-
ترحيل سوريين من تركيا: شهادات عن حملة ترحيل قسري وانتهاكات حقوق اللاجئين
تقرير حصري يكشف عن تفاصيل حملة ترحيل سوريين من تركيا بما في ذلك الانتهاكات والمعاملة اللاإنسانية التي يتعرضون لها أثناء العمليات. يشير التقرير إلى أن هذه العمليات تشكل انتهاكًا للقانون الدولي وتهديدًا حقيقيًا لسلامة السوريين المرحلين، وخاصة الصحفيين والنشطاء الذين قد يواجهون تهديدات حياتية إذا تم إعادتهم إلى سوريا.
التقرير يستند إلى شهادات سوريين تم ترحيلهم قسرًا إلى سوريا والذين شاركوا في هذه العمليات. تشمل الانتهاكات التي تعرضوا لها الاعتقال والاحتجاز الإداري دون محاكمة ومعاملة لاإنسانية أثناء فترة الاحتجاز. كما يتعرض العديد منهم للضرب والتعذيب أثناء الاحتجاز. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت العمليات إجبار المحتجزين على توقيع ورقة "العودة الطوعية" دون موافقتهم الحرة والمستنيرة.
التقرير أيضًا يسلط الضوء على عمليات ترحيل مئات الآلاف من السوريين من تركيا إلى سوريا خلال السنوات السابقة، مع تزايد حدة هذه العمليات خلال الفترة الأخيرة. يشير إلى أن هذه العمليات تتعارض مع القوانين والتزامات تركيا الدولية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين.
التقرير يستند إلى مصادر موثوقة وشهادات من الأشخاص المبني على تجاربهم الشخصية، ويطالب بضرورة وقف هذه العمليات وضمان حقوق اللاجئين والمهاجرين والامتناع عن ترحيلهم قسرًا إلى مناطق يمكن أن تعرض حياتهم للخطر.
رأي قانوني وتوصيات:
تنص المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أن “كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها ويجب عليهم تنفيذها بحسن نية“. ويُعتبر مبدأ حسن النية أحد المبادئ العامة للقانون الدولي ويشير إلى الشعور بالولاء للقانون واحترامه؛ وإلى غياب الإخفاء والخداع والاحتيال؛ وإلى الاعتقاد الصادق بالتصرف وفقًا للقانون. إن محاولة تركيا الالتفاف على حظر الإعادة القسرية كأحد الأحكام التعاقدية والعرفية في القانون الدولي من خلال تصوير قيامها الفعلي بهذه الإعادة على أنها طوعية – وهو أحد الشروط التي تجعل عودة اللاجئين غير قسرية – يمثل النقيض لمبدأ حسن النية بالمعنى الوارد أعلاه.
إن مفهوم الطوعية راسخ في مبدأ عدم الإعادة القسرية حيث أن “القسر” بجوهره يتناقض مع الإرادة الحرة والقرار المستنير اللذين ينتج عنهما طوعية العودة.[1] بناءً على ذلك، فإن عوامل الدفع السلبية من قبل الدولة المستضيفة – تركيا – التي تتمثل في فرض ضغوطات فعلية، ونفسية، ومادية، وقانونية تعني أن أي قرار بالعودة من قبل أي لاجئ – عدا عن عمليات الترحيل الفعلية – هو قرار يفتقر إلى عناصر الطوعية وبالتالي يعني عودة قسرية تتحمل مسؤوليته بشكل أساسي تركيا لأنها أجبرت من يقررون العودة في ظل هذه الظروف على اختيار العودة لمكان يمثل لهم خوفاً حقيقياً من الاضطهاد بسبب عوامل الدفع التي مورست عليهم.
إن محاولة اختزال طوعية العودة بكافة شروطها ومعاييرها بإجبار المُعادين قسراً على توقيع ورقة “عودة طوعية” يعكس بشكل عملي عدم تنفيذ تركيا لأحكام القانون الدولي بحسن نية. وعلى سبيل الدلالة في هذا السياق، فإن بنود التوقف عن وضع/صفة اللجوء في المادة 1(ج)[2] من الاتفاقية الخاصة باللاجئين عام 1951 يجب ألا تنطبق بشكل أوتوماتيكي على جميع الأشخاص طالبي الحماية الدولية نظراً إلى إمكانية أن يظل لديهم خوف مبرر من الاضطهاد أو أسباب قاهرة لعدم العودة ناجمة عن اضطهاد سابق.[3] وبالتالي، فإن مبدأ حسن النية يفترض من الدول المضيفة ألا تستغل إمكانية أن تكون الظروف العامة التي أدت إلى اللجوء في بلد المنشأ قد تغيرت كي تلغي الحماية الدولية عن جميع طالبي تلك الحماية، إنما عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف الفردية لكل من هؤلاء حتى لا ترقى إعادتهم إلى إعادة قسرية.
وبالنظر إلى الظروف التي تفرضها تركيا على اللاجئين السوريين وفق ما يعرضه التقرير لإجبارهم على العودة إلى سوريا أو ترحيلهم مباشرة إليها، يبرز نمطٌ متناسق من الممارسات التي تتقاطع فيها إساءة استخدام أو تعمّد التفسير المغلوط لبعض الأحكام القانونية من جهة، وانتهاكات حقوق الإنسان من جهة أخرى.
تتمتع الدول وفقاً لمبدأ السيادة في القانون الدولي بحرية سنّ القوانين والتشريعات واتخاذ الإجراءات المحلية التي ترتئيها لتنظيم شؤون مواطنيها والأجانب الخاضعين لولايتها. هذا يعني أن الدول يمكنها أن تخصص مواطنيها بالتمتع ببعض الحقوق المصانة في صكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان دون الأجانب مثل الحق في المشاركة السياسية وفقاً للمادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولا يمكن تبرير القيود الأخرى التي تفرضها الدول على غير المواطنين بما قد يرقى لأحد أشكال التمييز المحظورة.[4] أي قيود أخرى على غير المواطنين يجب أن تكون مبررة بالضرورة ولا تتسبب بحد ذاتها في انتهاك حقوق أخرى مصانة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. وبالنظر إلى القانون التركي رقم 6458 والمعروف باسم “قانون الأجانب والحماية الدولية“، فالمادة /54/ الفقرة الأولى البند (د)، تنصّ على ترحيل من يخرق النظام أو الأمن العام إلى خارج تركيا والمادة 33 من نظام الحماية المؤقتة، تُلزم السوريين في تركيا بالامتثال للقضايا التي تطلبها المديرية العامة لإدارة الهجرة أو إدارة الولايات وإن المواقف والسلوكيات المعاكسة لذلك ستشكل انتهاكًا لهذه الالتزامات التي تعد من متطلبات النظام العام وكذلك المادة 8 التي تنص على أن الإخلال بالنظام العام هو أحد أسباب إلغاء الحماية المؤقتة.
تربط هذه المواد بعدة أشكال ما بين مفهوم “النظام العام” وحق السلطات التركية باتخاذ التدابير التي تراها مناسبة بحق السوريين ومنها تقييد حرية الحركة من خلال فرض الإقامة في مناطق محددة ومنع التنقل والسفر إلا بإذن مسبق معقّد الإجراءات، وكذلك تعطي لنفسها الحق في ضوء مخالفة تلك الإجراءات لاتخاذ تدابير تصل للترحيل إلى سوريا. تجدر الإشارة إلى أنه عملاً بمبدأ عدم التمييز، فالأصل أن يتمتع الأجانب على الأراضي التركية بالحق في التنقل وحرية اختيار مكان الإقامة عملاً بالمادة 12(1) و(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
أما الاستثناء الذي يسمح بموجبه القانون تقييد هذه الحقوق فخاضع للشروط الواردة في الفقرة الثالثة من نفس المادة: “لا تخضع الحقوق المذكورة أعلاه لأية قيود باستثناء تلك التي ينص عليها القانون، والتي تكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتتوافق مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد“. وقد ذكرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بوضوح أن منع سفر الأفراد داخلياً دون إذن للسفر لا يعتبر متوافقاً مع الشروط الواردة في الفقرة الثالثة التي تفرض أن يكون هناك ضرورة واضحة وتناسباً في الإجراءات مع الضرورة أو المصلحة التي يفترض بهذه الإجراءات أن تحميها.[5] وبالتالي، يفترض أن تكون العقوبات أو الإجراءات المترتبة على مخالفة القوانين التي تقيد هذه الحقوق متناسبة مع ضرورتها في المقام الأول، وبطبيعة الحال لا يمكن أن تُعتبر الإعادة القسرية المحظورة كأحد الأعراف الدولية إجراءً متناسباً مع الضرورة المفترضة من إجراءات التقييد هذه. ومع أن حفظ النظام العام وارد في الفقرة الثالثة كأحد مبررات التقييد، إلا أن تعريفه وتحديد معاييره وضروراته متروك للدول شريطة أن يكون ذلك دائماً لا يؤثر على التمتع بالحقوق الأخرى وأن يكون دائماً بحسن نية. لذلك يجب أن يُفهم حفظ النظام العام دائماً على أنه الشروط والقواعد التي تضمن فعالية المجتمع ويجب توافرها حتى يتمكن الأفراد من التمتع بحقوقهم وحرياتهم،[6] وليس العكس بأن تتحول إلى ذريعة لتقييد تلك الحقوق والحريات.
تستغل تركيا تقنينها الوطني للحماية الدولية لتجعل من مصطلح “النظام العام” مفهوماً فضفاضاً تسعى من خلاله إلى ممارسة وتبرير جملة من الانتهاكات بحق السوريين كالقيود غير المبررة على التنقل والحركة، المبالغة في تعقيد إجراءات الأوضاع القانونية، الاعتقال التعسفي والحرمان من الحق في الانتصاف الفعال والإجراءات القضائية العادلة والفعالة، التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وأخيراً الإعادة القسرية في انتهاك لأحد قواعد القانون الدولي العرفي.
اقرأ المزيد: للعمل كمستشفى ميداني.. حاملة طائرات مصرية تصل إلى ليبيا
وفي هذا السياق، فيما يتعلق بمن تمكنوا من توضيح وضعهم القانوني في تركيا من خلال الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة (الكملك) أو إقامات نظامية أخرى، فيبدو أن تركيا تتذرع بأبسط أشكال المخالفات لتقوم بترحليهم قسراً إلى سوريا، في مخالفة واضحة للمادة 13 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ولمبدأ حظر الإعادة القسرية بطبيعة الحال. تنص المادة 13 من العهد على أنه “لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذاً لقرار اتُّخِذ وفقاً للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصاً لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم“.
بمقارنة سريعة بالحالات التي يوردها التقرير خاصة لهؤلاء الذين ينطبق عليهم شرط الإقامة بصفة قانونية في تركيا، نجد أن العنصر الوحيد الذي تطبقه السلطات التركية هو أن القرار اتخذ وفقاً للقانون 6458 الذي تم تناوله أعلاه مع عدم إغفال عناصر القصور والمخالفة القانونية فيه. والجدير بالذكر أن المادة 13 لا تتعرض لمحتوى القانون الذي على أساسه يصدر قرار الإبعاد على اعتبار أن القانون نفسه يجب أن يتناسب والتزامات الدولة وفق أحكام القانون الدولي بما يضمن عدم الإبعاد التعسفي.[7] بالمقابل، حُرِمَ جميع الذين ورد ذكرهم في التقرير وتقارير حقوقية أخرى من حقه في النظر في حالته بشكل فردي وليس على أساس القرارات التي تستهدف جماعات بأكملها، وكذلك من حقهم في الحصول على كافة الوسائل التي تمكنهم من الانتصاف الفعال ومن ضمنها الاعتراض على قرار الإبعاد/الترحيل من خلال إجراءات قضائية أو سواها تكون شفافة وفعالة.[8]
أما فيما يتعلق بالحالات الأخرى التي قد لا ينطبق عليهم شرط الإقامة القانونية حسب المادة 13 من العهد، إذا كانت شرعية دخولهم أو إقامتهم محل نزاع وفقاً للقوانين النافذة في الدولة، فإن أي قرار يؤدي إلى طردهم أو ترحيلهم يجب أن يُتخذ بشكل متناسب مع جوهر المادة 13. “والأمر متروك للسلطات المختصة في الدولة الطرف، بحسن نية، في ممارسة صلاحياتهم في تطبيق وتفسير القانون المحلي، مع مراعاة المتطلبات المنصوص عليها في العهد مثل المساواة أمام القانون (المادة 26)”.[9] وبهذا السياق، فقد توصلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان – التي ينطبق اختصاصها على تركيا – أن اتخاذ القرار بإبعاد/ترحيل طالبي الحماية الدولية – الذين بطبيعة الحال لم يدخلوا أراضي الدولة بشكل قانوني ولا يُعتبر وجودهم فيها قانونياً – يُعتبر انتهاكاً للحق في الانتصاف الفعال بالمعنى الوارد في المادة 13 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان نظراً لأن قرار الإبعاد اتُّخِذ بينما كانت طعونهم لا تزال قيد النظر أمام المحاكم المحلية.[10]
بالإضافة إلى كل ما ورد، وعودة إلى حظر الإعادة القسرية في كل الظروف، فإن تركيا مُلزمة بناءً على أحكام القانون الدولي التعاقدي والعرفي بعدم إعادة أي سوري إلى حيث يمكن أن يتعرض للاضطهاد، التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، الخطر على الحياة والكرامة الإنسانية، أو أي انتهاكات خطيرة أخرى لحقوقه. وبالتالي لا يمكن التذرع بإبقاء تركيا على النطاق الجغرافي لاتفاقية اللاجئين عام 1951 وعدم انطباقها على طالبي الحماية الدولية من السوريين على أراضيها لتدعي قانونية إعادتهم إلى سوريا. على تركيا بكل الأحوال أن تقيّم بموضوعية كافة عناصر الطوعية والأمان والكرامة اللازمة لعودة اللاجئين، وذلك لا يقتصر على استنتاجات انخفاض حدة العمليات العسكرية، إنما على عناصر شاملة من ضمنها الوضع الاقتصادي والمعيشي، الروابط العائلية والاجتماعية وإمكانية إعادة الاندماج، الوضع القانوني، وحالة حقوق الإنسان في المناطق التي سيعود إليها اللاجئون. وقبل الاستناد إلى هذه العناصر والشروط كافة، على تركيا أن تعمل على وقف عوامل الدفع السلبية التي تُجبر اللاجئين السوريين أحياناً على اتخاذ قرارات غير مستنيرة بالعودة. وأخيراً، يجب على تركيا أن تيسّر انخراط المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في كافة التفاصيل المتعلقة بعودة اللاجئين، ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر ممارسة وظائف الحماية الدولية للإشراف على رفاه اللاجئين وطالبي اللجوء والحماية الدولية، احترام الدور القيادي للمفوضية في تعزيز وتسهيل وتنسيق العودة الطوعية إلى الوطن، الوصول الكامل إلى السكان اللاجئين أينما كانوا لضمان طوعيتهم، السماح للمفوضية بالتأكد من الطابع الطوعي للعودة إلى الوطن فيما يتعلق باللاجئين الأفراد وفيما يتعلق بالتحركات واسعة النطاق، القيام بحملة إعلامية شاملة لتمكين اللاجئين من اتخاذ قراراتهم بمعرفة كاملة للحقائق، وتسهيل الترتيبات ومشاركة المفوضية فيها، لضمان وصول معلومات دقيقة وموضوعية عن الظروف في بلد المنشأ إلى اللاجئين، إجراء المقابلات وتقديم المشورة وتسجيل العائدين المحتملين، وتنظيم حركات العودة الآمنة والمنظمة وترتيبات الاستقبال المناسبة.[11]
تفاصيل حملة الترحيل الجديدة:
بدأت السلطات التركية حملة الترحيل الأشرس من نوعها بعد التعيينات الجديدة التي أجراها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية التي انتهت بتاريخ 28 أيار/مايو 2023. في التشكيلة الحكومية الجديدة ، تسلم “علي يرلي كايا”، منصبه وزيراً للداخلية، خلفاً لسليمان صويلو، وغيّر طاقم مديرية الهجرة بأكمله.
وفي مقابلة مع موقع “حريات” التركي تناولت الحملة بتاريخ 9 تموز/يوليو 2023، صرح يرلي كايا أن “مكافحة الهجرة غير النظامية، هي إحدى المجالات الرئيسية ذات الأولوية التي حددناها كوزارة”، مضيفاً أن الحملة تشمل الولايات التركية الـ81 كلها، وليست محصورة بولاية إسطنبول فقط، وتجري بمشاركة وحدات الشرطة والدرك وخفر السواحل، منوهاً كذلك إلى أن البلاد ستشهد “فرقاً واضحاً” بعد فترة تتراوح بين الأربعة وخمسة أشهر ستستمر خلالها الحملة. وأضاف أن مصطلح “الهجرة غير النظامية”، يشمل “الدخول غير القانوني للأجانب إلى تركيا وإقامتهم في تركيا وخروجهم من تركيا وعملهم غير المصرح به في تركيا.”
وفي تصريحٍ لصحفيين تلا اجتماعاً لمجلس الوزراء في العاصمة أنقرة، عقد بتاريخ 22 آب/أغسطس 2023، أعلن يرلي كايا عن تحويل “إسطنبول إلى منطقة تجريبية، وقمنا بإنشاء نقاط هجرة متنقلة“، بالإشارة إلى إجراءات مكافحة الهجرة غير النظامية الجديدة. وفي مقابلة على قناة “آ خبر” التركية، نقل تفاصيلها تلفزيون سوريا، وضح يرلي كايا آلية عمل “نقاط الهجرة المتنقلة”، حيث زودت النقاط “بنظام قراءة بصمات الأصابع البيومتري، وهذه النقاط تساعد في التحقق من الأشخاص المسجلين وغير المسجلين”. رغم ذلك وثقت “سوريون” عمليات ترحيل للعديد من الأشخاص المسجلين فيما بات يُعرف باسم “الحماية المؤقتة”.
بالإضافة إلى هذه النقاط، استعانت وزارة الداخلية بالمسيرات لتنفيذ الحملة، “والتي غطت مواقع مختلفة مثل القوارب البحرية ووسائل النقل العام والمتنزهات والحدائق، بالإضافة إلى المباني المهجورة والأماكن العامة في إسطنبول”، فيما شكلت عمليات الرصد ضمن هذه الحملة “ما يقرب من ثلثي المعدّل الوطني للإجراءات المماثلة التي أجريت في جميع أنحاء البلاد.”
وبالتوازي مع عمليات التدقيق المكثفة، أعلن يرلي كايا عن “إيقاف منح تصاريح الإقامة للأجانب في البلديات التي يتجاوز فيها عددهم 20 في المئة”، كاشفاً كذلك “عن إغلاق 1169 حياً من أصل 32 ألف حي في تركيا أمام الأجانب لأغراض الوقاية.” ويأتي هذا الإجراء مكملاً لخطة الهجرة والإدماج المجتمعي، التي أعلنت عنها السلطات التركية في شباط/فبراير 2022، والتي شملت أحياء رئيسية في إسطنبول، معروف عنها أنها نقاط تجمع كبيرة للعائلات السورية اللاجئة، مثل أسنيورت.
هلع في صفوف السوريين:
أثارت الحملة واسعة النطاق الرعب في أواسط السوريين، لاسيما في إسطنبول، والتي تشهد أكبر كثافة للتجمعات السورية، حيث يقطنها 531 ألف 996 سورياً، بحسب الإحصائية التي نشرتها “جمعية اللاجئين” بتاريخ 22 أغسطس/آب 2023.
تُرجِمت الحملة على أنها مؤشر على إنقلاب حقيقي في السياسة التركية تجاه الوجود السوري، لاسيما وأنها تبعت سباق رئاسي محتدم وشديد الاستقطاب؛ سُلِّح خلاله ملف اللجوء السوري ونقاشات التطبيع مع الحكومة السورية، فكان ترحيل السوريين جزءاً من الحملات الترويجية والأجندة ما بعد الإنتخابية خلال الجولة الأساسية وجولة الإعادة، في محاولة لكسب تأييد رأي عام محتقن.
كان لخطاب كمال كليجدار أوغلو، مرشح المعارضة عن “حزب الشعب الجمهوري”، النبرة الأشدّ ضد اللاجئين، حيث انطلقت حملته تحت شعار “لن نجعل تركيا أبداً مستودعاً للاجئين“، فيما حملت يافطاته الانتخابية خلال جولة الإعادة، شعار “السوريون، سيعودون”. فيما حاول رجب طيب أردوغان، مرشح “حزب العدالة والتنمية”، تبنّي خطاب مختلف نسبياً وأكثر براغماتية تجاه قضية اللجوء خلال الجولة الانتخابية الأساسية (الأولى)، ولكن مع امتداد السباق إلى جولة إعادة، صرّح أردوغان “منذ البداية ندعم العودة الطوعية والآمنة للاجئين وقد عاد نحو 560 ألف لاجئ”، منوهاً أن “تركيا تهدف إلى تأمين عودة نحو مليون لاجئ وربما أكثر في المرحلة الأولى من خلال مشاريع منازل الطوب الجديدة” وذلك خلال مقابلة مع التلفزيون التركي “تي آر تي”.
وفي سياق التطبيع، أعلن وزير الخارجية التركي حينها، مولود جاويش أوغلو، خلال مقابلة بتاريخ 21 أيار/مايو 2023، عن “بدء التعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد لإعادة اللاجئين السوريين لمناطقهم“، لافتاً إلى “ضرورة إرسال اللاجئين السوريين إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية.”
لم يجلب فوز أردوغان أي تطمينات للسوريين، حيث واصل الكثير منهم اتباع آليات نجاة تطورت كرد فعل على حملات الترحيل القسري السابقة، شاعت بين العمال على الأخص. في تقريرٍ نشر بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2023، رصدت صحيفة “عنب بلدي”، كيف يتجنب العمال السوريون المياديين الرئيسية في إسطنبول، للهرب من دوريات الشرطة وباصات الترحيل التي ترافقها والمنتشرة في مناطق حيوية مثل أكسراي وأسنيورت. هذا ويجعل غياب “إذن العمل” القسم الأكبر من السوريين العاملين عرضة للترحيل، بسبب عزوف معظم المشغلين، وعدم قدرة النسبة الأقل، على إستصدار التصاريح المطلوبة. في تقريرٍ صادر عن “مجلس اللاجئين الدنماركي” في آب/أغسطس 2021، كشفت إحصائيات جمعت بين عامي 2019 و 2016، أنه أُصِدر “132,497 تصريح عمل للسوريين المسجلين في تركيا، بما في ذلك تجديد تصاريح العمل الممنوحة سابقاً”، فيما أشارت التقديرات “إلى أن ما يقرب من مليون سوري يعملون بشكل غير رسمي دون حماية وحقوق قانونية، وأن 45 بالمائة من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة يعيشون تحت خط الفقر.”
فيما أثبتت حملة مكافحة الهجرة “غير النظامية” أن خطاب الترحيل والتطبيع الانتخابي لم يكن محض “دعاية” وإنما إطار لسياسات الحكومة الجديدة؛ لاسيما وأن تركيا ستشهد انتخابات بلدية حاسمة أيضاً العام القادم. حيث كانت إعادة تفعيل العلاقات التركية مع الحكومة السورية محوراً رئيسياً خلال الجولة الـ20 من محادثات أستانة، التي عقدت بين 20-21 من حزيران/يونيو 2023، والتي تشكل تركيا أحد ضامنيها الرئيسيين، إلى جانب روسيا وإيران. كما باركَ أردوغان مساعي الحملة، في تصريحٍ لصحفيين بتاريخ 13 تموز/يوليو 2023، قائلاً، أن “مواطنونا سيشعرون بالتغييرات الواضحة فيما يتعلق بالمهاجرين غير الشرعيين في وقت قصير.”
ترحيل قسري تحت غطاء “الطوعية”:
خلال مقابلة مع قناة الجزيرة خلال شهر آب/أغسطس 2023، أكد وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، على أن “كل ما يقال عن ترحيل السوريين قسراً لشمال سوريا ليس صحيحاً وهناك من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي وأنواعاً أخرى من الإعلام لإثارة الأراجيف والانطباعات السلبية ضدنا، ونحن نتابعهم”، مضيفاً أن “كل مواطن سوري يغادر إلى الطرف الآخر من الحدود لدينا ورقة موقعة منه تثبت مغادرته لتركيا بإرادته”.
غير أن الشهادات الـ10 التي جمعتها “سوريون” لغرض هذا التقرير، تكشف حقيقة أن ليس لأي من اللاجئين أو طالبي اللجوء السوريين “إرادة” أو حق في تقرير مصيرهم.
المصدر: سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!