-
تحت سماء بيروت البرتقالية…السوريون بين ضحايا ومنقذين
بين ذهولٍ أمام حجم الدّمار، وخوفٍ من غدٍ يحمل في طياته مجهولاً أشدّ وطأة من كلّ ما مرّ عليهم، يقف السوريون المقيمون في لبنان، وهم الذين هربوا من سوريا إلى لبنان، الذي ظلّ يمدّهم بشيء من الطمأنينة والسكينة التي فقدوها في بلدهم الأم. سماء بيروت
سحابةٌ برتقالية غطّت سماء بيروت ودمشق معاً، لتعلن عن قدرٍ مشترك، فسماء البلدين اكتست باللون ذاته، في دلالة على المصير الذي واجهته العاصمتان طويلاً، والذي لطالما استخدم النظام مصطلح “سوا ربينا”، المستقى من أغنية “فيروز” للتعبير عنه في دلالة لطالما أسيء فهمها..سماء بيروت ودمشق يوم أمس أكّدت أن الظلم الذي تتجرّعه دمشق كان لا بدّ من أن يطال بيروت يوماً، وأنّ بيروت لم تستطع أن تنأى بنفسها عن كلّ ما وقع على دمشق من حيف، فالجلّاد- وإن تعدّدت السبل- واحد.
بعد الانفجار المروّع الذي شهده مرفأ بيروت، والكمّ الهائل من الدمار الذي شهدته المنطقة، والذي قوّض عدداً لا يستهان به من الأبنية، ونسف وسط بيروت التجاري، وبعد أن تجاوزوا مرحلة الذهول والصدمة، راح السوريون المقيمون في بيروت يعلنون عن مبادرات للمساهمة في الحدّ من التأثير الكارثي للتفجير.
البعض عرض تقديم المسكن، وآخرون آثروا التبرّع بدمائهم فهي أغلى ما يملكون، في حين فضّل البعض أن يقوم بدور الدّاعم النفسي، أو المساعد الشخصي، بناء على الخبرة التي اكتسبها خلال السنوات المنصرمة التي قاربت العشرة. سماء بيروت
تأتي جريمة تفجير مرفأ بيروت، التي ما تزال مجهولة الأسباب، والتي تذهب التكهّنات إلى أنها ناجمة عن انفجار شحنة هائلة من نترات الأمونيوم، كانت متواجدة في مرفأ بيروت، في وقت يعيش فيه اللبنانيون أسوأ ظروف ممكنة، في ظلّ تدهور الاقتصاد اللبناني، وأزمة كورونا التي عصفت باقتصاد دول العالم الأول، فكيف يكون الحال مع دولٍ يعاني اقتصادها ركوداً هائلاً؟ وينخر الفساد مؤسّساتها؟
أصابع الاتهام الأولية تتجه نحو حزب الله، سواء من خلال افتعال التفجير، أو تسهيل حدوثه عن طريق الإهمال والتعطيل المتعمّد؛ ولأنّ السوريين خبروا إجرام “حزب الله”، فتعاطفهم مع الحادث كان أكبر.
بالتزامن مع المبادرات التي أطلقها بعضهم، كان هنالك سوريون يودّعون أحبّتهم الذين قضوا في الانفجار، على الرغم من صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، بسبب الاستراتيجية التي تعتمدها المشافي، فضلاً عن التصريحات التي تقول بأن أعداد المفقودين تفوق أعداد القتلى الموثّق سقوطهم، حتى هذه اللحظة.
نجوا من الموت في سوريا..فلحقهم إلى بيروت
نشر عدد من السوريين على صفحاتهم صوراً لأشخاص، قالوا أنهم قضوا في التفجير الذي ضرب مرفأ بيروت يوم أمس. وكان أول الضحايا المعلن عنهم شابان، أحدهما يعمل في توصيل الطلبات، وكان متواجداً في المنطقة، عندما وقع التفجير، دون المزيد من التفاصيل، حول هوية البقية. سماء بيروت
وقد أعلنت سفارة النظام السوري عن فقدان التواصل مع عدد من السوريين، دون توضيح عددهم، حيث قال سفير النظام السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي لصحيفة الوطن الموالية، أنّه “هناك عدد من الضحايا والجرحى السوريين، وتعمل السفارة بالتعاون مع السلطات اللبنانية على إحصاء أعدادهم”.
ولكن يبقى السؤال الأهم: من هم السوريون الذين عناهم سفير النظام؟ هل بينهم أولئك الذين هربوا من براميل النظام ليذهبوا ضحية تفجير بيروت؟ وهل يشمل الوفيات من الأطفال الذين حرم ذووهم من حقّ منحهم هوية أو شهادة ميلاد سورية، لكونهم ينتمون لأبوين “إرهابيين”؟
ولمعرفة مدى إمكانية الوصول إلى إحصائية دقيقة فيما يتعلّق بالسوريين الذين سقطوا في تفجير مرفأ بيروت، تواصلت ليفانت نيوز مع الطبيب السوري فراس الغضبان، وهو مدير مركز إيما الطبي في البقاع اللبناني، والذي قال: ” بالنسبة لعدد الوفيات في صفوف السوريين، فلم نتوصّل إلى إحصائيات دقيقة، نظراً لأنّ المشافي اللبنانية، تحتفظ حالياً بسرّية المعلومات، وتوافي وزارة الصحة بها، ونحن لا نمتلك إمكانية التواصل معهم”، ويتابع: “قد نتمكن خلال الأيام القادمة من التوصل إلى إحصائيات دقيقة بعد أن تتضّح بعض الأمور، ويتم الكشف عن مصير المفقودين”.
وتداولت بعض المصادر رقماً تقريبياً هو 27 شخصاً يحمل الجنسية السورية، من مجمل ضحايا تفجير مرفأ بيروت الذي وقع يوم أمس في 5 آب/ أغسطس 2020، دون أن نتمكّن في ليفانت نيوز من التحقق من المعلومة. سماء بيروت
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من المواطنين السوريين، نشروا مقاطع فيديو تظهر حجم الدمار الهائل الذي طال مساكنهم في بيروت، والتي هربوا إليها فارّين من الأهوال التي عانوها في سوريا، ليجدوا أنفسهم أمام مشهد الدمار ذاته في بيروت.
دم أو سقف..هذا ما أملكه لنجدتك!
حين بدأت أزمة كورونا تضرب الدول الأوروبية، ساهم سوريون كثر في مبادرات تطوعية لإعانة المسنين المحجورين خوفاً من العدوى، فتبرّعوا بالتسوّق، بل وخياطة الكمامات وتصنيع مواد التعقيم؛ الأمر الذي لقي صدى طيباً في صفوف الأوروبيين، وهم أنفسهم من تطوّعوا لإطفاء حرائق الغابات. سماء بيروت
ما هو مختلف بالنسبة للسواد الأعظم من السوريين في لبنان أنّهم الأقلّ دخلاً، ولا يوجد لديهم نظام تكافل اجتماعي يحميهم من عاديات الزمن، ولا هم قادرون على الذهاب إلى صناديق البطالة حين يفقدون مورد رزقهم؛ تلك الرفاهية التي لم يعد اللبنانيون، أبناء البلد: يحظون بها!
بالرغم من كل ذلك، هبّ سوريون كثر لتقديم السكن، أو الرعاية المؤقتة، أو حتى أعمال التنظيفات والمساعدة الشخصية إلى أن يتمكّن اللبنانيون المنكوبون من الخروج من مرحلة الصدمة، ويقوموا بإنجاز العمل بأنفسهم.
الصحفي السوري أحمد القصير، أعلن مباشرة على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك، عن استعداده لاستضافة عائلتين من العائلات المنكوبة، في بيته، مع تعهّده بتأمين كل احتياجاتهم.
حول مبادرته، ومثيلاتها، يقول الصحفي السوري لـليفانت نيوز: “هذه المبادرة لنقل أنها رد بسيط لجزء من إحساس الأمان، الذي منحتنا إياه بيروت، بدلاً من الهلع الذي لقيناه في سوريا، صحيح أنّ هذا الهامش من الأمان ليس كبيراً، ولكن بيروت تستحق الشكر من أجله”، وتابع: ” يوجد في لبنان أناس ما زالوا يقفون مع الثورة السورية واللاجئين السوريين، بعد مرور ما يزيد على التسعة أعوام، إكراماً لهؤلاء ولأن بيروت هي العاصمة العربية التي لم تغب عن إحياء ذكرى الثورة السورية، والوقفات التضامنية مع السوريين يوماً، طيلة هذه السنوات”.
في سياق متصل، أعلن ساكنو مخيم البراء2 في عرسال، من المهجّرين السوريين عن استعدادهم للتبرّع بالدم، من أجل نجدة جرحى الانفجار الذي ضرب مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت.
كما أعلن الشاعر السوري نور دكرلي، عن استعداده للاستضافة ، والمساعدة في أعمال التنظيف، والدعم النفسي، ووضع كلّ طاقاته في نجدة المتضرّرين من التفجير.
من جهتها، أعربت “غالية”، وهي شابة سورية مهجّرة في لبنان عن أسفها لما حلّ ببيروت، وقالت لـليفانت نيوز: “أحسست أنّ خير وسيلة لمواساة أهلنا في بيروت هو التبرّع بالدم، لقد كانوا في غاية الإنسانية معنا، واحتضنتنا بيروت وحمتنا من الظلم الذي عايشناه في سوريا، كما أنّهم أصبحوا بمثابة أهل لنا بعد كلّ هذه الإقامة بينهم، فلا أقلّ من مساعدتهم بما يمكننا تقديمه، حين يقعون في ضائقة، واليوم بيروت تحتاجنا جميعاً سوريين ولبنانيين”، وتمّنت للجرحى الشفاء العاجل، وعودة كلّ المفقودين إلى ذويهم.
منظمات ومؤسسات طبية سورية..في خدمة البيروتيين
فريق ضماد الطبي، أبدى استعداده لوضع إمكانياته في خدمة العائلات المنكوبة، وتقديم الخدمات الطبية، وتغيير الضمادات بشكل مجاني، كما أعلنوا عن استعدادهم للتوجّه إلى بيوت المصابين لمساعدتهم في تضميد جراحهم.
حيث نشر الطبيب فادي الحلبي على صفحته الشخصية، إعلاناً يتضمن رقم هاتف للتواصل، وأعلن عن وضع فريق الضماد السوري من “منظمة مابس” الإنسانية، في خدمة المتضرّرين، مع الوعد بالوصول إلى المصابين في أماكن إقامتهم.
فريق إيما الطبي، توجّه هو الآخر إلى وسط بيروت للمساعدة، مصطحبين عيادتهم المتنقّلة، ومجموعة من أطباء الفريق لتقديم المساعدة.
حول شكل المساعدة التي طرحه فريقُ EMA، يقول الطبيب فراس الغضبان لـليفانت نيوز: ” حاولنا يوم أمس أن نقوم بحملة تبرع بالدّم، وتواصلنا مع المشافي، وتركنا أرقامنا لديهم من أجل التواصل معنا، وأعلمناهم باستعداد عدد كبير من السوريين للتبرّع بالدم في حال الحاجة، بناء على رغبة الأشخاص الذين تواصلوا معنا لهذه الغاية”.
وأضاف الغضبان: “لقد كان هنالك ازدحام شديد في المشافي يوم أمس، ولم يكن لديها المقدرة على استيعاب الأعداد الهائلة من السوريين واللبنانيين الراغبين بالتبرّع بالدم، بكل الأحوال تركنا أرقام هواتف للتواصل في حال الحاجة وسنعمل على تنظيم الناس ونقلهم في (سيارات فان) ليقوموا بالتبرّع بالدم، وإعادتهم إلى مساكنهم”.
وأوضح الطبيب أنهم “بصدد إطلاق مبادرة لتأمين الرعاية الصحية الأولية للمتضرّرين، وكذلك العمل على إنشاء نقطة طبية في ساحة الشهداء، لتقديم الرعاية الصحية الأولية”.
شفة الجرح السوري ما تزال مفتوحةً، وعلى الرغم من مرارة الظلم الذي تجرّعه السوريون، إلا أنّ المصاب الجديد يوم أمس ترك رسالةً مفادها أن لا خلاص للبناني إلا بخلاص كل السوريين، وأن العدالة المجتزأة أسوأ من اللاعدالة!
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!