الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تراجيديا عربيّة
إيان بلاك


يبدو الربيع العربي وكأنّه ماضٍ يعيد هذه الأيام، ففي غضون بضعة أشهر، ستكون الذكرى السنوية العاشرة لإحراق محمد البوعزيزي _بائع خضار في مدينة سيدي بوزيد وسط تونس_ لنفسه، وستظلّ هناك بلا شك، الكثير من عوامل التشتيت العالميّة لضمان عدم اجتذابها الاهتمام الذي تستحقّه. 


إنّ كتاب نوح فيلدمان الجديد القصير لكن المحفّز للفكر، (الشتاء العربي)، هو تذكير بتلك الفترة المضطربة والمثيرة وخيبات أملها. إنّها إضافة علميّة إلى الأدب المتزايد حول هذا الموضوع، وتركّز على الفصول الرئيسة: مصر وتراجيديا سوريا، وصعود وسقوط الدولة الإسلامية (داعش)، والنجاح الاستثنائي، وإن كان نسبيّاً، للثورة التونسيّة. 


يبدأ فيلدمان، أستاذ القانون والعربية في جامعة هارفارد، بتحليل الشعار الشهير: “الشعب يريد إسقاط النظام”، ويدرس ما يشكّل “الشعب”، ومعنى “الإسقاط” و”النظام” في منطقة شكلتها الإمبراطوريات العثمانيّة والأوروبيّة والأمريكيّة، وكذلك القوميّة العربيّة والإسلام السياسي خلال القرن الماضي.


ويعرّف الربيع العربي بأنّه حدث تاريخي ذو أهميّة من الدرجة الأولى، يجب ألا يتمّ تجاهل أهميته أو التقليل منه، لمجرد أنّ ممارسة الوكالة السياسية في مصر وسوريا قد ساءت بشكل خطير. العنوان الفرعي لكتابه هو ببساطة: “مأساة”. 


بمعاينة الأحداث في مصر قام بتسمية التطورات البارزة، التحرير واحد والتحرير اثنين. الأول، هو الإطاحة بحسني مبارك في فبراير 2011. والثاني، هو الإطاحة بمحمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين في يوليو 2013. يكتب فيلدمان: “لقد تحدّث الناس بوضوح وبشكل متكرر”، موضحاً أنّه يرى عزل الرئيس مرسي المنتخب ديموقراطياً كان خطأً، “لقد رفضوا الاستبداد، ثم رحبوا به مرة أخرى”.  


إنّ مأساة سوريا ذات أبعاد هائلة، ويعزو ذلك إلى تركيز السلطة في أيدي الطائفة العلوية والولاء المطلق للأجهزة العسكرية والأمنية لنظام بشار الأسد، كما يرفض الفكرة الني كانت رائجة والتي تقول إنّ الرئيس كان ينظر إلى التسوية والإصلاح كوسيلة للاحتفاظ بالسلطة، بل سعى بدلاً من ذلك إلى تحقيق الهزيمة الكاملة لخصومه. 


تأمّل الناشطون السوريون عبثاً في التدخل الأجنبي، مقللين من التأثير السلبي لغزو جورج بوش للعراق عام 2003، على سياسة إدارة أوباما. وبدلاً من ذلك، رؤوا فلاديمير بوتين الروسي وجمهورية إيران الإسلامية، إلى جانب حليفها / وكيلها حزب الله، يدعمان دمشق إلى أقصى الحدود.


إنّ خبرة المؤلّف الشخصيّة في ردّ الولايات المتّحدة على هجمات الحادي عشر من سبتمبر على أمريكا ذات صلة واضحة، في عام 2003، شغل منصب المستشار الدستوري الأوّل لسلطة التحالف المؤقّتة في العراق، حيث قدّم المشورة لأعضاء مجلس الحكم العراقي بشأن صياغة مسودات الدستور المؤقت.


يؤكّد فصل فيلدمان عن تنظيم الدولة الإسلاميّة، على حدّ تعبيره، المخاطر المرتبطة بمحاولة إحداث تغيير سياسي في عالم متقلّب. وتشمل هذه المخاطر رسائل مختلطة مربكة من واشنطن حول المدى الذي كانت مستعدة للذهاب إليه. اعتبر قتل واغتصاب الآلاف من المدنيين الأبرياء، من الإيزيديين وغيرهم، دفاعاً جماعيّاً عن المسلمين باسم الخلافة السلفيّة الجهادية.


في زمن الشتاء العربي يكتب: “الإسلام السياسي يُترك الآن بدون نموذج جدير بالملاحظة لشكل الدولة الذي قد يعمل بالفعل. كمجموعة من الأيديولوجيات فإنّ الإسلام السياسي فقد مصداقيته أكثر من أي وقت مضى في القرن الماضي”. 


يعزو أهميّة كبيرة إلى فشله في مصر والفظائع المروعة التي ارتكبتها داعش، مثل العديد من المراقبين الأجانب، يرى فيلدمان تونس بعد ابن علي كقصة نجاح. ويعزو ذلك إلى حزب النهضة بقيادة رشيد الغنوشي، ويقدّم فكرة أنّ ما يميزه عن جماعة الإخوان المسلمين المصرية هو الاستعداد للمساومة. لقد نجح التونسيون لأنّهم استفادوا من مجتمع مدني قوي، ولم يمارسوا فقط الوكالة السياسية ولكن المسؤوليّة السياسية، ولم يفكروا حتّى في النظر بالتدخل الخارجي نيابة عنهم. 


“ما من شك في أنّ تونس كانت محظوظة بوجود قائد يملك فكر وشخصية وقيادة الغنوشي، كل هذا افتقدته جماعة الإخوان المسلمين المصرية وخاصة مرسي”.


ومع ذلك، لا يزال الإصلاح الاقتصادي محدوداً، حتّى مع عمل النسخة الليبرالية من السياسة الإسلامية (الشبيهة بالديمقراطيين المسيحيين في أوروبا) في إطار الحكومة الدستورية والاعتراف بأنّ الإسلام وحده ليس الحلّ لكل شيء.


بصورة عامة، يعتقد فيلدمان أنّ أحداث الربيع العربي أعطت شعوراً بالتمكين للشعوب التي تألقت في دراماها المثيرة ولكن الحزينة. حتى لو انتهى بهم الأمر بالفشل في تحقيق تطلعاتهم للتغيير. الشتاء يتبعه دائمًا الربيع، مهما تأخّر في للوصول.


واختتم قائلاً: “لقد حان الوقت للاعتراف بأنّ مستقبل العالم الناطق بالعربية يصنعه ويجب أن يصنعه الذين يعيشون هناك، وليس من الخارج، إنّ نجاحاتهم وإخفاقاتهم ستكون ويجب أن تكون خاصة بهم، من الصعب، مهما كان رأيك في ما طرحه، أن تختلف مع ذلك”.


 





إيان بلاك هو محرر سابق في الشرق الأوسط، ومحرر دبلوماسي ومحرر أوروبي في صحيفة الجارديان. في السنوات الأخيرة قدّم تقارير وعلق على نطاق واسع على الانتفاضات العربية وما أعقبها في سوريا وليبيا ومصر، إلى جانب زيارات متكررة لإيران والخليج ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نُشر كتابه الأخير “تاريخ جديد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي” عام 2017، بمناسبة الذكرى المئوية لإعلان بلفور والذكرى الخمسين لحرب 1967.

 


حاصل على درجة الماجستير في التاريخ والعلوم الاجتماعية والسياسية من جامعة كامبريدج، ودرجة الدكتوراه في الحكومة من LSE. كتب إيان في مجلة الإيكونيميست وواشنطن بوست والعديد من المنشورات الأخرى، وهو معلّق منتظم في التلفزيون والإذاعة في شؤون الشرق الأوسط والعالم. كتب مقدمة “الربيع العربي: الثورة والتمرّد والنظام العالمي الجديد” (كتب الجارديان، 2012)، حروب إسرائيل السرية (منشورات جروف، 1991)، الصهيونية والعرب، 1936-1939 (تايلور وفرانسيس، 1986، 2015)، وساهم في موسوعة الشرق الأوسط الحديث وشمال أفريقيا (مرجع مكتبة ماكميلان، 2004). وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “الأعداء والجيران: العرب واليهود في فلسطين وإسرائيل، 1917-2017”.




إيان بلاك








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!