-
تركيا وروسيا.. هل صدامهما في إدلب حقيقي أم مُزيف؟
تتصاعد حدة الأعمال القتالية في إدلب ومناطق غرب حلب وشمالها، عقب سنوات من التهدئة التي فرضتها التوافقات التركية الروسية بموجب اتفاقيات خفض التصعيد الموقعة في اجتماعات الأستانة الثلاثية بين إيران وروسيا وتركيا، لترسم معها إشارات استفهام حول حقيقة التصادم الروسي التركي في شمال غرب سوريا، وتأثيرات ذلك على مستقبل المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات "الجيش الوطني السوري" من جرابلس إلى إدلب (الخاضعة أيضاً للنفوذ التركي)، إضافة للمناطق المسيطرة عليها تركيا بموجب عملية نبع السلام العسكرية في شرق الفرات.
وكالة الأنباء الروسية "تاس"، قالت في الثامن والعشرين من يناير، إن موسكو حذّرت تركيا من تبعات توفير الذخيرة للمعارضة السورية، في حين كشف المعارض السوري "محمد السالم" في تصريحات صحفية أن روسيا أبلغت تركيا نيتها استعادة أراضي تشمل مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، مشيراً إلى أن تعقيدات المشهدين الليبي والسوري وضعا تركيا في موقف ضعيف أمام نية روسية بعدم القيام بأي تهدئة ولو مؤقتة في الشمال السوري.
الصدام حقيقي أم مزيف
بكل تأكيد فإن مستقبل المناطق الخاضعة للنفوذ التركي في شمال سوريا عموماً، هي مرتبطة بمدى رضى موسكو عن أنقرة، وبالرغم مما تدعيه أنقرة من قوة، مكنتها فعلاً من السيطرة على مناطق أتسمت خلال الصراع السوري بالهدوء كـ عفرين ورأس العين وتل أبيض، لكن بكل تأكيد أيضاً فموسكو ليست "قسد" التي لم تمتلك من القوة العسكرية ما يمكنها من مواجهة الهجمات التركية المرافقة بمسلحين سوريين، فتاريخ الصراع بين روسيا كقطب مؤيد للنظام الحاكم في دمشق، وتركيا الداعمة للجماعات المسلحة، لا يبشر بالخير لأنقرة، إذ خسرت تركيا مناطق شاسعة في أرياف حماه واللاذقية خصوصاً ومنها كسب وجبل الأكراد وغيرها الكثير، بفعل الهجمات الجوية الروسية، وهو ما لا ترغب أنقرة في تكراره.
فالمناطق التي خضعت لسنوات قليلة للسطوة التركية، كانت كذلك حكماً بموافقة روسية، بدليل أنها لم تتعرض في أي يوم منذ إعلان وقف التصعيد للقصف الجوي لقوات النظام في مناطق كـ الباب واعزاز ومارع وغيرها في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي.
إقرأ أيضاً: مَن أوصل برلماني يوناني لتمزيق العلم التركي؟
وبالاستناد إلى تلك الحقيقة، يبدو أننا أمام احتمالين، أولهما يفترض أن كل ما يحصل في إدلب من مواجهات بين القوى المدعومة من تركيا من جهة، وقوات النظام وروسيا من جهة ثانية، هو أمر متفق عليه مسبقاً استخبارياً بين موسكو وانقرة، وأن لغة التصعيد الإعلامي من قبل أنقرة تجاه موسكو ودمشق، وإمداد المسلحين بالذخيرة المتقدمة يأتي في إطار حفظ ماء الوجه لدى المؤيدين لأنقرة في سوريا والعالم العربي والعالم، باعتبار أن أنقرة لها حسابات خارج الحدود السورية كتلك الموجودة في ليبيا، وعليه سترغب بالظهور في موقع المقاوم للقوى العالمية، لترسم في عقول أنصارها بأنها قادرة على صنع الحلول وربما فرضها، وربما تتوقف العملية العسكرية في إدلب عند حدود معينة مسبقاً بين أنقرة وموسكو، فتظهر معها أنقرة بأنها من فرضته على موسكو، فيما لو توقفت العمليات العسكرية عند حدود سراقب مثلاً.
أما الاحتمال الآخر، فيفترض أن الجانبين قد يكونان وصلا إلى نقطة النهاية في العلاقة التي وضعت أسسها في العام 2015، عقب إسقاط الأتراك لطائرة روسية، ومن ثم الاعتذار عنها، ليبدأ عقبها مسلسل الزيارات الودية بين بوتين وأردوغان، ما قد يشير إلى بداية النهاية للوجود التركي على الأراضي السورية، وهو ما قد يعتبر بوابة للمواجهة المسلحة المفتوحة بين روسيا وتركيا، التي قد يدعمها الغرب في مسعاها التصادمي مع روسيا.
المؤشرات الدالة على التصادم
برزت مؤشرات عديدة على التصادم الروسي التركي، والتي مهدت للأحداث الجارية اليوم في إدلب وحلب، ففي الثالث من يناير، قالَ مندوبُ النّظام السّوريّ لدى الأمم المتّحدة بشّار الجعفري إنّ النظام لن يتخلّى عن حقّه في القضاء على آخر بؤر الإرهاب في إدلب، وأكّد بأنّ تركيا تواصل التّنصّل من التزاماتها عبر دعم الإرهاب، لافتاً إلى "أنّ الاتّحاد الأوروبّي يتجاهل نقل النّظام التّركيّ إرهابيّين من إدلب إلى ليبيا للمشاركة في المعاركِ الدّائرة هناك".
وفي السادس من يناير، قال محلل روسي خبير في شؤون الشرق الأوسط، أن روسيا تسعى لدعم النظام السوري حتى تستعيد دمشق سيطرتها الكاملة على أراضيها والتوصل إلى حل سياسي بشأن الحرب الدائرة، إلَّا أن التدخل التركي في شمال سوريا يمكن أن يكون انتكاسة مؤقتة للمصالح الروسية، وذكر المحلل السياسي الروسي إكبال دُرّة في مقابلة مع “العربية.نت” إن “جميع القوى الرئيسية في سوريا تخوض حرباً بالوكالة وبعد الهزيمة الكبيرة لتنظيم (داعش)، فإن احتمال زيادة الحروب بالوكالة مرتفع في الفترات المقبلة، لذلك تستعد موسكو لهذا الأمر”.
إقرأ أيضاً: هل يحق لأنقرة اتهام باريس بزعزعة الاستقرار في ليبيا؟
أما صحيفة "الغارديان" البريطانية، فقد أكدت أن القوات التركية بدأت تنتشر في ليبيا، في خطوة تحدى بها أردوغان نظيره الروسي بوتين قبل زيارة الأخيرة التي جمعتهما في أنقرة يوم 8 يناير، وأضافت أن بوتين طالب أردوغان كثيرًا بعدم إرسال القوات إلى ليبيا، ولكنه خالف الاتفاق، وأعلن عن بدء إرسال القوات.
تلك الاستفزازت التركية دفعت الرئيس بوتين في الثاني عشر من يناير، للتأكيد على ضرورة القضاء على الإرهاب في سورية بشكل نهائي، وعودة كامل المناطق إلى سلطة الدولة السورية وحل الأزمة فيها وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 وإعادة الاعمار وعودة المهجرين السوريين إلى بلدهم، موضحاً أن عملية نقل الكثير من الإرهابيين من ريف إدلب إلى ليبيا “أمر بالغ الخطورة” وقال: “حسب المعلومات التي تتوافر لدينا هناك عدد كبير من المسلحين الذين تم نقلهم إلى ليبيا من منطقة خفض التصعيد في إدلب.. هذه العملية خطيرة جداً”.
فيما شدد وزير الخارجية الروسية، سيرغي لافروف، في الرابع عشر من يناير، على أن عدداً من "المتطرفين" انتقلوا من إدلب السورية إلى ليبيا، وأضاف أن "حوالي 90% من الأراضي السورية" باتت خاضعة لقوات النظام السوري، مؤكداً أن "المتطرفين يخسرون مواقعهم في إدلب".
بوادر المواجهة العسكرية
وعقب الشد والجذب الروسي التركي، أسقطت القوات الروسية في سوريا، في العشرين من يناير، طائرات مسيّرة، أطلقها مسلحون باتجاه قاعدة حميميم الجوية، دون وقوع أي خسائر، وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان: “أسقطت أنظمة الدفاع الجوية في القاعدة الجوية الروسية، أهدافاً جوية على بعد مسافة أمنة من القاعدة”.
وعقبها بأربعة أيام، أعلنت وزارة الدفاع الروسية في الرابع والعشرين من يناير، مقتل ما يصل إلى 40 جندياً سورياً في هجوم كبير شنّه مسلحون على النظام في إدلب، الخميس، رغم أن مسؤوليْن في الفصائل المسلحة التابعة لتركيا، والمرصد السوري لحقوق الإنسان قد نفوا تلك الرواية، إذ قال المرصد السوري أيضاً إنه لم يقع أي هجوم على قوات النظام في إدلب، الخميس، لكنه رصد نحو 400 غارة جوية روسية وسورية في المنطقة، في إطار تصعيد الهجوم الذي بدأ منذ ديسمبر.
الحديث الروسي ذلك الذي عزاه متابعون لرغبتها في شنّ هجوم كاسح على مناطق خاضعة للنفوذ التركي، جاء بالتزامن مع تسريبات نقتلها مواقع معارضة، قالت فيها أن وفداً من الاستخبارات التركية التقى مع قادة مليشيات الجيش الوطني السوري في العاصمة التركية أنقرة، وطلب منهم الصمود في التصدي لهجمات قوات النظام المدعومة من الطيران الروسي.
إقرأ أيضاً: مقتل مواطن في رأس العين وأصابع الإتهام توجه لمليشيات الجيش الوطني وتركيا
وقال مصدر فيما يسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”، تحفظ على ذكر اسمه، إن اللقاء حصل، الخميس 23 من يناير، وحضره وفد تركي برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، كما تلقى المجتمعون اتصالًا من أردوغان، الذي شكر قادة مليشيات “الجيش الوطني السوري" على مشاركتهم في في عملية “نبع السلام” شرق الفرات/، ووفق الإعلام المعارض، تناول اللقاء الحديث عن تأكيد الوفد التركي عدم التزام روسيا باتفاقيات وقف إطلاق النار المتفق عليها مع تركيا في إدلب وريفها، وطالب الوفد التركي مسلحي "الجيش الوطني السوري" بالصمود في وجه التصعيد العسكري، وسط وعود بتقديم الأسلحة، إلى جانب الحديث عن “مفاجآت” خلال المرحلة القادمة.
تلك الوعود، رأتها صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية، بالتزامن مع وصول صواريخ تاو واعتراف أردوغان بفشل أكثر من عام ونصف من المحادثات التركية الروسية بشأن سوريا، بأنها إشارة إلى احتمالية حدوث هزّة في التقارب بين البلدين، الذي حدث منذ عام 2015 وشهد توسعًا كبيرًا في التعاون بين البلدين في مجال الدفاع والطاقة.
ومن ثم جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في الثامن والعشرين من يناير، على أن عدداً كبيراً من المسلحين في إدلب يتوجهون إلى ليبيا، في خرق للقرارات الدولية، وأضاف في مؤتمر صحفي أن “عدد كبير من المسلحين يسافرون إلى ليبيا، خلافاً لقرارات مجلس الأمن، للتدخل في الشؤون الداخلية الليبية ولذلك تواصلنا مع وزير الخارجية التركي” في هذا الشأن، وذلك بعد أسبوع من اجتماع برلين بمشاركة القوى الكبرى ودول عربية وبحضور تركيا، حيث جرى الاتفاق على الدفع باتجاه وقف دائم لإطلاق النار في ليبيا، والالتزام بحظر الأسلحة، وذلك خلال قمة استضافتها برلين.
اتساع رقعة الاستهداف
في التاسع والعشرين من يناير، استهدفت طائرات مجهولة، مواقع تابعة لمليشيات "الجيش الوطني السوري" التي تمثل بشكل او بآخر النفوذ التركي في سوريا في ريف بلدة تل تمر شمال شرق سوريا، وقالَ المرصد السوري لحقوق الإنسان إن "طائرات مجهولة استهدفت مواقع تابعة للفصائل الموالية لأنقرة في قريتي الخريطة والقاسمية بريف تل تمر، وأن القصف أسفر عن مقتل 8 مسلّحين على الأقل من الفصائل التابعة لتركيا، وسط معلومات عن وجود قتلى أتراك جراء الاستهداف، وهو ما تكرر في الثلاثين من يناير، عندما عادت واستهدفت طائرات حربية مجهولة تجمعات لمليشيات "الجيش الوطني السوري" بالقرب من الطريق الدولي“M4” بريف الحسكة، حسبما نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ورغم ان الاستهدافين لم تعلن جهة دولية مسؤوليتها عنهما، لكن أنقرة وموسكو ومعهما واشنطن، يدركون تماماً الجهة المنفذة للقصف والرسالة المرادة إيصالها للجانب التركي تحديداً، والتي قد يكون مفادها أن النفوذ التركي في شرق الفرات قد يصبح هو الآخر في موضع تشكيك وخطورة، لو رغبت موسكو باعتباره غير شرعي، فيما لو واصلت أنقرة سياساتها التعنتية.
إقرأ أيضاً: كيف رسمت الولايات المتحدة وروسيا منطقة آمنة لـ تركيا؟
رسالة يبدو أنها وصلت إلى الرئيس التركي الذي هدد في الواحد والثلاثين من يناير، بتنفيذ بعملية عسكرية "إذا لم يتم حل الوضع في محافظة إدلب السورية بشكل سريع"، وقال أردوغان إن بلاده لا يمكنها التعامل مع تدفق لاجئين جديد، مجدداً أقاويل بشأن القلق من تدفق موجة لاجئين جديدة على تركيا وسط هجمات النظام، وذلك عقب تصريح للمبعوث الأميركي الخاص بشأن سوريا جيمس جيفري في الثلاثين من يناير، إن طائرات سورية وروسية نفذت 200 ضربة جوية في منطقة إدلب خلال الأيام الثلاثة الماضية، وأن نحو 700 ألف نازح في شمال غربي سوريا "يتحركون باتجاه الحدود التركية، وهو ما سيثير أزمة دولية".
ورغم أن المؤشرات الدالة على أن الصدام بين روسيا وتركيا هو صدام حقيقي، بيد أن للمشككين فيه الحق في نسفه، استناداً على العلاقة التي ربطت الجانبين ببعضهما خلال السنوات الأخيرة، والتي استفاد منها الجانبان، روسيا وتركياً، فالأول قام بتوسيع رقعة النفوذ الخاضعة لسيطرته، والثاني قام بحماية ما يعتبرها أمنه القومي، وبالإشارة نهاية إلى إمكانية عقد الجانبين صفقة جديدة على حساب السوريين، كتلك التي غيروا عبرها الديموغرافية السورية، وحوروا فيها قضية السوريين من الدفاع عن حقوقهم إلى حُماة لاجندات الغير!
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!