، في حالتنا، إنشاء دولة عدالة وحرية. أما بقاء الثورة معلّقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحبيسة في مقالات نكتبها قد تُقرأ وقد لا تُقرأ، باعتبار أننا أمة لا تقرأ، فقد يحافظ عليها حية كفكرة، لكنه لن يحافظ عليها كفعل على الأرض قادر على إحداث التغيير المطلوب، ولا حتى على الاستمرار المطلوب، فأين الثورة الآن؟




على الأرض لم يعد ثمة وجود فعلي للثورة، السوريون الباقون داخل حدود الدويلات السورية، لا يمكنهم أبداً التحدث عن الثورة علانية، لأن ذلك سوف يعرّضهم للاعتقال أو التصفية، كما حدث ويحدث في مختلف البقاع، فهم في مناطق الإدارة الذاتية مثلاً مضطرون على التماهي مع السلطة الموجودة، دون أن يظهروا ميولهم الثورية أبداً، يمكنهم الحديث في المقاهي، أو التعبير عن رأيهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا كل شيء، في المناطق التي تتحكم فيها جبهة النصرة، والتي تدعي، وبوقاحة، أنها تمثل الثورة، يبدو الأمر أكثر تعقيداً، فهنالك عليك أن تدعو إلى إقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية، وأن تبحث في وجوه الإخوة المجاهدين عن “خليفة” منتظر، وإلا فإن مصيرك معلوم، ولا يمكن النقاش فيه، اعتُقل منذ أشهر أحد الناشطين بتهمة التحريض على الديمقراطية. في المناطق التي تقع تحت السيطرة التركية، الأمر مختلف نوعاً ما، فهناك سوف ترى علم الثورة، إلى جانب العلم التركي، نعم الأمر بهذه البساطة والوضوح، الثورة تتوارى خلف العلم التركي، ودون أي شروح أو تفسيرات فإن أنقرة لا تخفي رغبتها وحلمها القديم باحتلال تلك المناطق التي تسيطر عليها وضمها إلى الدولة التركية، فالثورة هناك، فيما يسمى مناطق محررة، تمثل حالة فصام ليست عادية، فأنت يحق لك أن تكون ثائراً ضد نظام دمشق، لكن إياك أن تفكر بالاحتجاج على أي من ممارسات النظام التركي. ما تبقى من سوريا يخضع لسيطرة نظام دمشق، وتلك المناطق يتم العمل تدريجياً لتحويلها إلى سوريا المفيدة المتجانسة، وفق مشروع النظام نفسه، وتلك ال”سوريا” مطلوب منها العودة إلى بيت الطاعة والولاء دون أي نقاش أو اعتراض على أي شيء، ببساطة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، واعتبار أن ما حدث خلال السنوات الفارطات كأنه لم يحدث، فما دام "السيد الرئيس" جالساً على كرسيه، فكل شيء بخير.




دون أن ننسى عشرات الآلاف الموزعين في مخيمات نزوح، ربما قد تتحول مع الأيام إلى مدن قائمة بذاتها، طالما أنه لا يوجد إمكانية لعودتهم أو إعادتهم إلى مدنهم و مناطقهم التي هجروا منها، ومع الظروف القاسية التي يعيشونها، فإننا نكاد نجزم أن ما يبحثون عنه هو استقرار و هدوء يعمّ حيواتهم.

تلك التوزيعات على الخريطة السورية، تدفعنا إلى الإحباط، بطبيعة الحال، فهي تعني أن الثورة على الأرض لم تعد موجودة، وأن الاستقرار الذي بدأت تشهده بعض المناطق قد يعني أن الوضع سوف يبقى على ما هو عليه، وربما لن يلبث رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن يصابوا بالملل، ويبحثوا بدورهم عن استقرار من نوع ما، ما يعني بالضرورة انطفاء فكرة الثورة كلياً، وطي تلك الصفحة الدموية من التاريخ السوري، لكن هل يمكن أن يحدث ذلك؟




هذا سؤال لا يمتلك أي واحد منا الجرأة على طرحه، حتى على نفسه، فالثورة يجب أن تستمر، وهذا النظام المستبد يجب أن يزول، نستعين طبعاً بكتب التاريخ التي تقول لنا إن الثورات لا يمكن أن تهزم، وأنه إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وهنا سوف نصل إلى النقطة التائهة، فالشعب لا يمتلك زمام الأمور، وقد طرحت المسرحية الأخيرة التي قامت بأدائها المعارضة السورية ممثلة بالائتلاف، موجة لاذعة من السخرية، فقد أعيد انتخاب فلان الفلاني رئيساً، وفلان الفلاني كذا وكذا... مع أن الناس نسيت تقريباً وجود ذلك الائتلاف برمته، لكنه للأسف ما زال موجوداً، وكنت كتبت في مقالتي السابقة أن “المعارضة هي سبب بقاء النظام” و ما تفعله المعارضة بشكل مستمر هو أنها تواصل سرقة الثورة من الشعب، الذي يريد الحياة، وكي يستجيب القدر لذلك الشعب، فلا بد أن يتولى بنفسه زمام الأمور من جديد، وأن يسقط تلك المعارضة، هذه خطوة أولى لا بدّ منها. لأن الثورة، وما قدمته من تضحيات في سبيل الحرية، شيء. والمعارضة، بربطات أعناقها الأنيقة، شيء آخر مختلف تماماً.


تسقط المعارضة السورية


تسقط المعارضة السورية

العلامات

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!