-
تركيا التي تبث بياناتها للمُغيبين عن الحرب السورية
إدعت وزارة الدفاع التركية، أمس الأحد، أن تنظيم “ي ب ك/بي كا كا” الإرهابي “أطلق سراح 800 إرهابي على الأقل من تنظيم داعش من سجن مدينة تل أبيض” شمال سوريا.
ويشير الاتهام التركي إلى قوات سوريا الديمقراطية التي كانت قد سيطرت على المدينة بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي قبل سنوات، لكن الغريب في الموضوع أن تلك المدينة حدودية، ولطالما كانت التهديدات التركية مُستعرة ضدها، وهو قد يكون تفنيداً منطقياً للاتهام التركي لـ قسد، لأن الأخيرة بدورها لطالما اتهمت أنقرة بأنها تدعم داعش، وبالتالي لن يكون في صالحها وصول الأتراك أو حلفائهم من المتشددين السوريين إلى محتجزي داعش، حيث يعتقد الأكراد السوريون أن ذلك سيكون بوابة لإعادة انتاج داعش بمسمى آخر.
وعقب بدء الهجوم التركي، نشر المسلحون المشاركون في عملية نبع السلام العديد من المقاطع المصورة التي رددوا فيها شعارات تقولها داعش كـ "باقية باقية"، في إشارة إلى شعار داعش القائل "باقية وتتمدد"، إضافة إلى تنفيذ اعدمات ميدانية بحق مدنيين وعسكريين والتنيكل بجثثهم، ومنها حادثة الاعدام الميداني بحق السياسية الكردية السورية "هفرين خلف".
وتابع بيان الوزارة التركية، أن تركيا البلد الوحيد في التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي يحارب تنظيم “داعش” وجهاً لوجه في الميدان.
وهو إدعاءٌ يتنافى مع الوقائع، حيث حارب التحالف الدولي وهزم التنظيم بالكامل في أخر معقل له بالباغوز، وأعلن ذلك في استعراض عسكري أقيم في الثالث والعشرين من آذار العام 2019، في حقل العمر النفطي من جانب قسد والأمريكيين، دون أي مشاركة تركية.
واقتصر القتال التركي على المنطقة الواصلة بين جرابلس واعزاز لقتال داعش، وهو قتال شكك فيه مراقبون، حيث لطالما كان التنظيم جاراً لطيفاً مع تركيا، فيما اشارت العديد من التقارير ومنها الروسية إلى الصلة والارتباط التجاري بين الجانبين، لكن تقدم قسد وسيطرتها على منبج العام 2016، كان المحرك الأساس لتوجيه تركيا مسلحيها تحت يافطة "درع الفرات" للتقدم والسيطرة في تلك المنطقة، منعاً من تقدم قسد ووصل منطقتي منبج وعفرين في شمال سوريا، ببعضيهما.
وواصل البيان بالقول: “الدليل على حزم تركيا في هذا الإطار يتمثل في عملية نبع السلام التي تهدف إلى دحر جميع التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها داعش وأيضاً في العمليات التي تستهدف الكادر القيادي للتنظيم الإرهابي في الفترة الأخيرة”.
لكن المعلوم أن عملية نبع السلام لم تستهدف داعش، بل استهدفت قوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرتها، حيث سيطرت تركيا على منطقة واصلة بين مدينة سريه كانيه\رأس العين وتل أبيض، بطول 120كم وعمق 32كم، وهي بالكامل كانت مناطق قد هزمت فيها قسد التنظيم منذ سنوات، ولم يبقى للتنظيم فيها من أثر.
كما أن استهداف ابو بكر البغدادي اقتصر على إعلام تركيا بعبور طائرات مروحية أمريكية قادمة من كوباني، حيث كان البغدادي على مقربة 6كم فقط من الحدود السورية التركية في قرية باريشا شمال إدلب، فيما أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أنهم تمكنوا من تحديد موقع البغدادي، وهو ما أشار إليه مسؤولون أمريكيون، عندما قالوا بأن عبدي كان الأجنبي الوحيد الذي يعرف طبيعة المهمة التي تتوجه القوة الأمريكية لتنفيذها في إدلب، في إشارة لعدم علم الأتراك أو الروس بطبيعة المهمة التي توجهت القوات الامريكية لتنفيذها ليل السابع والعشرين من أكتوبر الماضي.
خروج من الوكر..
وبالتزامن مع الإعلان التركي بدء العمل العسكري ضد شرق الفرات، في التاسع من أكتوبر الماضي، والذي أعلنت فيه الرئاسة التركية، أن القوات التركية و"الجيش السوري الحر" سيعبران معاً الحدود التركية السورية، وأن الرئيس الأمريكي وافق على نقل قيادة العمليات ضد "داعش" لتركيا، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أن مسلّحين من تنظيم “داعش” الإرهابي هاجموا مواقع لها في الرقة.
وقال مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، مصطفى بالي، إنه “في الوقت الذي تهدد فيه تركيا بشن عملية عسكرية شمال شرق سوريا، شنت خلايا داعش النائمة هجوماً كبيراً على القواعد الأمنية لقوات سوريا الديمقراطية في الرقة”.
وأشار بالي، إن المناطق الممتدة من رأس العين حتى تل أبيض تتعرض إلى قصف عشوائي بالمدفعية والطائرات الحربية التركية، وأضاف أن الطائرات الحربية التركية بدأت في استهداف “مناطق مدنية” شمالي سوريا، مشيراً إلى أن الغارات تسببت في “ذعر كبير بين سكان المنطقة”.
تفنيد روسي وغربي..
وقال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو في الثالث والعشرين من أكتوبر، إن نحو 500 من المشتبه بأنهم دواعش فروا من الأسر في شمال شرق سوريا منذ بدء الهجوم التركي في المنطقة، وذكر شويغو أنه يجري الآن بذل الجهود للقبض على الأسرى الذين فروا، وتحدث شويغو إلى الصحفيين في سوتشي، بروسيا بعد أن توصل الرئيسان الروسي والتركي إلى اتفاق.
وفي واشنطن، قال المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا جيمس جيفري إنه تم تحرير “عشرات” من مقاتلي تنظيم داعش منذ أن بدأت تركيا توغلها في شمال شرق سوريا، وقال جيفري في جلسة للكونغرس رداً على سؤال للسناتور الديمقراطي كريس كونز إن كان يعرف عدد “عتاة” مقاتلي داعش الذين تم تحريرهم “أقول عشرات (منهم) في هذه المرحلة”. وأفادت تقارير بأن العدد أكبر بكثير.
فيما ذكر تقرير لصحيفة "تاغس شبيغل" الألمانية في الرابع والعشرين من أكتوبر، أن السلطات الأمنية الألمانية ليست على علم بمحل إقامة نحو 120 مقاتلاً وداعماً ألمانياً تابعين لتنظيم "داعش"، وأشارت الصحيفة إلى أن الأمل في إمكانية القبض على مقاتلي "داعش" المتخفيين في تركيا على الأقل، محدوداً. وجاء في تقريرها أنه "ليس مؤكداً أن الأتراك يبحثون عن هؤلاء الأشخاص حقاً". وأضافت أن السلطات الألمانية لا تعرف على وجه الدقة "نوعية الاتفاقات التي تجمع تركيا مع إسلاميين"، لافتة إلى أن ذلك يتضح في الهجوم التركي على شمالي سوريا.
ونقلت الصحيفة الألمانية عن الخبير الأمني، الذي لم تشأ الإفصاح عن اسمه، قوله إن تركيا تتعاون مع ميليشيات "مقرّبة من داعش"، لافتاً إلى أن ذلك يمثل إشكالية بالنسبة لألمانيا أيضاً، وأشارت الصحيفة إلى وجود مخاوف من قيام فصائل المعارضة التابعة لتركيا بتحرير مقاتلي "داعش" من معسكرات الاعتقال والسجون التابعة لوحدات حماية الشعب في سوريا. وحذّرت من أن بعض هؤلاء قد يحاول الوصول إلى ألمانيا بشكل متخف مع لاجئين آخرين.
داعش والنصرة..
ولا يقتصر الشك على علاقة داعش وتركيا، فتتعداها إلى علاقة الأخيرة مع النصرة، التي دعاها مستشار الرئيس التركي وعضو حزب العدالة والتنمية ياسين أقطاي، في الحادي عشر من أكتوبر، إلى محاربة قوات سوريا الديمقراطية، عندما طالب متزعم هيئة تحرير الشام "أبو محمد الجولاني"، لترك الاحتماء بإدلب.
ووصف أٌقطاي من يتخلف عن القتال ضد قسد بالحمقى والخونة أو المخترقين، قائلاً خلال لقائه في برنامج تلفزيوني: "لا نريد أن يقتل أحد، وحتى من رجال الهيئة، ولو أن بعضاً ممن يديرونها بهذه العقلية، إما حمقى، أو خونة أو مخترقون وهؤلاء استثناء، لكن الآخرين الذين يتبعونهم هم أناس يعتقدون أن هذا هو الإسلام، هذا ليس إسلاماً ولا علاقة له بالجهاد..."، وأضاف: "إذا أردت المحاربة، اذهب إلى الجبال، اذهب للرقة، اذهب حرر حمص وحرر دمشق واللاذقية، إدلب محررة لا مشاكل فيها كيف تجعل إدلب درعاً لك؟".
وعلى الرغم من أن المزاعم التركية بتحرير قسد للدواعش أو مُحاربة تركيا لداعش وجهاً لوجه، قد تثير الغرابة للمُطلعين على حيثيات الحرب السورية، لكن يبدو أن الجانب التركي يستند في توجيهه تلك الاتهامات، على بثها للمُغيبين عن القضية السورية في الدول الأجنبية، حيث يتم بث تصريحات تتناقض مع وقائع حصلت وشهدت عليها كثيرٌ من الحكومات والدول، لكن يبدو أن مصالح دول كثيرة ستدفعها للصمت عن قول الواقع والحقيقة.
ولعل الموقف الروسي خير دليل على ذلك، حيث أوقفت وسائل الإعلام الروسية نشر المعلومات والوثائق التي تثبت تورط أنقرة في دعم داعش عقب مصالحة أردوغان بوتين، والتي جائت بُعيد إسقاط تركيا طائرة روسية في العام 2015.
ليفانت-خاص
متابعة وإعداد: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!